الأمطار.. خطر يفاقم معاناة أهالي غزة مع بدء فصل الشتاء
الأمطار.. خطر يفاقم معاناة أهالي غزة مع بدء فصل الشتاء
يمني برس |
مع أول قطرة، بدأت المياه تتسلل إلى الخيمة، ممزوجة بالبرد القارس، وجعلت المكان غير صالح للبقاء. حاولت العائلة نقل أغراضهم ورفع الخيمة قليلًا لتجنب الماء، وحفر الأرض لتصريف المياه بعيدًا، لكن كل جهد كان بلا جدوى.
“ساعات طويلة ونحن نحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه، لم نعرف ماذا نفعل. أمي انهارت من التعب والقلق، وكنت أبكي في صمت، أشعر بالعجز الكامل أمام هذه الطبيعة”.
آية فرح أبو نصر، شابة من سكان شمال غزة، تعيش في منطقة دوار 17 غرب دير البلح، تروي للمركز الفلسطيني للإعلام اللحظات الأولى للمنخفض بصوت يرتجف بين الدموع: “كنا نعرف أن المطر قادم، لكن لم أتخيل أن خيمتنا ستغرق عند أول رشة ماء. شعور مؤلم جدًا، مليء بالقهر والعجز. الأطفال كانوا يرتجفون، أيديهم ووجوههم حمراء من البرد، وقلبي يعتصر ألمًا وأنا أحاول تهدئتهم”.
كذلك الحال، في الساحات العامة والمرافئ والشوارع المدمرة، ينتظر عشرات الآلاف من النازحين رحمة السماء، بينما تهوي رياح الشتاء على أقمشة ممزقة لا تصلح للاحتماء، وتغمر مياه الأمطار خيامًا بالكاد تقف على أوتادها.
في وسط غزة، تجلس الحاجة خديجة السلوت داخل خيمة تسرّبت إليها الأمطار. تقول بصوت متعب لـ وكالة (شهاب) الفلسطينية: “الأرض طين والماء يدخل من كل مكان. أنا مريضة والبرد يزيد أوجاعي.. لا نملك ما نغطي به الخيمة.”
وفي هذا الصدد؛ قال منسق أعمال مركز غزة لحقوق الإنسان والمتحدث باسمه محمد خيري: إن الوضع الإنساني في غزة بلغ مستويات غير مسبوقة من القسوة، خاصة في مناطق الجنوب والساحل التي تؤوي مئات آلاف النازحين.
وأضاف: النازحون يعيشون في ظروف تفتقر إلى أي حماية من البرد أو المطر، وسط انعدام شبه كامل لمواد التدفئة وغياب البنية التحتية اللازمة لتصريف مياه الأمطار، مما يهدد بتحول المخيمات إلى بؤر للغرق والأمراض الموسمية.
وبيّن أنه لم يتم تلبية سوى 23% من احتياجات المأوى الشتوي، ما يعني أن نحو 945,000 شخص يعيشون دون حماية كافية.
وأشار إلى أنه وفق تقديرات الأمم المتحدة هناك 1.5 مليون شخص معرّضون للبرد والأمطار نتيجة تأخر دخول مواد الإيواء، وأن نحو 74% من الخيام الحالية غير صالحة للسكن بسبب التآكل وسوء الجودة.
ويعيش الأهالي بين ركام منازلهم، محاولين استصلاح ما تبقى منها للعيش، في ظل مخاوف تلوح في الأفق من موسم الأمطار وتحوله من فصل طال انتظاره إلى مصدر للخوف والقلق.
وتسبب عامان من حرب وجريمة الإبادة الجماعية على قطاع غزة في تدمير معظم المباني، وفي دفن القطاع تحت أكثر من 61 مليون طن من الأنقاض، وفقاً لبيانات المنظمة الدولية.
وتقول تقارير إخبارية إن الأمطار التي هطلت مع أول منخفض جوي ماطر على غزة، كشفت عورة الخيام المهترئة، وأغرقت قاطنيها من النازحين في مواصي خان يونس غرب المحافظة، جنوب القطاع.
وتشير التقارير إلى أن النازحين باتوا ليلتهم فيما يشبه العراء تحت تأثير البرد القارس بعد أن غرقت خيامهم وابتلت أغطيتهم وملابسهم ومقتنياتهم كافة، في مشهد يجسّد معاناتهم على مدار ثلاثة فصول منذ بدء الحرب، بعد أن أجبروا قسرا على ترك منازلهم والنزوح إلى منطقة المواصي.
وانعكاسا على الأوضاع السيئة في القطاع ،أكدت بلدية غزة ، اليوم الأحد ، أن خيام النازحين في القطاع تحولت إلى مصب لسيول الأمطار خلال اليومين الماضيين تزامنًا مع المنخفض الجوي.
وناشدت البلدية على لسان مسؤوليها، جميع الجهات للتدخل العاجل لتوفير مأوى يليق بكرامة الإنسان.
وكررت مطالبتها بإدخال الخيام وإدخال معدات ثقيلة وقطع الغيار لتسريع عملية إصلاح الخطوط والشوارع .
من ناحيته، أفاد الدفاع المدني بأن طواقمه في خانيونس تتعامل مع عشرات الخيام في مخيمات النازحين إثر تعرضها للغرق بمياه الأمطار الناجمة عن المنخفض الجوي في مناطق عدة بالمواصي.
المباني معرضة لخطر الانهيار
وبينما حذرت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، السبت، من أن “العديد من المباني في غزة مُعرَّضة لخطر الانهيار” مع اشتداد أمطار الشتاء، تحدثت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة، فرانشيسكا ألبانيز بدورها ،السبت، عن أنه بعد ٧٦٨ يوما من الإبادة الجماعية في غزة ناجون من الإبادة يعيشون في خيام غمرتها مياه الأمطار، في عبارة اختزلت الكثير من ملامح المأساة.
