في الوقت الذي تزداد المعارك ضراوة في الأطراف الجنوبية من مدينة الحديدة، وصل مارتن جريفث، ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، في منتصف الأسبوع الماضي (في الـ 27 من يونيو)، إلى مدنية عدن، في زيارة استمرت عدة ساعات، التقى فيها بالرئيس عبد ربه منصور هادي، وناقش معه بنود مبادرة الحديدة، التي كان قد قدمها في الـ 31 من مايو الماضي، وقوبلت بالرفض من حكومة «الانقاذ»، بعد زيارته إلى صنعاء، في منتصف الشهر الحالي، والتي كان قد وصفها بأنها زيارة خاصة، ثم عادت الحكومة عن موقفها، وأعلنت موافقتها عليها، في خطاب مصور لزعيم حركة «أنصار الله»، عبد الملك الحوثي، عشية عيد الفطر المبارك.

وكانت تلك المبادرة قد تضمنت، بحسب ما نشرت وسائل إعلام رسمية: انسحاب حركة «أنصار الله» سلمياً من مدينة وميناء الحديدة، لتجنيبها المواجهات المسلحة، وتسليمها للأمم المتحدة، لتتولى الإشراف عليها، وتحصيل الموارد، وتخصيصها لصرف مرتبات الموظفين المدنيين، المتوقفة منذ عامين.

في المقابل، أوضح الناطق الرسمي لحركة «أنصار الله»، محمد عبدالسلام، اليوم الأحد، أن صنعاء وافقت على «وجود دور فني للأمم المتحدة في ميناء الحديدة»، وليس «تسليم الميناء للأمم المتحدة للإشراف عليه»، في حين كانت مصادر من عدن قد أكدت فشل محادثات جريفيث مع الرئيس هادي.

ويرى مراقبون، أن زيارة مارتن جريفيث إلى عدن، لم تمكنه من إحداث أي تغيير في مواقف الرئيس هادي وحكومته، خاصة في ملف الحديدة، الذي ظل يتصدر أولويات اهتمام المبعوث الأممي، منذ اليوم الأول لتسلمه منصب ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في فبراير من العام الحالي، ويعيدون الأسباب في ذلك، إلى التغيير الذي حدث أخيراً في الوضع التفاوضي للرئيس هادي وحكومته، الناتج عن عودته وطاقم حكومته إلى «العاصمة المؤقتة» عدن، وتمكنهم من قيادة الجيش والمقاومة، التابعين لحكومة الأخير، والتوغل في أكبر مساحة على طول الساحل الغربي، وصولاً إلى أطراف مدينة الحديدة، وأن ذلك لم يكن بمعزل عن الدور الذي لعبته دولاً فاعلة في «التحالف»، بهدف افشال مهمة المبعوث الأممي، التي بدا من الواضح أنها تتعارض مع مصالحها في «يمن ما بعد انتهاء الحرب».

 

مسار ما قبل الحديدة

 

قوبل اختيار الأمين العام للأمم المتحدة على الدبلوماسي البريطاني مارتن جريفث، للعمل ممثلاً له في اليمن، خلفاً للموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد، بتأويلات إيجابية عدة، بالنظر إلى خبراته في إدارة الصراعات بين الحكومات والأطراف المعارضة، بالإضافة إلى كونه بريطانياً، فيما بريطانيا هي الدولة المعنية بملف الأزمة اليمنية في مجلس الأمن، الأمر الذي رأى فيه مراقبون أنه سيساعد في ترتيب وضع الحالة اليمنية، من حيث التقريب بين أطراف الصراع، وسيمهد لدور أفضل للدبلوماسية البريطانية في إطار مجلس الأمن والأمم المتحدة، خاصة وأن جريفيث استطاع منذ الأيام الأولى لإستلامه منصبه، لفت الأنظار إليه، عندما بدأ بالحديث مع أكاديميين ومثقفين ومعارضين يمنيين في عديد عواصم أوروبية وعربية، وبدأ من هناك باطلاق تصريحاته، التي أكد فيها على مخاطر الأزمة الإنسانية في اليمن، وحجم الأضرار التي يعانيها اليمنيين، نتيجة تنصل طرفي الصراع عن مختلف مسؤولياتهم، وفي مقدمتها، عدم وضع حلول لمواجهة معاناة أكثر من مليون موظف مدني لم تصرف مرتباتهم، بالإضافة إلى عدم قدرة الطرفين على ضمان وصول امساعدات الإنسانية والاغاثية. لهذا بدأ بالإعلان عن شكل خطته في التعامل مع الأزمة اليمنية، التي ظل يؤكد من خلالها على أنها تتطلّب امتناع مختلف الدول عن التدخل في قراراته، أو محاولة إملاء وجهات نظرها عليه.

