شبكات الخيانة تحت المجهر… قراءة أمنية
يمني برس || مقالات رأي:
ارتبطت قوة الدول بصلابة جبهتها الداخلية وحكمة مؤسساتها الأمنية، التي تشكل خط الدفاع الأول أمام محاولات الفوضى والانهيار. وإذا كان العالم قد شهد عبر عصوره محاولات متعددة لاختراق الشعوب من الداخل عبر المؤامرات والدسائس، فإن اليمن لم يكن استثناءً من هذه الحروب الخفية، بل ظل مستهدفاً لارتباطه بمكانته التاريخية والجغرافية ومكتسباته الثورية. ولطالما أثبتت الأجهزة الأمنية اليمنية قدرتها على إحباط المخططات التي أرادت إغراق الوطن في مستنقع الانقسام، وحافظت على الأمن والسلم المجتمعي وصانت مكتسبات الشعب.
الأمن ليس مجرد قوانين أو إجراءات، بل هو حياة كاملة لشعب يتطلع إلى الاستقرار والطمأنينة، ورجال الأمن الذين يواصلون الليل بالنهار هم العيون الساهرة التي تحرس الوطن بصمت، وتخوض معاركها في الظل بعيداً عن الأضواء، لتجهض المؤامرات قبل أن تنفجر، وتحفظ البلاد من الانزلاق نحو الفوضى. وإذا كانت الجيوش تخوض معاركها في الميدان، فإن الأجهزة الأمنية تخوض حرباً لا تقل خطورة، فهي المعركة التي تستهدف الوعي والمعنويات، وتراهن على بث الشائعات والتشكيك والفتن.
عندما انطلقت ما سُمّيت بعاصفة الحزم، ارتكز المخطط المرسوم ضد اليمن على ضربة مزدوجة: قصف جوي مكثف لاستهدف القدرات العسكرية والأمنية، بالتزامن مع تحريك مجموعات داخلية موالية للعدو تعمل على نشر الشائعات والفوضى والترويج للهزيمة لتوهين عزائم الشعب وإسقاطه من الداخل. غير أن هذا المخطط اصطدم بوعي مجتمعي متماسك وإعلام وطني صلب كشف الحقائق، فبرز الدور الفعال للأجهزة الأمنية التي تمكنت من إحباط أنشطة الخلايا الإرهابية وتفكيك عناصرها قبل أن تحقق أهدافها.
ومع قرار تحالف العدوان فرض الحصار البري والبحري والجوي، ظهرت مهام جديدة أوكلت لعناصر جندت نفسها لخدمة العدو، هدفها إثارة الفوضى الداخلية وخلخلة الجبهة الوطنية، لكن يقظة الأجهزة الأمنية أفشلت تلك المحاولات وأثبتت أن الوطن لا يسقط ما دامت العيون الساهرة تحرسه. وحين انتقل العدوان إلى مرحلة فرض الحصار الاقتصادي الشامل عبر نقل البنك المركزي من مقره الرئيسي في العاصمة صنعاء إلى مدينة عدن المحتلة ووقف صرف المرتبات، كان المخطط يرمي إلى دفع الشعب نحو احتجاجات غاضبة تُوجَّه ضد الضحية لا ضد الجلاد. إلا أن وعي اليمنيين قلب المعادلة، فكان المشهد الاستثنائي حين تدفق الشعب المحاصر لدعم البنك المركزي في صنعاء والمحافظات الحرة، في موقف تاريخي نادر عكس حجم الصمود والإصرار الشعبي على إفشال المخططات.
وجاءت فتنة ديسمبر التي دعا لها زعيم الخيانة علي عفاش لتكون رهاناً جديداً للعدو، إذ عُقدت عليها الآمال لإسقاط الوطن في مستنقع الانهيار والفوضى. لكن سرعان ما تحركت الأجهزة الأمنية والشعب معاً لإسقاط تلك الفتنة، فامتلأت السجون بالمغرر بهم، قبل أن يصدر العفو العام ويُعلن عن المصالحة الوطنية، ليدفن اليمن مرة أخرى كل أحلام العدو وأدواته.
وعندما انتقل العدوان إلى معركة الحديدة والساحل الغربي، حاول استغلال الحرب النفسية عبر الترويج أن المدينة سقطت وأن اليمن انهزم، في محاولة لدفع الشعب نحو الاستسلام. لكن اليمنيين واجهوا التضليل بصمود استثنائي، غير آبهين بشائعات العدو وأدواته التأمرية، حتى انكسر العدوان واندحر.
ومع عجز العدو عن الحسم العسكري، لجأ إلى الحرب الناعمة، موظفاً أدوات داخلية وإعلامية وسياسية بتمويل وإشراف من أجهزة استخبارات سعودية وإماراتية وإسرائيلية وأمريكية وبريطانية. وفي السنوات الأخيرة، نشطت هذه الأدوات في مناسبات دينية وسياسية ووطنية، غير أن الأجهزة الأمنية ظلت لها بالمرصاد، وأسقطت شبكات تجسس وخلايا استخباراتية تلقت دعماً لوجستياً ومالياً بهدف نشر الشائعات وتشويه صورة الدولة وضرب ثقة الشعب بمؤسساته.
وبعد عملية طوفان الأقصى ودخول اليمن على خط إسناد غزة، تصاعدت المؤامرات بشكل أوضح، حيث اشتركت أجهزة مخابرات إقليمية ودولية في تشغيل خلايا خيانة داخلية، مستهدفة الجبهة الوطنية عبر نشر الأكاذيب وحرف الحقائق. ومع ذلك، تمكنت المؤسسة الأمنية اليمنية من التصدي لتلك المخططات، وأسقطت العديد من الخلايا التي كانت تعمل على تفجير الوضع من الداخل.
وما نراه اليوم من تهويل للمشاكل الداخلية واختلاق أزمات متعمدة، إلى جانب الإساءة لرجال قدموا أرواحهم دفاعاً عن الوطن، ليس إلا جزءاً من الحرب الناعمة التي تقودها أبواق مأجورة. غير أن هذه المحاولات مرفوضة شعبياً، ومرصودة أمنياً، حيث أُلقي القبض على بعض عناصرها، فيما يظل آخرون تحت مجهر العيون الساهرة التي تتابع خطواتهم بترقب حتى تحين ساعة سقوطهم كما سقط من سبقهم. لقد استنزف العدو خلال عقد كامل كل ما في جعبته من خطط وأساليب، لكنه فشل في كسر وعي اليمنيين أو النيل من صمودهم. عقد كامل من المؤامرات سقط أمام إصرار شعب يرفض الاستسلام، وأمام رجال أمن أوفياء يقفون بالمرصاد لكل خائن وعميل جبان. وسيبقى اليمن محروساً بوعي شعبه وبسهر عيون رجاله الأمنيين، حتى يتحقق النصر الأكبر وتُدفن معه كل أوهام الأعداء وأطماعهم.
بقلم/ ف عبدالحافظ معجب*