المنبر الاعلامي الحر

مرونة حماس.. نفوذ يكسر شوكة الاحتلال ويكشف زيف عربدة الجيش الصهيوني!!

منذ أكتوبر 2023، أعاد العدوان الصهيوني الغاشم رسم ملامح المشهد العملياتي لقوات الاحتلال، ليكشف عن حقيقة زيف عربدتها وعمق هشاشتها. هذا العدوان، الذي استدعى انخراطاً عسكرياً متواصلاً ومكثفاً على جبهات متعددة في غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا، لم يكن في جوهره سوى محاولة يائسة للتستر على نقاط ضعف متجذرة تعصف بكيان الاحتلال لاسيما وأن التحليلات المعمقة للبيانات المتاحة من عام 2023 وحتى منتصف عام 2025، تُسلط الضوء على واقع مرير يواجهه هذا الكيان، حيث يتعرض جيشه الذي لطالما ادعى امتلاك “القوة الخارقة” لضغوط داخلية وخارجية هائلة تتجلى في ميادين حاسمة متعددة، مؤذنة بمسار يتجه نحو تزايد مطرد في الهشاشة، وهو ما يشكل انهياراً منهجياً ينسف أسس استدامته، بدلاً من مجرد انهيار فوري قد يتصوره البعض.

يمني برس | يحيى الربيعي

 

ترنح أركان الكيان وتقهقر قوته المزعومة

يخوض جيش الاحتلال اليوم صراعاً داخلياً وخارجياً غير مسبوق، تتجلى آثاره بوضوح في كل مفاصل قوته. إذ يكشف التحليل الدقيق للبيانات الصادرة بين عامي 2023 و2025 عن صورة معقدة من الوهن المتزايد، حيث يتصاعد الضغط على أفرادها بشكل دراماتيكي، وهو ما يتجلى في ارتفاع معدلات الفرار من الخدمة، ونقص حاد في القوى العاملة، وتفاقم أزمة الصحة النفسية التي تضرب صفوف الجنود. على الصعيد العملياتي، يعاني جيش الاحتلال من إرهاق شديد لمعداته، ونقص حرج في قطع الغيار، واعتماد عميق على الإمدادات العسكرية الخارجية، لا سيما تلك المتعلقة بأنظمة الدفاع الجوي المتقدمة التي أضحت شريان حياتها في مواجهة التحديات المستمرة.

وعلى الصعيد الاستراتيجي، تساهم المرونة الاستثنائية لحركة حماس، إلى جانب الدروس التي لم تُستفد من صراعات الماضي، في استمرار الاشتباك المكلف الذي يستنزف الكيان. أما مالياً، فقد فرضت هذه الحرب أعباء اقتصادية غير مسبوقة، أدت إلى زيادات فلكية في ميزانية الدفاع، وانكماش الاقتصاد، وارتفاع هائل في الدين الوطني، مما يهدد الاستقرار المالي على المدى الطويل. تتفاقم هذه التحديات الداخلية مع الضغط الدولي المتزايد بالإضافة إلى قرارات الملاحقة الجنائية للمجرم نتنياهو وجنرالات حرب كيانه الاستيطاني الغاصب، حيث تشير هذه العوامل مجتمعة إلى تدهور منهجي في استدامة جيش الاحتلال وفعاليته العملياتية، بل وترسم مساراً واضحاً نحو تزايد الهشاشة والضعف.

 

جيش الاحتلال.. انهيار وتآكل من الداخل

يُعد التهرب من التجنيد، لا سيما داخل المجتمع الحريدي (اليهودي المتشدد)، أحد التحديات المستمرة والكبيرة. حتى أواخر أبريل 2025، ومن أصل 18,915 أمر تجنيد أولي أُرسل إلى الرجال الحريديم منذ يوليو 2024، لم يلتحق سوى 232 منهم، 57 فقط منهم في أدوار قتالية. هذا الرقم يسلط الضوء على تحدٍ محدد ومستمر في التجنيد يقوض الجهود المبذولة لتلبية احتياجات القوى العاملة، ويكشف عن انقسام مجتمعي عميق يؤثر مباشرة على القدرة العسكرية للكيان.

كما أن الارتفاع الحاد في معدلات الفرار في بداية الصراع، وتطبيق قوات الاحتلال عقوبات صارمة لاحقاً، يمثلان مؤشرات قوية على ضغط أعمق ومنهجي على المعنويات والتماسك الداخلي داخل الجيش. فالتهرب المستمر والكبير من التجنيد بين اليهود المتشددين يؤدي إلى تفاقم نقص القوى العاملة في جيش الاحتلال، ويغذي احتكاكاً سياسياً داخلياً كبيراً، ويعكس عمق الانقسامات المجتمعية التي تقوض مبدأ تقاسم أعباء الولاء في أوساط صفوف أفراده.

