المنبر الاعلامي الحر

العفافيش والخفافيش.. من مغارات السياسة إلى أوكار الظلام

يمني برس | بقلم :  أحمد قحيم
يقال إن الخفافيش مخلوقات غريبة، لا تحب الضوء، تعيش معلقة بالمقلوب، ولا تطيق العيش في الوضوح، تسكن الكهوف المظلمة وتخرج ليلًا لتبحث عن فرائسها، تمتص الدماء وتعود أدراجها قبل أن يفضحها النهار، ولو لم تُخلق الخفافيش، لاخترعها عفاش نموذجًا لحياته السياسية.
وفي المقابل عندما ننظر إلى “العفافيش” من بني البشر – عفاش وأسرته وأتباعه – نجد أن الطبيعة كررت نفسها بشكل أبشع؛ فهؤلاء لا يكتفون بامتصاص دماء ضحية أو اثنتين، بل امتصوا دماء شعب كامل، واعتاشوا على عرقه، متخفّين تارة بلباس الوطنية، وتارة بشعارات الجمهورية، فيما حقيقتهم لا تختلف كثيرًا عن جلود الخفافيش الباهتة.
🔻 اقتصاد الظلام:
الخفافيش لا تنتج غذاءً ولا تزرع أرضًا، فقط تبحث عمّا تمتصه من غيرها.. وكذلك العفافيش، جعلوا من اقتصاد اليمن بقرة حلوب لعائلاتهم.. بينما كان الموظف البسيط يتقاضى 30 دولارًا بالكاد تكفيه أسبوعًا، كانت الطائرات الخاصة تُحلّق بعشيقاتهم إلى باريس.
الفقر انتشر بين الشعب، والثراء الفاحش تراكم في قصور العائلة، كان لسان حالهم يقول للشعب: “اتركوا لنا دماءكم نعيش عليها، فأنتم لا تصلحون إلا كوجبة ليلية!”.
🔻 سياسة الكهوف:
كما أن الخفافيش تستعمل الصدى لتتلمّس طريقها في العتمة، كان عفاش وأعوانه يسيرون في السياسة بعشوائية، يطلقون الشعارات في الهواء ليرتد صداها عليهم.. بعد حرب 1994 أطفأوا آخر شمعة في اليمن، وحوّلوا الجمهورية إلى مغارة عائلية يسيطر عليه الأبناء والأقارب: أحمد قائد الحرس الجمهوري بالبراشوت، يحيى على رأس الأمن المركزي بلا شهادة سوى شهادة الميلاد، عمار في الأمن القومي مُشرفًا على أبشع صنوف التعذيب والتنصت. باختصار، حولوا الدولة إلى مغارة، لا مكان فيها للشمس ولا للنور، مغارة لا تعرف إلا أصوات الصدى، حيث يُردّد الجميع ما يقوله “الزعيم” حتى لو كان يهذي.
🔻 الجانب الأخلاقي.. دماء ملوثة:
الخفافيش قد تحمل أمراضًا قاتلة، ومن ثنايا أجنحتها تسري الفيروسات.. أما العفافيش فقد نشروا أوبئةً أخطر؛ أوبئة الفساد الأخلاقي والانحلال.. مسبح دار الرئاسة لم يكن مجرد مسبح، بل وكرًا لتدمير الأخلاق، لا يعرف الكلور طريقه إليه، بل يعرفه المال والابتذال، حيث تُنقل الفتيات بالترغيب أو بالترهيب، وتُعرض “العشيقات” على الضيوف كأنهن غنائم حرب.
لقد دخلوا “الديمة” – كما يقال – مثل الخفافيش، فمسَّوا أعراض خصومهم ونساء العاملين معه، ولم يتورعوا عن إفساد العائلات بالمال والنفوذ.. وما سقوطهم وزوال حكمهم إلا نتيجة طبيعية لأنظمة تعيش في الظلام حتى تتعفن.
🔻 التشابه المضحك المبكي:
– الخفافيش تعيش بالمقلوب.. والعفافيش يفكرون بالمقلوب.. والنتيجة: قرارات رأسها تحت ورجليها فوق، كما فعلوا باقتصاد اليمن تمامًا.
– الخفافيش تطير ليلًا.. والعفافيش يحكمون بالليل ويظهرون نهارًا بوجه غير الوجه.
– الخفافيش تقتات على الدم.. والعفافيش يعيشون على دماء الشعب وثرواته.
– الخفافيش تصدر أصواتًا مزعجة.. والعفافيش يصدرون خطابات خشبية وشعارات جوفاء.
– الخفافيش إذا دخلت بيتًا دنسته.. والعفافيش إذا حكموا دولة دمروها ثم قالوا: “معانا مشروع حضاري!”.
🔻 عند أول ضوء.. العفافيش في مزبلة التاريخ
الخفافيش على الأقل تؤدي دورًا بيئيًا متواضعًا، فهي تلتهم بعض الحشرات الضارة.. أما العفافيش، فكانوا هم الحشرة الأكبر، فوجودهم لم يكن سوى وباء على اليمن: قتل، نهب، فساد، وانحطاط أخلاقي وسياسي.
الفارق الوحيد أن الخفافيش تفرّ وتختفي عند طلوع الشمس، بينما عفاش وأتباعه لم يعرفوا للشمس طريقًا، فبقوا أسرى كهوفهم (قصورهم)، حتى أتى عليهم فجر الشعب، فأخرجهم منها وأسقط سلطتهم، لتبقى قصتهم عبرةً تحكي أن: من يحكم في الظلام، ينهار عند أول ضوء.. ومن يعلّق رأسه بالمقلوب طول عمره.. لا بد أن يسقط في مزبلة التاريخ على نفس الوضعية، مقلوب الرأس، مكسور الجناح.

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com