غزة تغرق
في السياق ذاته، أعلن المتحدث باسم الدفاع المدني في قطاع غزة، محمود بصل، بدوره السبت، غرق أسرة فلسطينية بأكملها جراء الأمطار الغزيرة التي هطلت على القطاع، مشيراً إلى أن مدينة غزة غرقت بالكامل في غضون ساعتين فقط من تساقط الأمطار.
وحذر بصل، من أن سكان غزة سيشهدون أياما أكثر صعوبة في الأيام المقبلة مع اشتداد حدة المنخفضات الجوية التي ستضرب غزة، مؤكداً أن الواقع في القطاع صعب وكارثي، لافتا الى أن غزة تعيش الآن ظروفا أصعب من الحرب، وأن الخيام في غزة مكتظة بالسكان وغير صالحة للسكن من الأساس، وأن طواقم الدفاع المدني لا تملك القدرات اللازمة لمواجهة التداعيات الكارثية التي تسببت بها الأمطار.
ودعا بصل، المجتمع الدولي الى سرعة توفير مساكن تحمي المواطنين في غزة من تداعيات سقوط الأمطار، مؤكداً أن السكان في غزة في حاجة إلى نصف مليون خيمة.
من جهتها، أكدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف”، أن استمرار هطول الأمطار الغزيرة على قطاع غزة ، تسبب بفيضانات أثرت على آلاف العائلات النازحة التي تعيش في الخيام ،مشددة على الحاجة حاليا إلى دخول جميع إمدادات “يونيسف” إلى القطاع.
بدوره، أعرب المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، عن خشيته من أن “آلاف العائلات النازحة أصبحت الآن معرضة بالكامل لظروف الطقس القاسية، مما يزيد من المخاوف المتعلقة بالصحة والحماية”.
منع إسرائيلي
وذكر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أن الشركاء العاملين على توفير الدعم في مجال المأوى نشروا فرق استجابة سريعة، ويبذلون منذ أسابيع قصارى جهدهم للتخفيف من تأثير الأمطار المتوقعة على السكان في جميع أنحاء غزة.
وأفاد المكتب بأنه تم الخميس الماضي فقط توزيع حوالي 1,000 خيمة على عائلات في دير البلح وخان يونس، وأنه بين الأحد والأربعاء، قدم الشركاء حوالي 7,000 بطانية لأكثر من 1,800 أسرة، ونحو 15,000 قطعة قماش مشمع لأكثر من 3,700 أسرة، وملابس شتوية لأكثر من 500 أسرة.
وقال مكتب “أوتشا” إنه منذ بدء وقف إطلاق النار في 11 أكتوبر الماضي، رفضت سلطات العدو الإسرائيلي 23 طلبا من تسعة من الشركاء لإدخال ما يقرب من 4,000 منصة نقالة من الإمدادات الأساسية، بما في ذلك الخيام، وأدوات العزل والتأطير، والفراش، وأدوات المطبخ، والبطانيات.
دعوات لتحرك دولي
حركات المقاومة والفصائل الفلسطينية دعت بدورها، الى تحرك عربي وإسلامي ودولي لتوفير الإمدادات والمستلزمات الضرورية لحماية الشعب الفلسطيني في قطاع غزة من التشرد، مع استمرار المنخفض الجوي الذي يضرب قطاع غزة.
ودعت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ، إلى أوسع تحرك فاعل ومؤثر، على المستوى الرسمي والشعبي، لتوفير المستلزمات الضرورية لحماية الشعب الفلسطيني في قطاع غزة من التشرد في ظل منخفضات جوية، حملت الرياح والأمطار والسيول والبرد، ما أدى إلى تمزيق ما تبقى من خيم بالية وإغراق الجميع، نساء وأطفالا، في ظل عجز المؤسسات الإنسانية في القطاع عن توفير المأوى والوقاية من الرياح والأمطار، وأماكن سكن لإنقاذها من السيول الجارفة.
كما دعت حركة الأحرار الفلسطينية من جهتها، مؤسسات الأمم المتحدة، والمجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية وجامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي بضرورة التحرك العاجل والفوري لإيصال الإمدادات الإنسانية والطبية والإيوائية إلى الشعب الفلسطيني في قطاع غزة مع استمرار المنخفض الجوي الذي يضرب القطاع.
وشددت الحركة، على ضرورة إلزام العدو الصهيوني بتنفيذ بنود وقف إطلاق النار والسماح بدخول الخيام والكرفانات، ورفع مستوى الدعم الميداني والشعبي والرسمي، بما يضمن حماية النازحين وتأمين متطلبات تضمن لهم حياة كريمة، في ظل الواقع الكارثي التي خلفتها آلة الحرب الصهيونية.
من ناحيتها، أكدت حركة المجاهدين الفلسطينية، أن معاناة أهالي قطاع غزة خاصة النازحين تتفاقم في ظل الأجواء الباردة والماطرة، مطالبة “المجتمع الدولي والضامنين لاتفاق وقف إطلاق النار بالتحرك الفوري والضغط على العدو الصهيوني لفتح المعابر وإدخال المساعدات والمواد الأساسية”، داعية “إلى التكاتف والتكافل المجتمعي ووقوف الجميع عند مسؤولياته للتخفيف عن شعبنا الذي يعاني من النزوح والحصار والبرد”.
ودخل اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة حيز التنفيذ في 10 أكتوبر الماضي، بعد حرب إبادة جماعية صهيونية استمرت عامين متواصلين، غير أن جيش العدو الإسرائيلي يمارس خروقات يومية للاتفاق، وما يزال يمنع دخول غالبية المساعدات الإنسانية إلى القطاع.
Comments are closed.