تجديد نكبة عام 1948 .. برعاية معاهدات السلام واتفاقيات التطبيع
يمني برس | بقلم : إبراهيم محمد الهمداني
شهدت المنطقة العربية عامة – وفلسطين خاصة – في عام 1948م، متوالية كبيرة من الأحداث السياسية والعسكرية، عصفت بالمنطقة العربية، وكرست معادلات جديدة، في واقع الصراع المتشكل آنذاك، ولم يكن إعلان بريطانيا إنهاء انتدابها على فلسطين، إلا لتنفيذ وعد بلفور، وإحلال الكيان الإسرائيلي الغاصب، بوصفه دولة ذات سيادة، على الأراضي الفلسطينية، ولم يكن إعلان دولة الكيان الإسرائيلي، حدثا مفاجئا أو طارئا، بل كان نتيجة معلومة سلفا، سبقها خطوات تمهيدية، قامت بها بريطانيا منذ إعلان وعد بلفور، لذلك لم يكن هناك ما يبرر ذهول العرب، أو دخولهم في وضع الصدمة، كما أن كونهم ضحية الخديعة البريطانية، لا يبرر تخاذلهم تجاه القضية الفلسطينية، وتقاعسهم عن دعم وإسناد الثورات الشعبية، في الداخل الفلسطيني، ضد الاحتلال البريطاني، منذ ثورة القسام وما بعدها.
واحد وثلاثون عاما، بين إعلان وعد بلفور 1917م، وإعلان قيام دولة إسرائيل 1948م، عملت خلالها بريطانيا كل ما يلزم، من أجل إنجاح المشروع الصهيوني الاستعماري الإحلالي الغاصب، وكان الحراك الثوري الشعبي المناهض لهذا المشروع، أكثر فاعلية وقوة من التحرك العربي الرسمي، وهو ما تجلى في مواقف الزعامات العربية، في محيط فلسطين المحتلة، الذين ربطتهم علاقات معينة، بالمندوب السامي البريطاني، لعل أقلها موافقته على تنصيبهم حكاما وملوكا، على مناطقهم وبلدانهم، والتعامل معهم على أساس من ذلك، بعد تخديرهم بوهم التحرر، الأمر الذي جعل ثورتهم رهينة لشروط بريطانيا، وقرار السيادة والاستقلال، خاضع للمنظور السياسي البريطاني، وجهادهم ضد اليهود – أو دعم الثورات الشعبية – خطرا على رؤية حل الدولتين، وأحلام المفاوضات المقترحة، وحتمية قرار التقسيم، الذي باركته الأمم المتحدة.
كانت حركات الجهاد والمقاومة الفلسطينية – القسام وما بعدها – بحاجة إلى دعم وإسناد رسمي وشعبي، من محيطها العربي، لا أن يقيدها بشروط اتفاقياته مع الاحتلال، ويحظر عليها دخول أراضيه، ويجرم التعاطف الشعبي معها، لأنها حركات تمرد إرهابية، من منظور المحتل البريطاني، وتشكل خطرا على وجوده ومصالحه، وهو ذات الدور والفعل، الذي تمارسه الأنظمة الحاكمة، في المحيط الفلسطيني اليوم، وكما أن المحتل البريطاني – بالأمس – جرَّم ثورة القسام، وحرَّم التعامل معها، بوصفها حركة تمرد إرهابية، ها هو المحتل الإسرائيلي – اليوم – يجرِّم جهاد حركة حماس، وفصائل الجهاد والمقاومة الفلسطينية، ويصنفها جماعات إرهابية، وكما تعامل حلفاء البريطاني في المحيط العربي، مع مجاهدي القسام وإخوانهم، ها هم حلفاء إسرائيل اليوم، يسيرون على ذات النهج الخياني، ويمارسون أبشع الجرائم بحق أبناء غزة وجنوب لبنان، سواء من حيث تشديد الحصار، وإغلاق جميع المنافذ والحدود، بحجة الحرص على الالتزام، بالاتفاقيات المبرمة مع الكيان الإسرائيلي الغاصب؛ مثل اتفاقية كامب ديفيد واتفاقية وادي عربة وغيرهما، وأن أي خرق لبنود تلك الاتفاقيات، يهدد أمن وسلامة هذا البلد أو ذاك، أو من حيث تبني موقف العداء والعدوان، تجاه حركة حماس وحزب الله خاصة، ودول وشعوب محور الجهاد والمقاومة عامة، وتصنيفهم جماعات إرهابية خطرة، كما هي مواقف الأنظمة العربية، المنظوية تحت مظلة اتفاقيات التطبيع، ضمن مشروع ما عرف ب “صفقة القرن”، في مراحلها المتعاقبة.
