وخلافا لما أعلنه تحالف العدوان في الأسابيع الأولى من تدمير القدرات الباليستية للجيش اليمني لم تقف جهود القوة الصاروخية عند حد الاحتفاظ بمخزونها الاستراتيجي من منظومات “توتشكا” و”سكود” “روسية الصنع وأخرى “كورية شمالية” بمديات أقصاها لا يتجاوز 350 كم، بل أخذ التطوير والتصنيع مرحلة تصاعدية لتحدي الحصار وكل عوامل القوة والتفوق الجوي والبحري للعدو لخلق عامل ردع مواز له ولوضع اليمن كقوة إقليمية يحسب لها ألف حساب خصوصا وصواريخها المطورة أرعبت وأقلقت النظام السعودي ومشغليه مع وصول مداها إلى 1300كم.

ونظرا لطبيعة الحرب التي وجد اليمنيون أنفسهم مجبرون على خوض غمارها لمواجهة عدوان شامل وتحالف يملك أحدث التنقيات العسكرية  كانت منظومة الصواريخ اليمنية غير ذات جدوى، لأسباب تقنية وتكتيكية حالت دون تفعيلها بالشكل المؤثر الذي هي عليه اليوم ان من حيث مدياتها أو زخمها وقدرتها على اختراق تقنية المنظومات الدفاعية حيث كان يفصل بين عميلة إطلاق صاروخ باليستي وآخر على العمق السعودي أسابيع وأحيانا أشهر..

بداية صعود القوة الصاروخية في 2015

في السادس من  شهر حزيران/ يونيو ألفين وخمسة عشر سجلت القوة الصاروخية أول ضربة باليستية باتجاه العمق السعودي مستهدفة قاعدة خميس مشيط الجوية في عسير بصاروخ سكود فاتحة مروحية أهداف تنوعت بين حيوي وعسكري بعد أن اقتصرت الهجمات على صواريخ الكاتيوشا ومنظومات محلية الصنع قصيرة المدى متعددة الطرازات، وهي بحسب تراتبية كشف النقاب عنها “الصرخة1-2″ و”النجم الثاقب1-2” ولاحقا صمود بمديات تصل إلى 75كم إضافة إلى “منظومة الزلزال1-3” وأشهرها صاروخ “زلزال 3” البالسيتي قصير المدى، والذي يتطابق مع صاروخ توتشكا الروسي من حيث المدى والقوة التدميرية، واستخدم بكثافة لقصف مواقع سعودية قريبة من الحدود بقوام “19” صاروخا وقوبلت جميع تلك الضربات بنوع من السخرية والاستخفاف من قبل النظام السعودي وانعكس ذلك في تعاطيه الإعلامي بوصفه لها بالمقذوفات البدائية عديمة الجدوى والفاعلية.

وانهت القوة الصاروخية العام ألفين وخمسة عشر بإزاحة الستار عن منظومة صواريخ قاهر المعدلة من صاورخ سام “أرض ـ جو” ليصبح “أرض ـ أرض” الجيل الثاني منه “قاهرتو إم ” يبلغ مداه 400كم ويتميز بدقة الإصابة وقوة تدميريه كبيرة اذ يبلغ وزنه المتفجر 300كيلو غرام.

وسجل صاروخ القاهر بجيليه الرقم الأكبر في الضربات الباليستية على العمق السعودي متجاوزا الأربعين (41) صاروخا من مجموع 100 صاروخ على الأقل بأنواعها المختلفة استهدفت قواعد ومنشآت عسكرية وحيوية سعودية.

بركان.. والارتقاء الاول في العام 2016

في عام 2016، دشنت القوة الصاروخية مرحلة جديدة من المواجهة استطاعت خلالها قلب موازين القوى محدثة نقلة نوعية في معادلة الردع بالكشف عن صواريخ بركان المعدلة من صواريخ “سكود”، بأيدٍ يمنية لزيادة مداها وقدرتها على اختراق أجهزة الرصد الغربية ومنظومات الدفاعات الجوية الأمريكية وتأكد ذلك باستهداف قاعدة الملك خالد في الطائف في العاشر من شهر تشرين الاول/ أكتوبر وذلك بعد تجربة عملياتيه ناجحة لهذه المنظومة مطلع سبتمبر أيلول واستهدفت قاعدة عسكرية سعودية في المزاحمية غربي الرياض.

