الإيمان والولاية.. حصن الأمة في مواجهة الطغيان
يمني برس | يحيى الربيعي
يمثل عيد الغدير الأغر، يوم الولاية، مناسبة عظيمة يحتفي بها اليمنيون كل عام، مستلهمين إرثهم الإيماني العظيم الذي توارثوه عبر الأجيال. إنه يوم يفيض بالفرح بنعمة الله تعالى، ويتجلى فيه كمال الدين وبلاغ الرسول الكريم صلى الله عليه وآله. لكن الاحتفال بهذه المناسبة يتجاوز مجرد الفرح، ليغوص في عمق مبدأ إسلامي عظيم: مبدأ الولاية. هذا المبدأ هو صمام الأمان للأمة، وحصنها المنيع ضد الانزلاق إلى ولاية اليهود والنصارى.
التولي لليهود والنصارى.. إخلال بالإيمان وتبديد للهوية
لقد حذر القرآن الكريم تحذيراً صريحاً ومُحكماً من التولي لليهود والنصارى، وهذا التحذير لا يقتصر على مجرد التعاون العسكري أو السياسي، بل يشمل كل أشكال التبعية والخضوع، وكل ما يؤدي إلى التعامل معهم كجهة آمرة موجهة في مختلف شؤون الحياة. إنها قضية بالغة الخطورة، لأنها تمثل إخلالاً كبيراً في الانتماء الإيماني، فمن يتولى اليهود والنصارى، يصبح محسوباً منهم في إجرامهم وضلالهم وفسادهم.
لقد رسخ القرآن الكريم لدينا، كمسلمين، النظرة الصحيحة تجاه اليهود وأوليائهم من النصارى، باعتبارهم أعداءً لدودين. ومع ذلك، يتهاون الكثيرون مع قضية الولاء لهم، ويعود السبب في ذلك إلى غياب التثقيف الديني الواعي، الذي يوضح خطورة هذا التولي وتبعاته الوخيمة. هذا الغياب يؤدي بالكثيرين إلى التحرك بما يخدم مصالح اليهود والنصارى، أو يؤيد مواقفهم، دون إدراك لحجم الخطر.
إن مسألة التولي لليهود والنصارى ليست عادية، بل تتجه تأثيراتها السلبية إلى صميم التزاماتنا بالمبادئ والمواقف. فكيف يعقل أن تتجه الأمة إلى ولاية من يعاديها في كل أنشطته وبرامجه وتوجهاته وسياساته؟ إن الأعداء لا يريدون للأمة الإسلامية أي خير أو عزة أو نهضة، بل يعملون ليل نهار على إضلالها وخداعها بعناوين براقة وجذابة. هدفهم الأسمى أن تضل الأمة وتضيع في دينها ودنياها، وأن تتحول إلى مجرد تابع مطيع لهم، سواء كانت حكومات أو شعوباً أو أحزاباً أو كوادر أو نخباً.
مخططات الأعداء وخطورة النفاق الداخلي
الأعداء يعملون بجد ونشاط مكثف، بل ومتسارع ومستمر، على الإفساد الشامل في كل مناحي الحياة. إنهم يسعون لبرمجة دين الأمة وهويتها بما يحقق أهدافهم بالسيطرة التامة، لا مجرد السيطرة العسكرية. وفي خضم هذا المخطط الخبيث، تبرز حالة خطيرة من داخل الأمة، تتمثل في حركة النفاق، التي تتماهى مع الأعداء، وتدفع بالأمة نحو اتخاذ اليهود والنصارى أولياء، في محاولة لتقديم ما تعتبره تودداً إليهم وخدمة لمصالحهم.
إن خطورة هذا الانحراف تتجه بالأمة نحو اتخاذ اليهود والنصارى أولياء في الموقف، مما يُمكّنهم من السيطرة عليها. ومهما اطمأن البعض في الولاء للأعداء، ومهما كانت الحسابات السياسية التي يظنونها صائبة، فإن العاقبة الحتمية هي الندم والخسران المبين. لقد رسخت الآيات القرآنية الرؤية الصحيحة للأمة، بما يحميها من الانزلاق والتورط في اتجاه الأعداء، الذين يحرصون على قولبة الأمة بما يخدم مصالحهم، عبر فرض الإملاءات والتدخل في شؤون الحياة المختلفة. إن الانحراف والتحريف والانصراف عن هدى الله هو تعبير عن حالة ارتداد خطيرة.
الإيمان والولاية.. حصن الأمة في مواجهة الطغيان
لقد قدم القرآن الكريم الولاية كأساس إيماني يحمي الأمة من ولاية أعدائها، ويصلها بنصر الله في موقع الصراع مع هؤلاء الأعداء. إن أبرز عنوان يعبر عن توجهات الأعداء هو الظلم، الذي يتجلى في كل أعمالهم وسياساتهم ومواقفهم.
إن الأمة، في إطار صراعها مع الأعداء، هي في إطار مهمة مقدسة. إنها مسؤولية عظيمة تقع على عاتق أمة الخير في مواجهة شر اليهود، والقيام بالقسط والعدل، والتحرك بقيم الحق بما تحمله من هدى ونور للبشرية جمعاء. ليس صحيحاً أن تكون عناوين المواجهة مع اليهود حصرية ومحدودة، دون أن تسند الأمة حقها في الأرض إلى قيمها الإيمانية.