هذا الوضع يسهم في تآكل الروح المعنوية العسكرية الشاملة والدعم العام للمعنويات القتالية. ويوضح التناقض الصارخ بين العدد الكبير من أوامر التجنيد الصادرة للرجال الحريديم والحد الأدنى من الملتحقين، خاصة عندما يتحمل الجنود النشطون وجنود الاحتياط العبء الأكبر من الصراع المطول، بينما يتم إعفاء شريحة كبيرة من المستوطنين، فإن ذلك يخلق شعوراً عميقاً بالظلم. هذا الشعور أدى إلى انقسامات داخلية واستياء بسبب “نقص الجنود” وتزايد العمليات المستمرة على “جبهات متعددة”، مما اضطر جيش الاحتلال إلى تمديد خدمة آلاف الجنود النظاميين لمدة عام كامل.

علاوة على الضغط الشديد على الأفراد الحاليين، والكشف عن استنزاف غير مسبوق في صفوفه والكشف فضلا عن مدى اليأس الذي وصل إليه الجنود، أدت شدة المواجهة مع حماس والعبء الناتج عنها إلى الدفع بالبعض داخل الجيش إلى الدعوة إلى اتفاق لوقف فوري لإطلاق النار، لاسيما وأن جيش الاحتلال يواجه حالياً نقصاً يُقدر بنحو 10,000 جندي، بما في ذلك عجز حرج يبلغ 7,000 جندي قتالي. واستجابة لذلك، أعلنت قيادة الجيش أن “النمو الكبير لقوات الاحتلال” هو “ضرورة أمنية”، وحددت هدفاً طموحاً يتمثل في تحقيق “تعبئة بنسبة 120% في الشركات القتالية لضمان الاستدامة”. هذا الهدف يؤكد مدى خطورة النقص الحالي في الأفراد، ويفضح حجم الأزمة التي يواجهها الكيان في تجنيد مقاتليه. وتشمل الخطط لمعالجة هذا النقص التجنيد من “جميع القطاعات”، مع ذكر صريح للمجتمع الحريدي، والتركيز على “المساواة في تقاسم الأعباء”، وهو ما يكشف عن محاولة يائسة لردم الفجوة المتزايدة في صفوفه.

 

الصحة النفسية والإصابات.. ثمن باهظ يدفعه جيش الاحتلال

تكشف تقارير وسائل إعلام الكيان، منها موقع وصحيفة “يديعوت أحرونوت”، عن أعداد إصابات تفوق بكثير الأرقام الرسمية. فقد أُصيب ما لا يقل عن 18,500 جندي وعنصر في شرطة الاحتلال منذ هجوم أكتوبر 2023، وهو ما أكده قسم إعادة التأهيل بوزارة الدفاع. يتناقض هذا الرقم بشكل حاد مع الأرقام الرسمية لقوات الاحتلال، التي أبلغت عن إصابة 6,145 جندياً فقط ومقتل 895 آخرين. هذا التفاوت الصارخ، إذا ما تم إدراكه على نطاق واسع من قبل الجمهور، قد يؤدي إلى تآكل الثقة وتغذية الشكوك العامة، وربما يقوض الدعم الشعبي على المدى الطويل. إنه يخلق علامة حمراء فورية من شأنها توليد حالات من السخرية بين السكان، وإحداث انفصال كبير بين الجيش والمدنيين، وبالتالي تآكل الثقة وإحداث آثار عميقة تنفر من التجنيد المستقبلي، وتقلل من استجابة الاحتياط للاستدعاء.

يضاف إلى ذلك ما تشير إليه التقديرات من أن أكثر من 100 ألف جندي من قوات الاحتلال مصابون ومعاقون ويعانون بالفعل من أمراض نفسية، بما في ذلك 3,679 تم تشخيصهم باضطراب ما بعد الصدمة (PTSD). وفي عام 2024 وحده، قدم 9,000 جندي طلبات لفحص نفسي للقلق، أو اضطراب ما بعد الصدمة، أو الاكتئاب. إلى جانب المعاناة الفردية، فقد غادر أكثر من 12,000 جندي نظامي واحتياطي الجيش ولم يعودوا “يساهمون في الاقتصاد أو يعملون في مجالاتهم المهنية”، وهو ما يمثل في مجمله عبئاً مجتمعياً واقتصادياً هائلاً ودائماً على الكيان. يمتد هذا العبء إلى ما هو أبعد من النفقات العسكرية الفورية، حيث يؤثر على أنظمة الرعاية الصحية الوطنية والخدمات الاجتماعية والقوى العاملة بشكل عام لعقود قادمة. ويُعد ذلك مؤشراً مبكراً على استنزاف كبير للموارد والإنتاجية، ناهيك عن أن حجم الارتفاع الهائل للإصابات يزيد من تفاقم معاناة قدامى المحاربين ويقلل من قدرتهم على المساهمة في الاقتصاد.

