زيارة ترامب للخليج.. حصاد الأموال على حساب القضايا المركزية والسيادة
زيارة ترامب للخليج.. حصاد الأموال على حساب القضايا المركزية والسيادة
يمني برس- تقرير- محمد الأسدي
في مشهد بدا وكأنه حفل للكرم العربي “غير المشروط”، تستعد عواصم خليجية لاستقبال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بترحيب فاق الحدود، في زيارة لم تخفِ أهدافها المادية الصريحة، وبدت وكأنها رحلة لحصاد الأموال على حساب القضايا المصيرية للأمة والسيادة الوطنية.
وبينما كانت شوارع الرياض تتزين لاستقبال الضيف الأمريكي، كانت الأنظار تتجه نحو حجم الأموال التي سيحصدها ترامب من السعودية وقطر والإمارات، في وقت تواجه فيه بعض هذه الدول تحديات اقتصادية كبيرة.
الأرقام التي تم تداولها قبيل وأثناء الزيارة كانت فلكية بكل المقاييس. الحديث عن تريليون دولار استثمارات سعودية في الولايات المتحدة، وعن استثمارات إماراتية تقارب 1.4 تريليون دولار، بالإضافة إلى “لفتات” قطرية تمثلت في إهداء طائرة رئاسية واستضافة أكبر قاعدة جوية أمريكية في المنطقة، كلها مؤشرات تؤكد أن الأولوية القصوى لترامب من هذه الزيارة كانت “حصاد الأموال الخارجية”.
هذه الأرقام الضخمة، التي وصفها خبراء اقتصاديون بأنها “غير واقعية”، تأتي في وقت تواجه فيه المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، عجزاً كبيراً في الميزانية وتحديات في تمويل مشاريعها العملاقة بسبب انخفاض أسعار النفط. ومع ذلك، يبدو أن هناك رغبة جامحة لدى بعض الأنظمة في المنطقة في دفع هذه المبالغ الطائلة، في محاولة لشراء الحماية الأمريكية أو ضمان البقاء في السلطة تحت المظلة الأمريكية، حتى لو كان ذلك على حساب الاحتياجات الداخلية والتنمية المستدامة.
إن زيارة ترامب، التي من المقرر أن تمتد من الثالث عشر إلى السادس عشر من مايو الجاري وتشمل السعودية وقطر والإمارات، كشفت بوضوح أن العلاقة بين واشنطن وهذه الدول لا تقوم على مبدأ التكافؤ، بل على مبدأ “التوظيف”. فواشنطن توظف هذه العلاقة لتحقيق مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية، بينما تسعى هذه الدول للتقرب من “سيد البيت الأبيض” لتحقيق أولويات مختلفة، سواء أكانت حماية أمنية (كما تسعى الرياض)، أو انخراطاً في عالم التكنولوجيا تحت المظلة الأمريكية (كما تسعى أبوظبي)، أو تعزيزاً للحضور الدبلوماسي في الإقليم والعالم (كما تسعى الدوحة).
الأكثر إيلاماً في هذا المشهد هو توقيت الزيارة، وتزامنها مع استمرار جريمة الإبادة الجماعية المدعومة أمريكيًّا في قطاع غزة.
كان الواجب الديني والقومي والأخلاقي يحتم على الدول الثلاث رفض هذه الزيارة، أو على الأقل اتخاذ موقف يندد بالعدوان ويدعو لوقفه، بدلاً من استقبال ترامب بهذا الترحيب الحار.
هذا الموقف، الذي يمثل الحد الأدنى من التضامن مع الشعب الفلسطيني، لم يتحقق، بل عاد الحديث عن مسار التطبيع مع الكيان الصهيوني بقوة، وحضر هذا الملف في أحاديث المسؤولين الصهاينة قبيل الزيارة، مما يؤكد أن القضية الفلسطينية باتت رهينة للمصالح الضيقة ورغبات التطبيع.
لقد حاول ترامب خلال زيارته الترويج لـ “سلام إقليمي”، ولكن شواهده ليست معلومة، خاصة مع رئيس يغلب عليه المزاج والتلون في مواقفه، وإن رجحت كفة التصعيد، فتلك أمريكا لا تتخلى عن طبيعتها العدوانية. ولكن المعضلة الحقيقية تكمن في الدول المستضيفة، التي يبدو أنها تضع مصالحها في أمنها واستقرارها من خلال الابتعاد عن تحريض الإدارة الأمريكية، حتى لو كان ذلك يعني التضحية بالقضايا المصيرية للأمة والتنكر للواجب الأخلاقي والإنساني تجاه الشعب الفلسطيني.
في الختام، يمكن القول إن زيارة ترامب للخليج كانت تجسيداً لمرحلة لا تقوم فيها العلاقات على أسس متينة من السيادة المشتركة والمصالح المتكافئة، بل على منطق العطايا والتبعية والبحث عن الحماية بأي ثمن. وهو ما يضع مستقبل المنطقة على المحك، ويجعلها عرضة للتقلبات والمساومات التي تخدم مصالح القوى الكبرى على حساب آمال وتطلعات شعوبها وقضاياها العادلة.