المنبر الاعلامي الحر

الحجرية تعز… الإصلاح والإمارات.. معركة كسر العظم

.

محمد الصلوي

 

منذ ثلاث سنوات تحولت مدينة تعز لساحة صراع مفتوحة لفصائل العدوان ، فلا تكاد تهدأ الاشتباكات بينهم في منطقة حتى اندلعت في منطقة أخرى ، فبعد ان سيطر الاصلاح على المدينة بعد جولات صراع دامية مع كتائب ابو العباس المدعومة إماراتيا ، لم تهدا المدينة بعد حتى دخل الصراع دخل منعطف جديد ساحته هذه المرة ارياف تعز خصوصا مديرية الشمايتين ومدينة التربية ، حيث تدور هناك اشتباكات عنيفة منذر اشهر بين فصائل العدوان ” الاصلاح وابو العباس وقوات الحمادي ” ودخلت على خط المواجهات هذه المرة مليشيات طارق صالح .

 

الحجرية .. معركة كسر العظم .

حينما سيطر الإصلاح كليا على مدينة تعز بداية شهر مايو الفائت من العام الجاري وخروج مليشيا ابو العباس إلى منطقة الكدحة ، كان البعض يعتقد ان الصراع سيتوقف هنا ، لكن الصراع اصبح أكثر اشتعالا وفي ساحة جديدة ، فبعد سيطرة الاصلاح على المدينة ورمى كل ثقله العسكري فيها ، كان يدرك ان الإمارات وميلشياتها لن تتركه ينفرد بالقرار داخل المحافظة، ويخشى ان يتكرر سيناريو المحافظات الجنوبية ، الأمر الذي جعل الاصلاح خلال الاشهر التالية بعد سيطرته على المدينة يعمل على تحشيد قواته وتكديس اسلحته استعدادا لمعركة جديدة ساحتها ” الحجرية ” الاخيرة ايضا كانت تستعد لمعركة قادمة ففصائل العدوان الموالية للإمارات اتخذت من تلك المناطق نقطة ارتكاز وغرفة عمليات لقيادة حرب على الاصلاح من أجل عزله وحصاره في المدينة فقط ، لهذا كانت الإمارات تمول تلك الفصائل بالمال والسلاح ، وقامت بإنشاء معسكرات جديدة في منطقة الخيامي بمديرية المعافر ، والتربة والعديد من المعسكرات في مناط متفرقة في الحجرية .

 

كان يدرك الاصلاح بأن الامارات لن تتركه وحيدا ، ويدرك بأن معركة تعز مصيرية بالنسبة له سيما بعد خروجه من المحافظات الجنوبية ، فهو يريد ان يوجد له موطئ قدم في المستقبل ، وليس أمامه منطقة غير تعز ليرمي ثقله العسكري والسياسي فيها ، لهذا عمل على تحشيد قواته العسكرية والسياسية وأختلق أي عذر من أجل التقدم صوب منطقة الشمايتين والتربية معقل مليشيات عدنان الحمادي وأبو العباس المدعومين أماراتيا، ففي الوقت الذي كانت الإمارات تحشد مرتزقتها في الحجرية كان الاصلاح يحشد قواته ايضا لنفس المنطقة وأمام هذا التحشيد العسكري المتبادل ، كان هناك تحشيد اعلامي من الطرفين واتهامات متبادلة بين الطرفين فالإصلاح يتهم الحمادي بالعمالة للإمارات وأنه ينفذ مشروعها والحمادي يتهم الاصلاح بتفجير الوضع في التربة بهدف السيطرة على المحافظة بالكامل على غرار ما حدث في المدينة .

 

