المنبر الاعلامي الحر

أحمد علي عبد الله صالح.. ملف فساد موثّق دولياً

أحمد علي عبد الله صالح، نجل الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، وُلد في 25 يوليو 1972، وتدرج في المناصب العسكرية حتى وصل إلى قيادة الحرس الجمهوري، أحد أقوى التشكيلات العسكرية في اليمن.
هذا المنصب لم يكن مجرد موقع عسكري، بل أداة لتعزيز نفوذ العائلة اقتصادياً وسياسياً، حيث ارتبط الحرس الجمهوري مباشرة بشبكات موارد وعقود حساسة، من النفط وحتى الموانئ.
بعد الإطاحة بوالده من الحكم عام 2012، برز اسمه في ملفات فساد واسعة تتعلق بنهب المال العام، والاستيلاء على أصول الدولة، واحتكار العقود الاستراتيجية عبر شبكة نفوذ عائلية متشعبة داخل اليمن وخارجه.

يمني برس | عبدالرحمن العابد

في هذا التقرير سأقدم عرضاً لأبرز الأدلة الموثقة ضده، مستنداً إلى تقارير أممية، عقوبات دولية، وتحقيقات مستقلة.

1- العقوبات الدولية (أبريل 2015)
في 14 أبريل 2015، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية إدراج أحمد علي في قائمة العقوبات (OFAC) بتهمة تقويض العملية السياسية في اليمن، واستخدام السلاح والمال لكسب ولاءات سياسية عبر توزيع أسلحة خارج السجلات الرسمية. هذا الإدراج لم يكن رمزياً، بل ترتب عليه تجميد أي أصول مالية محتملة له في النظام المالي الأميركي، ومنع أي تعامل مصرفي معه أو مع الشركات المرتبطة به.
وفي اليوم نفسه، أصدر الاتحاد الأوروبي قراراً موازياً، استند إلى قرارات مجلس الأمن (2140)، متضمناً حظر السفر وتجميد الأصول. هذه الخطوة المزدوجة من واشنطن وبروكسل أبرزت خطورة الملف، وأكدت أن القضية لم تعد شأناً يمنياً داخلياً، بل تحولت إلى قضية دولية لها تبعات سياسية واقتصادية.

2- نهب ممتلكات الدولة (تقرير أممي – فبراير 2015)
قبل صدور العقوبات بأسابيع قليلة، نشر فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة تقريره الدوري في 20 فبراير 2015، مؤكداً أن أحمد علي استحوذ على ممتلكات وأسلحة عامة بعد إقالته من قيادة الحرس الجمهوري.
وذكر التقرير أن شحنات ضخمة من السلاح نُقلت من مخازن الجيش إلى مواقع خاصة مرتبطة بالعائلة، دون أي تسجيل في السجلات الرسمية.
هذا النمط من السلوك اعتبره الفريق شكلاً صريحاً من اختلاس أصول الدولة، واستخدامها لأغراض عائلية وسياسية بعيداً عن مؤسسات الدولة الرسمية.

3- الأصول المجمدة (تقرير أممي – يناير 2016)
في تقرير لاحق بتاريخ 22 يناير 2016، كشف فريق الخبراء عن تتبّع أصول مالية بقيمة 48.8 مليون دولار أميركي مرتبطة مباشرة بعلي عبد الله صالح ونجله أحمد علي.
هذه الأموال جرى رصدها في حسابات مصرفية خارج اليمن، وخضعت لإجراءات تجميد دولية بموجب قرارات مجلس الأمن.
أهمية هذا الكشف أنه وفّر دليلاً كمياً مباشراً على أن الفساد لم يكن مجرد اتهام سياسي، بل وقائع موثقة بأرقام وحسابات مالية، تتجاوز نطاق الشبهات إلى مستوى الإثبات القانوني الدولي.

