خطاب المولد النبوي: قائد الثورة يرسم خارطة طريق الأمة من وحي النبوة إلى صمود غزة

يأتي خطاب قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي في ذكرى المولد النبوي الشريف لعام 1447هـ في سياق استثنائي، حيث يعيش العالم الإسلامي لحظة فارقة مع استمرار العدوان الصهيوني–الأمريكي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وما خلفه من مجازر إبادة جماعية وحصار خانق.

هذا الخطاب، الذي أُلقي أمام ملايين المحتفلين في اليمن، لم يكن مجرد كلمة احتفالية بل وثيقة سياسية–دينية تربط بين إحياء ذكرى مولد النبي محمد وبين التزام اليمن التاريخي والراهن بمشروع النصرة والمقاومة.

يمني برس | خاص

أولاً: البعد الإيماني في الخطاب

افتتح السيد حديثه بالتأكيد على أن احتفال اليمنيين بالمولد النبوي هو شاهد حي على قول النبي: “الإيمان يمان والحكمة يمانية”، اعتبر أن هذا الإحياء العظيم، الذي لا نظير له في أي بلد آخر، هو تعبير عن عمق الانتماء الإيماني للشعب اليمني وارتباطه برسول الله محبةً وولاءً واتباعًا.
هذا البعد الإيماني لم يكن مجرد تذكير تاريخي، بل جاء ليؤكد أن الإحياء في جوهره فعل مقاومة روحية ضد محاولات الأعداء لتجريد الأمة من علاقتها برسولها.

ثانياً: البعد السياسي – من المولد إلى غزة

انتقل الخطاب مباشرة إلى الحاضر السياسي، حيث ربط السيد بين ذكرى المولد النبوي واستمرار العدوان على غزة، أوضح أن الجرائم التي يمارسها الكيان الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني بلغت مستوى الإبادة الجماعية، مشيرًا إلى أكثر من 234 ألف شهيد وجريح ومفقود منذ بدء العدوان.

هنا يكشف الخطاب عن رؤية استراتيجية: الاحتفال بالمولد ليس معزولاً عن قضايا الأمة، بل هو مناسبة لتعزيز الوعي بالمسؤولية الدينية تجاه المستضعفين، وعلى رأسهم شعب غزة.

 

ثالثاً: كشف التناقض في المواقف العربية والإسلامية

أحد أهم محاور الخطاب هو تشخيص الواقع العربي والإسلامي، فقد اعتبر السيد أن مأساة غزة فضحت الانحدار الأخلاقي للأمة، حيث وقف معظم المسلمين موقف المتفرج، فيما تواطأ البعض الآخر مع العدو، وصف ذلك بأنه نتيجة مباشرة للحرب الناعمة التي شنها اليهود على الأمة حتى أوصلوها إلى حالة الذل والاستكانة.

الخطاب هنا يتجاوز الطابع العاطفي إلى نقد جذري للبنية السياسية والدينية في العالم الإسلامي، مبرزًا أن الخطر لا يقتصر على فلسطين، بل يمتد ليهدد الأمة كلها في إطار مشروع ما يسمى “إسرائيل الكبرى”.

 

رابعاً: العودة إلى القرآن والاقتداء بالنبي

شدد السيد القائد على أن طريق النجاة الوحيد للأمة هو العودة الصادقة إلى القرآن الكريم والاقتداء برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، واعتبر أن التخلي عن هذا النهج هو السبب الرئيس في الهزيمة والانكسار.

وفي هذا السياق استعرض سيرة النبي باعتبارها نموذجًا للمواجهة والجهاد، وكيف تمكن من تحطيم كيان الطاغوت رغم الحصار والمؤامرات.
هذا الربط بين السيرة النبوية والواقع الراهن يضفي على الخطاب بعدًا تربويًا، يجعل من ذكرى المولد فرصة لإعادة قراءة التاريخ واستخلاص الدروس العملية لمواجهة تحديات اليوم.

 

خامساً: الموقف اليمني – الامتداد الأنصاري

أبرز السيد أن الشعب اليمني اليوم هو الامتداد الطبيعي للأنصار الأوائل الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في المدينة، فكما احتضن الأوس والخزرج الرسالة، يحتضن اليمنيون اليوم راية القرآن والجهاد، ويقفون في الصف الأمامي لنصرة فلسطين ومواجهة المشروع الصهيوني–الأمريكي.

بهذا المعنى، فإن الموقف اليمني من غزة ليس طارئًا أو ظرفيًا، بل هو تعبير عن هوية إيمانية راسخة، وعن مشروع قرآني يؤمن بأن نصرة المستضعفين فريضة لا تقبل المساومة.

 

سادساً: البعد التعبوي والإنساني

لم يكتفِ السيد بتأكيد الموقف اليمني، بل دعا كل المسلمين وأصحاب الضمائر الحية إلى الوقوف مع فلسطين، واعتبر ذلك مسؤولية إنسانية وأخلاقية قبل أن تكون سياسية.

كما وجه نداءً إلى أهل الكتاب على أساس “كلمة سواء”، في محاولة لتوسيع دائرة التضامن العالمي على أسس إنسانية ودينية عادلة.

 

خاتمة

يمكن القول إن خطاب السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي في ذكرى المولد النبوي الشريف 1447هـ يمثل وثيقة فكرية–سياسية تؤكد على التلازم بين الإحياء الديني والموقف المقاوم، فهو خطاب يربط الماضي بالحاضر: من سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى مأساة غزة، ومن نصرة الأنصار إلى صمود اليمن.
وبهذا فإن أبناء اليمن لا يرون في احتفائهم بالمولد النبوي مجرد تظاهرة دينية، بل موسمًا لتجديد العهد مع رسول الله في خط الجهاد والكرامة، وتجسيدًا عمليًا لرسالته في مواجهة الطغيان ونصرة المستضعفين، وعلى رأسهم الشعب الفلسطيني في غزة.