وفي خضم هذا التحشيد المتبادل كان الاصلاح يسيطر على مفاصل مؤسسات الدولة في المدينة الأمر الذي جعله يخوض صراعه مع فصائل الامارات من هذا الجانب ايضا ، فقام بإصدار قرار من ما يسمى ” قيادة المحور ” المسيطر عليه الاصلاح قضى بنقل قوات تتبع الحمادي إلى أماكن مختلفة داخل المحافظة وقام بنقل جنود يتبعون الاصلاح إلى منطقة التربة والشمايتين والبيرين ، الأمر الذي اعتبره الحمادي معركة يقودها الاصلاح تهدف لتمزيق اللواء 35 بهدف تحجيمه وتقليص تواجده ، وفي منتصف شهر اغسطس الفائت من العام الجاري اصدر مدير امن تعز الموالي للإصلاح منصور الأكحلي قرار بإقالة مدير امن الشمايتين عبدالكريم السامعي وتعيين عبدالإلة العياني وهو ما رفضه مليشيا الحمادي حليفه التنظيم الناصري بعدها اقدمت الاكحلي على إقتحام ادارة أمن مديرية الشمايتين بأكثر من عشرين طقم بهدف فرض مدير أمن الجديد بالقوة ، لينفجر الوضع عسكريا وتندلع اشتباكات عنيفة بين قوات السامعي والأكحلي وسقط قتلى وجرحى من الطرفين .

 

لم يتوقف الأمر عند ذلك، بل امتد إلى مناطق خارج “التربة”، على إثر وصول تعزيزات عسكرية التي أرسلها الاصلاح من المدينة وهي عبارة عن مجاميع من اللواء الرابع مشاة، والمحسوب على الاصلاح، ليدخل لواء الحمادي 35 على الخط، وتندلع اشتباكات بين الإصلاح وأفراد من كتائب “أبو العباس”، التابعة للواء 35، انتهت بسيطرة قوات الاصلاح على منطقة البيرين وسوقها في الجهة الجنوبية لمدينة تعز، وقتل في الاشتباكات التي استمر اربعة ايام ما يقارب 30 شخص منهم ثلاثة مدنيين .

 

تفاقم الوضع اكثر ، خصوصا بعد سيطرة الاصلاح على البيرين وسوقها ونصبوا نقاط تفتيش على طول الخط من المدينة للتربة ، وقاموا بقطع الإمدادات على ابو العباس في جبهة الكدحة وقاموا بحشد عسكري كبير ،قابله حشد عسكري ايضا من الحمادي وابو العباس ، خصوصا ومناطق الحجرية تعتبر مسرح عمليات مليشيا الحمادي ودخول الاصلاح يعد خطر حقيقي على الحمادي وقواته لاسيما والإصلاح يعتبر معركته في تعز مصيرية ولا يمكن ان يفرط بها خصوصا وقد تلاشى وجوده في المحافظات الجنوبية والمحافظات الشمالية ، في المقابل فصائل الإمارات لا يمكن ان تسمح للإصلاح ان يسيطر على المحافظة وتريد ان تكرر سيناريو عدن في تعز ، لهذا كانت معركة الحجرية للطرفين معركة كسر عظم ، وفي وسط هذا المشهد الدموي كانت هناك مظاهرات حاشدة دعا لها الطرفين ،وكل منهما تطالب بخروج الأخر ، فالمظاهرات المؤيدة للحمادي كانت تطالب بإخراج مليشيا الاصلاح من المنطقة والمظاهرات التي تؤيد الاصلاح تطالب بفرض الامن على التربة وتسليمها للجنة الامنية التابع للإصلاح ، وبعد ان تصاعد الموقف أكثر وقيام الاصلاح بحشد قوات عسكرية كبيرة من مديرية المعافر والقاطرة وجبل حبشي إلى محيط مدينة التربة ومناطق متفرقة في الحجرية كانت هناك وساطات من قبل المليشيات الجنوبية التي يقودها حمدي شكري الذي قاد عملية وساطة بتكليف من العدوان لحل الخلافات ، انتهت هذه الوساطة بتهدئة الوضع، وصدرت توجيهات بعودة مليشيا الاصلاح من التربة إلى المدينة ، وقفت الاشتباكات في منطقة البيرين بعد الوساطة لكن لا أحد انسحب من المناطق التي سيطر عليها والتحشيد مازال مستمر، وكان قبول الاصلاح بإيقاف الاشتباكات التهرب من الصدام مع الرياض كونها صاحبة الدعوى للوساطة ، وايضا قدوم حمدي شكري اوصل رسالة للإصلاح بأن السلفيين في الجنوب لن يظلوا متفرجين لمليشيا ابو العباس السلفية وهي تقاتل وحيدة ، بالإضافة بأن الامارات ستتوسع دائرة النار على الاصلاح في حال استمر في اندفاعه نحو اجتياح الحجرية .