 

التحديات العملياتية واللوجستية وترنح الآلة العسكرية

وفقاً لمصادر عسكرية، تواجه قوات الاحتلال “تحديات لوجستية وميكانيكية متزايدة” ناجمة عن الحرب المطولة في غزة، مما أدى إلى “تزايد الأعطال الفنية التي تؤثر على دباباتها ومركباتها المدرعة وأسلحتها”. هذا الواقع يكشف عن تآكل مستمر في القدرات، خاصة عندما تتعرض الوحدات العسكرية “لإعاقة متزايدة بسبب المعدات البالية ونقص قطع الغيار”. على سبيل المثال، أبلغ اللواء السابع المدرع عن “صعوبات خطيرة في تأمين قطع غيار الدبابات”، مع استنزاف المكونات الحيوية مثل “المحركات والجنزير وأنظمة التحكم” من مخزونات الجيش أو عدم توفرها ببساطة.

وفي تصريحات لوسائل إعلام عبرية، أقر ضابط كبير من اللواء السابع بخطورة الوضع، مشيراً إلى أن “القوات في حالة حرب منذ ما يقرب من عامين… تتدهور المركبات بسرعة، وتنتقل باستمرار من مهمة إلى أخرى. لم يكن أحد مستعداً لاحتمال حرب طويلة كهذه. كل مكون له عمر افتراضي، ونحن نصل إلى تلك الحدود”. وقد أظهر حادث محدد في جباليا العواقب المباشرة لذلك: “عطل فني في مدفع دبابة” تابع للواء جولاني تسبب في ارتفاع درجة حرارته واشتعال حريق، مما أدى إلى كمين أسفر عن مقتل ثلاثة جنود، في دليل دامغ على فشل الصيانة وفقاً لتقارير إعلامية للكيان.

وفي هجوم مميت شنته المقاومة الفلسطينية في 24 يونيو 2025، كانت ناقلة جنود مدرعة من طراز “بوما” تابعة لقوات الاحتلال تعاني من “عيوب حرجة” كان القادة على علم بها، حيث كانت فتحة الخروج مكسورة ومربوطة بحبل، وكانت كاميراتها خارج الخدمة لفترة طويلة. هذا الوضع دفع بعائلات الجنود في كتيبة الهندسة القتالية 605 إلى انتقاد ذلك “الإهمال” والمطالبة بتوفير معدات محدثة. علاوة على ذلك، أشارت تلك العائلات إلى أن الكتائب الأخرى تمتلك “مركبات أكثر تقدماً، مثل النمر”، في إشارة واضحة إلى وجود حالات تمييز إلى جانب الإهمال وإرهاق المعدات، والنقص الحرج في قطع الغيار، وتزايد الأعطال الفنية. كل ذلك يؤصل لوجود تدهور منهجي في الجاهزية المادية، ويشير إلى أن الوتيرة العملياتية المطولة وعالية الكثافة ربما تؤدي إلى تآكل التفوق التكنولوجي والمادي لقوات الاحتلال، مما يجعل قواتها أكثر عرضة للخطر في القتال.

وتكشف إشكالية التوزيع غير المتكافئ للمعدات وتخصيص الموارد عن شكاوى عميقة بين الوحدات، تصل إلى درجة تغذية الشعور بعدم المساواة في المخاطر. فعندما يعتقد الجنود أن حياتهم معرضة للخطر بسبب معدات رديئة أو سيئة الصيانة مقارنة بزملائهم، يمكن أن يؤدي ذلك إلى استياء عميق وشعور بعدم التقدير، مما يقوض الروح المعنوية للوحدة، والثقة في القيادة، والروح القتالية العامة، ويخلق نقطة ضعف داخلية كبيرة داخل قوات الاحتلال.

 

سيناريو “مرض النصر” الكلاسيكي

يخوض ما يسمى برئيس أركان قوات الاحتلال حرباً معقدة “دون استراتيجية سياسية واضحة من الأعلى”، حسبما أفادت مصادر استخباراتية للكيان. هذا الواقع يشير إلى انفصال كبير بين العمليات العسكرية والأهداف السياسية الشاملة، مما يكشف عن ارتباك في القيادة. فالمكاسب العسكرية، مهما كانت مهمة من الناحية التكتيكية، لا يمكن أن تترجم إلى نتائج سياسية مستدامة، مما يضمن عدم الاستقرار المطول في غزة. وهذا يستلزم وجوداً مستمراً ومكلفاً لقوات الاحتلال وعمليات متواصلة، مما يؤدي بدوره إلى تفاقم الضغط على الأفراد، وتزايد العبء الاقتصادي، والضغط الدولي. إنه سيناريو “مرض النصر” الكلاسيكي، حيث يفشل النجاح التكتيكي في تحقيق حل استراتيجي دائم، مما يديم “حالة الانهيار” في حل الصراع.