ونهاية شهر أكتوبر من العام نفسه أطلقت القوة الصاروخية صاروخا من طراز “بركان” على مطار الملك عبدالعزيز بمدينة جدة حينها لم يتمالك نفسه النظام السعودي رغم جحوده ونكرانه لما سبقها ولم يجد من وسيلة للحد من زخم تلك الضربات سوى التعلق بأستار الكعبة زاعما قصف المقدسات، ومستحضرا سردية تدخل إيران التي اتخذ منها شماعة لتعليق أخطائه وتبرير فشله واخفاقه.

وتبقى التجربة الصاروخية إلى الإمارات وضربة صاروخ كروز المجنح في هذا العام الأقل عددا والأكثر دلالة.

2017..الصواريخ الدقيقة وبركان H-2

في 23 تموز/ يوليو ألفين وسبعة عشر دخل نوع جديد من الصواريخ تحت مسمى “بركان 2-H  بإطلاق صاروخ باتجاه مصفاة ينبع النفطية وبمدى تجاوز أكثر من ألف كيلومتر، ضمن مرحلة ما بعد الرياض وصاروخاً باتجاه مطار الملك خالد الدولي، في تشرين الثاني/ نوفمبر، وصاروخ آخر استهدف قصر اليمامة منتصف كانون الاول/ ديسمبر العام الماضي وهنا أبدى الأمريكيون انزعاجهم وعبروا عن قلقهم بشكل صريح وواضح وتجلى ذلك في عرض نيكي هيلي بمجلس الأمن حطام الصاروخ وإقامة معرض دائم له في واشنطن.

الرياض غير آمنة.. والهروب بالقمة

ومع دخول الحرب العدوانية عامها الرابع برزت الصواريخ البالستية بشكل كبير ودشن  الجيش واللجان الشعبية العام باطلاق دفعة صواريخ بالستية الى عدد من المدن السعودية بينها الرياض مستهدفة مطار الملك خالد ومطارات نجران وجيزان وعسير بالتوازي مع كشف الستار عن منظومة صاروخية جديدة محلية الصنع أطلق عليها بدر1 في رسالة واضحة بأن هذا العام سيكون عاما باليستيا بامتنياز وهو ما أكده الرئيس صالح الصماد رئيس المجلس السياسي الأعلى لاحقا مطلقا معادلة باليستية يومية.

ومع حجم النيران الآخذة في الاتساع والشمولية في العمق السعودي بدفعة باليستية جديدة في الحادي عشر من شهر نيسان/أبريل العام الجاري كان من أهم وأبرز أهدافها وزارةُ الدفاعِ في الرياضِ ومدينة الملكِ عبدالله الاقتصادية في جيزانَ ومبنى توزيعِ أرامكو في نجران معطوفا عليها عمليات طائرات مسيرة سقطت نظرية الأمن الداخلي السعودي وهو ما انعكس مباشرة على الأداء والحركة في بيئة سعودية أدرك قاطنوها أنها غير آمنة وغير مستقرة وليس أكبر ما يدل على هذه الحقيقة نقل القمة العربية إلى الدمام في أقصى الشرق على ساحل الخليج العربي بدلا عن الرياض تفاديا للصواريخ البالستية القادمة من اليمن، وهو ما اشارت إليه صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية.

وبذلك تكون الأزمة المعنوية داخل السعودية قد تفاقمت والثقة في القيادات السعودية تكاد تنعدم مع تنامي حالة سخط واستياء يعبر عنها مغردون سعوديون على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل ومتزايد اذ أصبح من غير المنطقي الحديث عن اعتراض صواريخ في سماء الرياض بعد أن تجاوزت منظومات الدفاع الأمريكية على طول الحدود وفي الوقت الذي يشهد الناس  بأم أعينهم فشل “الباك ثري” التي عادت لتسقط على الأحياء السكنية.

هذا التطور الملحوظ لا يقلق الأمريكيين ويضر بسمعة سلاحهم وقيمته الاقتصادية والمالية وحسب بل ويرعب السعوديين الذين وجدوا انفسهم وسط نار أوقدها نظامهم وأقنعهم باجتثاثها واذا بها تكبر يوما بعد آخر لتصل بعد ثلاث سنوات إلى حجم لا يستطيعون احتوائه واستيعابه.

والسؤال الذي يفرض نفسه أي مصير سيق إليه السعوديون وقد وعدهم نظامهم المرتهن لأمريكا بأمن بات بعيد المنال؟