 

توقفت الاشتباكات وبقيت اليد على الزناد، وبقيت كل الاطراف في أماكنها ، واصبح الوضع الأمني في التربة ومحيطها مخيف جدا ، حيث تم اغتيال وقتل العشرات من المواطنتين الابرياء ونهب وسرقة العديد من المنازل ، وارتفعت الاصوات المطالبة بعودة الامن للمنطقة وايقاف فتيل الصراع ، خصوصا مع تزايد الانتهاكات التي مارسها الطرفين ضد الابرياء احدها استهداف نازحين في التربة مع قبل الاصلاح بحجة انهم ينتمون لمليشيا طارق صالح ،وأصبح الأمر أكثر تعقيداً بعد بروز شائعة تقول إن “الهدف من الحملة العسكرية التي نفذتها قوات الاصلاح هو السيطرة على الحجرية، بحجة حمايتها من تسلل عناصر محسوبة على أطراف أخرى لديها أجندة مخالفة”، في إشارة إلى مليشيا طارق صالح المدعومة ايضا اماراتيا، ليتحول الأمر إلى صراع نفوذ وسيطرة ، خصوصا وان المعركة اصبحت واضحة بين فصائل الإمارات ومليشيا الاصلاح .

 

لم يمر سوى شهر على عودة الهدوء لمنطقة التربة والمناطق المحيطة بها حتى أنفجر الوضع مجددا يوم السبت 5 من أكتوبر الجاري من العام الحالي ، حيث شهدت مدينة التربة ، اشتباكات عنيفة بين جماعات الإصلاح، وبين أفراد من حراسة محافظ تعز المعين من قبل هادي ، وأفراد يتبعون لواء الحمادي وابو العباس في مديرية الشمايتين جنوب غرب تعز ،وتيرة الاشتباكات جاءت عقب مقتل اثنين من مرافقي المحافظ وجرح آخرين، ظهر الخميس الرابع من اكتوبر، بعد هجوم قامت به عناصر من مليشيات الحشد الإصلاحية على حراسة محافظ هادي نبيل شمسان، في مدينة التربة ، لتندلع بعد ذلك اشتباكات عنيفة استخدمت فيها الاسلحة الثقيلة ، وتصاعدت الاوضاع لتصل لقطع الطرقات الرئيسية ، حيث قامت مليشيا الاصلاح بقطع طريق الصحى بمنطقة العفا عزلة الأصابح، والمدخل جنوبي مدينة التربة، والخط الدائري للمدينة الطرق الرئيسة المؤدية إلى مدينة التربة، ونصبت مليشيات الاصلاح نقاطاً في طرقات القريشة والأصابح والكدرة في الشمايتين، والجاهلي في المقاطرة، وكلها تقع على الخط البديل عن خط التربة ونقيل هيجة العبد الرابط بين تعز و عدن وترتب عن ذلك، قطع الطريق الوحيد الرابط بين مدينة تعز عدن ، المنفذ الوحيد المتبقي للمدينة ، ومازال الوضع متوترا حتى اللحظة ، رغم هدوء الاشتباكات ، لكن التحشيد العسكري مازال مستمر.

 

امال الإصلاح وطموح الإمارات

الصراع في تعز يعد صراع كسر عظم بالنسبة للإصلاح من جهة الإمارات من جهة أخرى ، فالإصلاح بعد ان اخرجته الإمارات من الجنوب عبر المجلس الانتقالي، وفقد حضوره في المحافظات الشمالية وجد نفسه أمام مخطط إماراتي يسعى لجتثاثه ، فلم يجد أمامه خيار عدا السيطرة على تعز ليضمن حضوره في أي تسوية سياسية قادمة ، وليجعل له نصيب من الارض تجعله قويا وحاضرا ، لهذا رمى بكامل ثقله في المدينة ، فسيطر على مفاصل الدولة العسكرية والأمنية في المدنية ، بعدها فرض سيطرته العسكرية على المدينة واستطاع أخراج كتائب ابو العباس الغريم الأول للإصلاح وذراع الإمارات في المدينة ، وأمام مخطط الاصلاح كان هناك مخطط تسعى لتنفيذه الإمارات بعد خسارتها للمدينة ، يتمثل بخنق الاصلاح وحصاره داخل المدينة ، وجعل مناطق الحجرية منطلق لخوض معارك عسكرية قادمة ، وترمي أبوظبي بكل ثقلها العسكري في الريف الجنوبي لتعز، وتقدم دعماً عسكرياً ولوجستياً لأدواتها هناك، للهيمنة على الجزء الاستراتيجي من المدينة ، لهذا قامت بنقل كتاب أبو العباس إلى منطقة الكدحة في الجهة الغربية وأجزاء من الجهة الشمالية للمدينة وهذه المنطقة هي الفاصلة بين مدينة تعز، والمناطق الواقعة تحت سيطرة مليشيات العمالقة الموالية للإمارات في الساحل الغربي، ونقل ابو العباس إلى هذه المنطقة له هدفين اولهما حصار الاصلاح من الجهة الغربية ، وايضا تخصيص هذه المنطقة من أجل انشاء حزام أمني على غرار ما حدث في عدن ،خصوصا و دور الحزام الأمني، هو التحكم والسيطرة على مداخل ومخارج المدينة، وليس الانكفاء بداخل حواريها وأزقتها، ومنطقة الكدحة مؤهلة أن تكون نواة للحزام الأمني في تعز التي تعمل عليه الإمارات .