لم يتوقف دور أنظمة العمالة والتطبيع، في المحيط العربي بفلسطين، عند مستوى إجهاض الفعل الجهادي المقاوم، في الداخل الفلسطيني، بتوظيف الملف الأمني، من خلال تشديد الحصار، وإغلاق المنافذ والشريط الحدودي كاملا، أو بتوظيف الملف السياسي، من خلال فرض حالة من القطيعة، والعزلة السياسية والاجتماعية الشاملة، ضد الداخل الفلسطيني أرضا وإنسانا، المصنف – تبعا لموقف ورؤية الكيان الإسرائيلي المحتل – بوصفه وجودا إرهابيا، عالي الخطورة، وما يترتب على ذلك التصنيف، من وجوب محاربته، وضربة بكل قوة، بمختلف أساليب القوة ومستويات الحرب، وصولا إلى شرعنة حرب الإبادة الجماعية الوحشية الشاملة، والحق في استخدام كل ممكنات القوة العسكرية، وأشد الأسلحة فتكا وتدميرا، بهدف تحقيق المحو الكامل والإبادة المطلقة.
لم تكتفِ أنظمة العمالة والتطبيع، حلفاء إسرائيل في المنطقة العربية، بالتقيد والالتزام المطلق، بتنفيذ بنود الاتفاقيات بحذافيرها، وقمع وإجهاض أي فكر أو فعل جهادي مقاوم، مناهض لوجود الاحتلال الإسرائيلي الغاصب، سواء في الداخل الفلسطيني، أو في أوساط شعوبهم، بل تجاوزت ذلك، إلى تبني موقف الدفاع عن الكيان الإسرائيلي، ضد أي خطر خارجي، قد يناله بأدنى سوء، حيث تحولت إلى درع جوي، بمنظوماتها الدفاعية الجوية، تقيه صواريخ ومسيرات اليمن وإيران، معلنة إغلاق أجوائها أمام أي عمليات ضده، وفتحها أمام طائراته وصواريخه وعملياته، ضد أي بلد عربي أو إسلامي، بالإضافة إلى تمويل حروبه، ودعم اقتصاده
بالتريليونات من الدولارات، وتوفير كل احتياجاته الغذائية والتموينية، والعسكرية والمشتقات النفطية والحياتية عموما، ورغم كل ذلك، فإن العدو الإسرائيلي الغاصب، ما زال يطلب من حلفائه – أنظمة العمالة والتطبيع والنفاق – القيام بمهام أكبر، تتجاوز دور الدفاع عنه، إلى تبني حربه العدوانية الإجرامية التوحشية، بحق عزة وجنوب لبنان واليمن وإيران، وخوضها نيابة عنه، وتحقيق الانتصار الساحق على أعدائه، حيث مني هو بأخزى وأنكر الهزائم، ولولا أولوية حمايته من صواريخ اليمن وإيران، لما تورع لحظة واحدة، من الزج بالنظام والجيش المصري والأردني والسوري، في حرب مباشرة ضد مجاهدي فصائل الجهاد والمقاومة في قطاع غزة، ومجاهدي حزب الله في جنوب لبنان، وهو ما لن تتحرج من تنفيذه، تلك الأنظمة العربية العميلة، وقد لاحت مؤشراته جلية في الأفق، ولن يعجزها اختلاق الفتاوى والمبررات، لشرعنة ذلك الدور الخياني القذر، دون أدنى مراعاة لمشاعر وصورة شعوبها.