المنبر الاعلامي الحر

أفكار من العراق إلى اليمن: العدوان وتمزيق الجسد اليمني

يمني برس كتابات 

بقلم  محمد ناجي أحمد 

كانت حرب الخليج الأولى استنزافاً لممكنات ومقدرات العراق وإيران، ومحاولة لإجهاض وضرب المشروع العربي والثورة الإيرانية. وجاءت حرب الخليج الثانية حرباً غربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية على الوطن العربي، لترتب السيطرة المطلقة على المنطقة وثرواتها بعد سقوط الإتحاد السوفيتي.

كل الأنظمة العربية أصبحت تطالب بشكل صريح وجهوري بحماية أمريكا لها، فوصل الأمر بالرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إلى أن يطالب بمبالغ مالية لتسديد نفقات القواعد الأمريكية في المنطقة. لقد كانت حرب الخليج الثانية سيطرة مطلقة على المنطقة، وإعادة رسم خارطة طريق لترويض الحق الفلسطيني وإسقاطه من حسابات المشروع الشرق أوسطي.

كانت ذريعة أمريكا في حرب الخليج الثانية هي تحرير الكويت، لكن تدفق أكثر من نصف مليون من الجيوش النوعية والأساطيل الحربية الأحدث والطائرات ذات التقنية العالية التصويب لصواريخها والتحليق العالي والسرعة الفائقة، كل ذلك كان يقول إن الهدف هو تدمير العراق أسلحة ونظاماً وشعباً، وتفتيت الأمة والوطن العربي إلى كنتونات ثقافية: عرقية وجهوية ومذهبية وطائفية.

اليمن يتعرض للخنق بالحصار على طريقة «خطة نابليون»

لم يعد الهدف ضرب المشروع الوحدوي العربي فحسب، وإنما تدمير الدولة الوطنية بهويات قاتلة ومحتربة. في هذا السياق، وبشمولية الحرب التي بُدِئت في العراق، ثم استمرت لتشمل ليبيا وسوريا واليمن، فإن هذه الحرب الكلية هدفها تدمير المقدرات العسكرية والاقتصادية والسياسية والعمرانية والثقافية وهو ما تمت ممارسته في أكثر من بلد عربي.

في اليمن، بدأ الرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي نصبته السعودية من خلال تسوية عام 2012م، بتدمير مؤسسة الجيش تحت لافتة إعادة الهيكلة، وإسقاط الطائرات العسكرية فوق أجواء العاصمة صنعاء، واغتيال ضباط القوات الجوية والطيارين وضباط الأجهزة المعلوماتية، وتمزيق وحدة 22 مايو تحت لافتة الأقاليم والدولة الإتحادية.

يحدث في اليمن منذ عام 2015م إلى اليوم ما حدث للعراق. خنق لليمن بالحصار على طريقة «خطة نابليون» كما صرح بها عبد ربه منصور هادي ذات حوار صحافي، وبنازية واضحة تبجح هادي بقوله إنه في فترة شبابه تأثر بكتاب «كفاحي» وبهتلر. ويبدو أن هذا الأثر واضح في تفكيره الجهوي ونظرته لليمن وفق تقسيم وإرث من الثارات التي تتفلت من بين سطور الحوارات التي يجريها في «عكاظ» و«الحياة» و«الشرق الأوسط»… إلخ .

وعلى ذات النهج الذي دُمر به العراق أمريكياً، يتم تدمير اليمن بالحصار، ونسف البنى التحتية الأساسية. ضربٌ لآبار المياه والمصانع ومحطات الكهرباء، ونسف للأسلحة الرئيسية المخبأة، وهدم للبيوت على رؤوس ساكنيها. نازحون ومهجرون من مناطقهم يفرون من الموت من جغرافية لأخرى، فيدركهم القتل الذي يفرون منه بصواريخ عاصفة تحالف العدوان الأمريكي – الخليجي.

الصمود انتصار وأن تهلك بشرف أكرم لك من الإنبطاح مختاراً

لقد ألقوا في بداية الحرب طيلة شهر كامل، ليلاً ونهاراً، صواريخهم على رؤوس الجيش بغرض شل الإرادة في عناصره، وقام الإعلام الخليجي، كما صنع الإعلام الخليجي – الأمريكي في حربه على العراق، من خلال نشرات الأخبار وأوقات بثها المتعددة، بنشر جو من الرعب والحقد، حتى أوهم الرأي العام بأن لديه قضية عادلة اسمها «استعادة الشرعية» و«إنهاء الإنقلاب». والحقيقة هي أن «الشرعية» كانت انقلاباً على شرعية الصناديق، لتكون الشرعية هي شرعية غلبة المال والمسيرات الموجهة بالإعلام الخليجي، ثم شرعية الدول العشر بقيادة أمريكا والوصيف البريطاني والبيادق الخليجية.

أفسح إعلامهم المجال للآراء المتباينة ليغرق الجميع في مناخ من الكراهية، بل خصص برامج أسبوعية لحوارات لا تتم إلا بالأيدي والخناق والسباب واستخدام الأحذية. لقد قالها بريجنسكي، مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس الأمريكي جيمي كارتر: «سنلعب بعد الآن لعبة الطائفية، فلا نعلق ولا نتخذ من إعلانه أي موقف»! كل حوار مع الشيطان يكون الإنسان فيه هو الخاسر كما يقول المتصوفة، ونحن سلكنا طريق الخسران دون فائدة مرجوة من كل حوار وتسوية سوى أن الشيطان يكسب باستمرار.

ما صنعته حرب الخليج الثانية، ثم ما سُمّي بـ«الربيع العربي»، هو تكريس ضيق الأفق وضبابية الرؤية، وتحويل الإنسان العربي إلى شيء من الأشياء، وغيبوبة تتوهم أنها تحررت من الخوف فيما الخوف يتلبس كيانها، فأصبحت لسانه ويده وعينيه. سيطرت عقلية «القطيع» على المثقفين والسياسيين، وسيطرت الأساطير، وتوحش التخلف على بعضه بعضاً.

لهذا، فالصمود انتصار، ولو كان في ذلك الهلاك، فأن تهلك بشرف أكرم لك من الإنبطاح مختاراً. فالهزيمة الحقيقية هي أن تقدم للأجيال القادمة نموذجاً مخزياً في انهزامك. فالموت واقفاً يجعل شعلة النصر متقدة وأملاً لا يخبو.

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com