 

واصلت الإمارات تنفيذ مخططاتها في إطار خطتها لإدارة الحرب عبر أذرعها العسكرية وميلشياتها المسلحة والسيطرة وخنق الاصلاح في المدينة، قامت قيادة القوات الإماراتية بتسليم مقرها في مدينة الخوخة الساحلية غربي اليمن، لقوات طارق صالح عملية التسليم المفاجئة كانت قد تمت بعد عودة طارق صالح من زيارته لأبو ظبي تقوم الإمارات بتسليم مقراتها في الساحل الغربي إلى قوات عسكرية أشرفت على تدريبها خلال أكثر من عامين، أبرزها مليشيا العمالقة، والمليشيات التهامية، بالإضافة لقوات طارق المتمركزة في الساحل الغربي وفي يوليو الماضي، سلمت القوات الإماراتية في اليمن عددًا من المعسكرات التي كانت تسيطر عليها، بالإضافة إلى معدات عسكرية ثقيلة، لأذرعها العسكرية، وأبرزها معسكر خالد بن الوليد ومعسكر الدفاع الجوي، بالإضافة إلى معسكر العمري في مديرية ذو باب المطلة على مضيق باب المندب غربي تعز ، وبهذه العمليات اصبحت مدينة تعز محاصره من الجهة الجنوبية الغربية من قبل مليشيات طارق صالح .

 

اما الحجرية فجعلتها الإمارات مسرح عمليات لعملياتها العسكرية ومعسكراتها وهي المنطقة الأهم بالنسبة للمدينة ، والاشتباكات فيها تعتبر معركة حاسمة للإمارات تريد من خلالها السيطرة على المنفذ الجنوبي، حيث تقع مدينة التربة الريفية، هو المنفذ الوحيد الذي تبقى للمدينة وأغلق قبل ايام، عقب مواجهات بالأسلحة الثقيلة، قد تتسبب بخنق مدينة تعز بشكل كلي ، وهكذا يتم عزل الاصلاح ومحاصرته في المدينة فقط لا غير ، لكن الاصلاح ادرك ذلك مبكرا لهذا اتجه صوب الحجرية .

 

فمثل ما يوجد للإصلاح هدف مستقبلي من السيطرة على تعز من أجل الحفاظ على تواجده وايجاد موطئ قدم له ، للإمارات هدف استراتيجي طويل المدى للإمارات هو السيطرة على مضيق باب المندب، عبر الأذرع العسكرية المتعددة الذي قامت بإنشائها ودعمها وتمويلها ، لهذا لا يمكن ان تسيطر على المضيق إلا بعد ان تصبح مدينة تعز واقعة تحت سيطرتها بشكل كامل على غرار محافظة عدن .

 

اذا في وسط هذه المشاريع الإماراتية والاصلاحية يقف المواطن اليمني في الحجرية عاجزا عن حماية منزله او نفسه ، فالاشتباكات التي هدأت قبل ايام ، قد تعود مجددا في أي لحظة وبشكل اشد ، خصوصا والطرفين يستمروا بالتحشيد العسكري ويعتبروا معركة تعز معركة مصيرية ومفصلية ولا يمكن الرجوع عنها .

 

 

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com