4- الثروة العائلية والشبكة المالية
إلى جانب الأصول المجمدة، أشارت تقديرات الأمم المتحدة عام 2015 إلى أن الرئيس السابق علي عبد الله صالح جمع خلال فترة حكمه ثروة تتمثل بنحو 60 مليار دولار، معظمها من صفقات نفط وغاز، ودعم حكومي للمشتقات النفطية، وعقود احتكارية.
وبحكم موقعه في الحرس الجمهوري، كان أحمد علي جزءاً من هذه الشبكة التي وفّرت للعائلة نفوذاً سياسياً ومالياً مترابطاً.
لاحقاً، وثّقت منظمة CiFAR في تقرير عام 2020 مسارات أموال مرتبطة بأسرة صالح، مؤكدة وجود أصول في الإمارات يُشتبه في أنها استُخدمت لصالح علي عبد الله صالح ونجله، هذا يوضح أن الشبكة المالية العائلية لم تنته بخروج صالح من السلطة، بل استمرت عبر ملاذات آمنة خارج اليمن.

5- اقتصاد الظل والشركات الوهمية
تحليلات مراكز أبحاث، أبرزها مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية (2018)، بينت أن نظام صالح بنى اقتصاد ظل يقوم على شركات واجهة مسجّلة في ملاذات ضريبية خارجية، استخدمت لتدوير الأموال وشراء عقارات بملايين الدولارات. هذه الشركات لم تكن مجرد غطاء مالي، بل أداة لدمج الأموال غير المشروعة في النظام المالي العالمي، بطريقة تجعل تتبعها بالغ الصعوبة.
وقد أشار المركز إلى أن أحمد علي، بحكم نفوذه العسكري والسياسي، كان جزءاً محورياً من هذه المنظومة التي وفّرت للعائلة غطاءً دولياً للفساد، وربطت اقتصاد اليمن بشبكات مصالح عابرة للحدود.

6- الإجراءات القضائية في صنعاء (أغسطس 2025)
في 4 أغسطس 2025، أصدرت محكمة عسكرية في صنعاء حكماً بالإعدام بحق أحمد علي، مع مصادرة أصوله وأمواله المنهوبة. الحكم جاء بعد سلسلة جلسات وُجهت فيها له تهم الخيانة، التخابر، والفساد المالي.
ورغم الجدل حول استقلالية القضاء في مناطق سيطرة من يطلقون عليهم “الحوثيين”، فإن هذه المحاكمة أبرزت أن ملف الفساد لا يزال حاضراً على أجندة السلطات المحلية، ويُستخدم كأداة سياسية وقانونية في الوقت نفسه. وهو ما يعكس طبيعة القضايا الكبرى في اليمن، حيث تتقاطع العدالة مع الصراع السياسي.

7- رفع العقوبات الأممية (يوليو 2024)
في 31 يوليو 2024، أعلنت لجنة العقوبات الأممية شطب اسم أحمد علي من القائمة السوداء.
هذا القرار أثار جدلاً واسعاً، إذ اعتبره البعض نتيجة تفاهمات سياسية إقليمية ودولية، بينما رأى آخرون أنه جاء بسبب قصور في المعايير الإجرائية.
لكن من الناحية القانونية، يبقى جوهر الأمر ثابتاً، رفع العقوبات لا يلغي الوقائع السابقة ولا يمحو ما ورد في تقارير الأمم المتحدة، بل يعكس فقط تغير الموازين السياسية في مجلس الأمن وبذلك، تظل الأدلة قائمة وموثقة، حتى لو تبدلت المواقف الدولية والدبلوماسية.

الخلاصة التحليلية
تكشف الأدلة المتراكمة — من العقوبات الدولية، وتقارير فريق الخبراء الأممي (2015 و2016)، وتقديرات الأمم المتحدة، وتحقيقات مستقلة مثل CiFAR ومركز صنعاء — عن صورة متماسكة:
أحمد علي عبد الله صالح مارس الفساد بشكل مباشر من أموال الدولة وأصولها، عبر شبكة مالية عائلية معقدة، اعتمدت على القوة العسكرية والاحتكارات الاقتصادية، وامتدت إلى شركات واجهة وملاذات ضريبية خارجية.
هذه القرائن الموثقة، ذات الطابع الأممي والدولي، تمنح القضية وزناً قانونياً وإعلامياً كبيراً، وتؤكد أن ملف الفساد لم يعد مجرد اتهام سياسي متبادل، بل حقيقة مثبتة في وثائق دولية رسمية.
ومع أن رفع العقوبات في 2024 أعاد اسمه إلى المشهد السياسي بوجه جديد، فإن التاريخ الموثق يظل شاهداً على حجم الفساد الذي ارتبط به وبشبكة أسرته، وتظل الأدلة قائمة وموثقة، حتى لو تبدلت المواقف الدولية.

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com