من خبث اليهود أن يعملوا على تقديم أنفسهم كجهة تمثل الخير والنور، في مواجهة الحركات التي يصفونها بـ”الظلامية والإرهابية والمخربة”. ومن المؤسف أن يقبل اليهود، بأسلوبهم الماكر، على تجريد الأمة من التحرك في العناوين الإيمانية، وأن تقبل الأمة التحرك في إطار عناوين حقوقية أو سياسية مجردة، وتترك لليهود أن يحملوا عناوين دينية، ولو كانت زائفة.
إذا جُردت الأمة من إيمانها، فإنها تفقد أشياء كثيرة جداً، في مقدمتها الارتباط بالله في أداء مسؤوليتها العظيمة والمقدسة. ومن المؤسف أن تهبط الأمة إلى عناوين بسيطة جداً، وكأن قضيتها مجردة عن الحق والعدل والخير. إن عنوان المطالبة بالأرض بشكل مجرد عن كل ما يعطيه قدسية، يعتبر هبوطاً له تأثيره حتى على المستوى النفسي. فاليهود يسعون إلى هبيط الأمة بقضيتها، بما يؤثر عليها نفسياً ومعنوياً، وعلى مستوى الرعاية والتأييد الإلهي.
وعلى عكس اتجاه الأمة، يحمل اليهود كل العناوين الدينية، ويحشدونها بغير حق وفي غير محلها، بل ويسيئون إليها. إنهم يعملون على تقديم العناوين الدينية لإجرامهم وفسادهم، مع محاولة سلب الأمة كل ما يؤهلها لتكون بمستوى المواجهة. إنهم يستهدفون الأمة في البصيرة والوعي، وعلى مستوى الحالة المعنوية، من خلال الإضلال والإفساد والحرب الناعمة الشيطانية.
نور الولاية الإلهية في مواجهة ظلمات الظالمين
إن الإيمان بولاية الله يصل الأمة بهدى الله وتعليماته الحكيمة، ويربطها في مختلف شؤون حياتها بذلك. هذا الإيمان يجعل مسيرة الأمة في الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها على أساس تعليمات الله وتوجيهاته القيمة والحكيمة. وفي المقابل، فإن أبرز عنوان لولاية الطاغوت والشيطان هو الظلم والظلمات.
فمن يوالي اليهود يتحول إلى ظالم. وهل هناك أظلم مما يفعله العدو الإسرائيلي بالشعب الفلسطيني في قطاع غزة؟ إن ما يرتكبه العدو الإسرائيلي في غزة هو في منتهى الظلم، وأبشع أنواع الظلم الذي يشهده العالم. إن ظلم الأعداء لا يقتصر على الإجرام بالقتل، بل يمتد ليشمل الضلال العقائدي والفكري والثقافي والسياسي. فكل أشكال الضلال هي من الظلم للناس، وإفساد المجتمعات البشرية هو من الظلم لهم.
إن الظلاميين والطغاة المجرمين يعملون على تجريد الأمة من كل القيم ومن كل عناوين الخير، بل ويحملون عناوين الخير بشكل زائف ومتناقض تماماً معها، لضرب الأمة في روحها المعنوية. إن الأعداء يسعون لتجريد الأمة من الأسس الإيمانية، فتبقى أمة بدون جذور يسهل عليهم اقتلاعها. فالأعداء من اليهود والنصارى يتجهون وبشكل واضح إلى فرض ولايتهم على المسلمين، لفرض السيطرة التامة عليها.
إن وعي الأمة بخطورة الولاية للأعداء يمنعها من تقبل طاعتهم والخضوع لهم. فحركة النفاق تلتقي مع الأعداء بالاتجاه عملياً في تحقيق خطوات متقدمة في السيطرة على الأمة. فالأعداء يعملون على تصفية القضية الفلسطينية بشكل نهائي، وما يرتكبونه من إبادة جماعية يأتي في هذا السياق. إنهم يعملون على إزاحة العوائق أمامهم في فلسطين وما بعدها.
خياران لا ثالث لهما.. الخنوع أو المواجهة
يجب أن تكون نظرة الأمة إلى الأعداء على أساس الحقائق القرآنية ومصاديقها في الواقع واضحة جلية. فالمخطط الصهيوني في المنطقة واضح، وهم يلتزمون به ويؤكدون ارتباطهم به، ولا ينكرون خطواته العملية. عنوان هذا المخطط الصهيوني الذي يكررونه باستمرار هو تغيير وجه “الشرق الأوسط”.
إن النظرة إلى الأعداء يجب أن تكون من خلال إجرامهم الذي يحصل في قطاع غزة. ومع النظرة العاطفية للتضامن مع الشعب الفلسطيني، يجب أن تكون هناك رؤية يُبنى على أساسها الموقف ضد اليهود الصهاينة. لا ينبغي أن يخدع الإنسان نفسه ويخالف القرآن والواقع، ويقبل بنظرة ساذجة غبية ترى في اليهود الصهاينة أنهم فئة يمكن السلام معها.
نحن في مرحلة مهمة وحساسة جداً في الصراع مع اليهود الصهاينة. هناك خياران لا ثالث لهما في هذه المرحلة: إما الخنوع لليهود الصهاينة، أو مواجهة مؤامراتهم وشرهم وطغيانهم. إن الخضوع لليهود الصهاينة فيه خسارة الدنيا والآخرة، وفيه الشقاء والهوان والخزي، وخسارة للكرامة الإنسانية.
هل ستختار أمتنا الخنوع الذي يؤدي إلى الخسران المبين، أم ستنهض لمواجهة الظلم والطغيان، متمسكة بولاية الله ومبادئها الإيمانية العظيمة؟