يؤكد مبدأ “كلاوزفيتز”، المذكور في التحليلات العسكرية، “أن الحرب وسيلة لتحقيق غايات سياسية، وأن سير الحرب يشكل السلام الذي يليها”. وإذا لم تكن هناك قدرة فعلية لمزاعم نتنياهو “استبدال حكم حماس”، وهو ما يبدو واضحاً، فإن الفراغ في السلطة أمر لا مفر منه. وتوضح الأمثلة التاريخية أن مثل هذه الفراغات تملأها دائماً تهديدات جديدة أو متجددة. وهذا يعني أنه حتى لو تدهورت القدرات العسكرية لحماس، فإن المشكلة السياسية الأساسية تظل دون حل، مما يؤدي إلى دورة لا متناهية من الصراع، ويمنع أي “نصر” حقيقي. هذا “عيب استراتيجي جوهري” يفرض “معادلة عسكرية مطولة واستنزاف الموارد”.

 

مرونة حماس.. نفوذ يكسر شوكة الاحتلال

لم تحقق قوات الاحتلال أي نجاح يذكر في تحرير الرهائن عبر الوسائل العسكرية المباشرة. فكل ما استعيد من الرهائن كان من خلال صفقات تفاوضية: إحداها في يناير 2025، والأخرى في نوفمبر 2023. هذا الواقع يسلط الضوء على الاعتماد الكلي على الوسائل غير الحركية لاستعادة الرهائن، ويكشف عن فشل ذريع في تحقيق أهدافها العسكرية. وقد وفرت حماس، من خلال أسر 251 رهينة خلال هجمات 7 أكتوبر، “نفوذاً استراتيجياً” قوياً قيد بشكل كبير حرية عمل الكيان، وأجبره، بالإضافة إلى العمليات النوعية التي تنفذها كتائب القسام وسرايا القدس، على اتخاذ قرارات عسكرية وسياسية صعبة، بما في ذلك وقف إطلاق النار المؤقت في يناير الماضي.

في المقابل، ووفقاً لتقييمات استخباراتية للكيان، فإن ما يؤكد فشل الاحتلال في تحقيق هدفه في القضاء على حماس هو أن البنية التحتية السياسية والعسكرية للحركة ظلت قوية ومتماسكة، على الرغم من مرور 21 شهراً من الحرب وعمليات قوات الاحتلال المكثفة، وعلى الرغم من مقتل عدد من القادة الرئيسيين والعديد من مقاتليها. بل أظهرت حماس قدرة ملحوظة على التكيف والاستمرارية من خلال “تواجدها في شبكة أنفاق واسعة” وتطوير “نظام لوجستي يعتمد على الاكتفاء الذاتي إلى حد كبير”، بالاعتماد على الإنتاج المحلي للأسلحة، والبحث عن الغنائم في ساحة المعركة.

إن الاعتماد الإجباري على الصفقات التفاوضية لإعادة الرهائن، بدلاً من عمليات الإنقاذ العسكرية الناجحة، يوضح أن نفوذ حماس في قضية الرهائن يظل قيداً استراتيجياً قوياً على قوات الاحتلال. لهذا القيد تأثير مباشر في إطالة أمد الصراع، وهو ما يسمح لحماس بإملاء الشروط، وفرض وقف إطلاق نار دائم، وربما إعادة التجمع، وبالتالي تقويض هدف الكيان المعلن والمتمثل في “النصر الحاسم”، بل ويشير إلى نقطة ضعف مستمرة في تحقيق أهداف الكيان بالوسائل العسكرية فقط.

إن قدرة حماس على الحفاظ على بنيتها التحتية العسكرية والسياسية، وتطوير نظام لوجستي يعتمد على الاكتفاء الذاتي على الرغم من الحرب المطولة وعالية الكثافة، تسلط الضوء على تحدٍ عقائدي كبير لقوات الاحتلال في المواجهة، وقد يؤدي إلى اشتباكات مطولة ومكلفة. كما تعني قدرة حماس على إنتاج الأسلحة محلياً والبحث عن الغنائم في ساحات القتال أن استراتيجيات الاعتراض التقليدية (مثل استهداف خطوط الإمداد) أقل فعالية. وهذا يجبر قوات الاحتلال على خوض حرب عبثية مطولة ومكلفة ضد خصم مرن ومتأصل. ما يشير، رغم مكابرتها، إلى نقطة ضعف أساسية في قدرة قوات الاحتلال على تحقيق أهدافها الاستراتيجية ضد هذا النوع من الخصوم.

 

قد يعجبك ايضا