إلى ذلك، يرى مراقبون أن تلك التصريحات، قدمت جريفيت أمام مساحة واسعة من الرأي العام، بأنه محايداً في قراراته، وأنه قادر على إحداث تغيير في مسار الأزمة اليمنية، بمعزل عن قوى الخارج، إلا أنها – في المقابل – أغضبت الدول التي لها مصالح في اليمن، ولا يمكن تجاهل أهدافها في هذه الحرب.

وفي حديث إلى «العربي»، قال المحلل السياسي أنور نعمان، إن «التصريحات التي أبداها جريفيث في هذا الاتجاه، أثارت مختلف الدول التي تعتبر نفسها ذات أهمية في مسار الأزمة والحرب في اليمن، وترى أنه لا يمكن الاستغناء عن وجودها في مستقبل إحلال السلام فيه، وفي مقدمتها دول التحالف العربي، والدول الخمس دائمة العضوية في الأمم المتحدة».

وأضاف «ولهذا وجد العراقيل أمامه من مختلف الدول، ولم تتعاون معه أية دولة، وهذا صار واضحاً من خلال ضعف برنامجه حول الأزمة اليمنية، الذي ظل كما هو ولم يتغير، فهو ما زال يتحدث عن الحديدة فقط وأهميتها في التقريب بين أطراف الحرب».

ولعل هذه الاستنتاجات، تعيد إلى الأذهان دلالات ومعاني التصريحات المتكررة للناطق الرسمي باسم قوات «التحالف»، العقيد تركي المالكي، التي يؤكد فيها «امتناع دول الدول التحالف العربي عن إجراء أية محادثات مع الانقلابيين في صنعاء، وأن أي نوايا لمحادثات سلام، يجب أن تمر من خلال ممثل الأمين العام للأمم المتحدة»، ما يعني ضمنياً، أن هذه الدول لن تفتح أي خطوط مساعدة لممثل الأمين العام للأمم المتحدة، وأن عليه تحمل كافة الأعباء المتعلقة بمهام إيقاف الحرب، وإيجاد حل للأزمة اليمنية.

 

انتزاع الحديدة

 

لم تكن تصريحات مارتن جريفيث وحدها سبباً في تحديد عدة دول سياساتها في التعامل مع خطته حيال الأزمة اليمنية، وإنما مثّلت – أيضاً – لقاءاته بقادة وديبلوماسيين في تلك الدول، وفي مقدمتها دول في «التحالف» وحكومة هادي، التي بيّن فيها إصراره على عدم إمكانية معالجة القضية اليمنية في حالة تجاهل «أنصار الله»، وظل يرى أن أي حل بمعزل عنهم، سيكون مصيره الفشل.

وتعليقاً على ذلك، يرى أنور نعمان، أن «مواقف جريفيث ساعدت على إحداث تحولات دراماتيكية في الأداء الدبلوماسي والعسكري، لدى دول التحالف العربي، بالدرجة الأولى، ولهذا سارعت السعودية والامارات إلى الاتفاق حول عودة الرئيس هادي إلى العاصمة المؤقتة، والتسريع بذلك، وتلازم ذلك مع الإسراع بتحرير الحديدة»، معللاً ذلك بالقول «ولهذا كان لا بد من العمل من أجل انتزاع الحديدة بالقوة، وافشال مهمة جريفيث، وهذا ما تم حتى الآن».

تلك هي العوائق التي تتسارع أمام مبادرة جريفيث، إلا أن اتصالاته مع طرفي الصراع في اليمن، ما زالت على وتيرة عالية. ويرى مراقبون، أن «بوادر في الآفق، قد تؤدي إلى نجاح مبادرته في الأيام القليلة القادمة، والحيلولة دون خوض معركة الحديدة».

* العربي| إسماعيل أبو جلال: