المنبر الاعلامي الحر

اليمن وتغيير المعادلات الكبرى

اليمن وتغيير المعادلات الكبرى

يمني برس:

 

نشهد مؤخرا تحولات متلاحقة في الميدان اليمني لصالح الجيش واللجان الشعبية، بينما رسخت صنعاء هياكل إدارة المناطق المحررة وعملت بثبات على توفير مستلزمات الصمود الشعبي رغم الحصار الخطير ونتائجه المتمادية منذ انطلاق العدوان الأمريكي السعودي على اليمن.

 

أولاً: تتضح صورة المعادلات اليمنية المتغيرة من حالة الارتباك الشديد التي تعيشها قوات العدوان على الأرض نتيجة تقهقرها المتواصل بعدما فشلت أمام السدود الدفاعية التي أحبطت جميع محاولات الزحف البري في مختلف جبهات القتال، وخصوصا ما تركز منها على محيط العاصمة صنعاء.

 

عطل المقاومون اليمنيون الشجعان عناصر التفوق البري والبحري والجوي لحلف العدوان بمبادرات كسرت قواعد الاشتباك بحيث انتزعوا زمام المبادرة واستطاعوا فرض قواعد جديدة ثبتوها من خلال ضربات مدروسة ودقيقة أتقنوا فيها استعمال سلاح الصواريخ والطيران المسير ليحققوا إنجازات باهرة أذهلت الخبراء أمام ما يمتلكه حلف العدوان من قدرات تقنية وعسكرية متقدمة.

 

بدا التفاوت نافرا للغاية خلال الضربات اليمنية الكبرى لمواقع داخل شبه الجزيرة العربية تبعد عن خطوط الانتشار والدفاع اليمنية مئات الكيلومترات، وقد تحولت هذه العمليات إلى وسيلة ردع فعالة غيرت الحسابات السعودية وقيدت غطرسة القوة.

 

ثانياً: يتفوق المدافعون عن اليمن في قتالهم على جميع المحاور بالصلابة والشجاعة والاستعداد للتضحية، بينما أظهرت نتائج المعارك الأخيرة حالة معاكسة في صفوف قوات العدوان التي وقع منها آلاف الجنود والمرتزقة في قبضة الجيش واللجان الشعبية اليمنية لدرجة أنه تم في العمليات الأخيرة أسر ألوية وفرق كاملة نجح المقاومون في القبض عليها، وقدموا الإثبات بالصورة والصوت على تفوقهم الذي أتاح لهم نصب كمائن يصعب تخيل سعتها الجغرافية وحجم غنائمها من المعدات والتجهيزات والعتاد الحربي ووسائل النقل، وهي ظاهرة تستحق الدراسة بما تعكسه من سرعة الانهيار المعنوي لقوات العدوان التي استنزفها المدافعون ثم أطبقوا عليها وبما يظهر فيها من مهارات نوعية في إدارة العمليات والتخطيط لدى القيادة اليمنية المتفوقة بجدارة في استخدام أدوات القيادة والسيطرة والحرب الإلكترونية وكذلك في الإعلام الحربي.

 

براعة المقاومين اليمنيين في الإمساك بالعدو من الحزام على أرضهم التي يحفظون تضاريسها ويجيدون التحرك والمناورة في شعابها القاسية، تبدو بذاتها إنجازا كبيرا بما فيها من دقة التخطيط والتفوق المعنوي والأخلاقي للمدافعين عن شعب محاصر لكنه يأبى الاستسلام والتفريط بالكرامة الوطنية.

 

ثالثاً: مما يبهر ويثير الإعجاب والاحترام ما حققه اليمنيون في إتقان استخدام الصواريخ والطائرات المسيرة مقابل الفشل المدوي للمنظومات الأمريكية عالية التقنية التي حشدت في حرب تدمير وإبادة وحشية، فقد تفوقت فعلا على العتاد الأمريكي والغربي الأحدث الصواريخ المطورة محليا والمسيَّرات المصنعة بخبرات يمنية وسط الحصار البحري والبري وتحت الغارات الجوية  التي حولت اليمن إلى مختبر لقنابل دول الناتو الأحدث، والتي بلغت الشكوك حول طبيعتها في صحافة الغرب نفسه إيراد ما يثير الشبهة باستعمال القنابل النووية التكتيكية.

 

حتى لو قيل إن تلك التكنولوجيا المتطورة التي اقتبسها المدافعون اليمنيون واكتسبوها نقلت إليهم بواسطة إيران أو حزب الله، فذلك فخر لليمن كما هو فخر لمن أسهموا في تحقيق هذا الإنجاز العظيم لمحور المقاومة دعما لشعب عز نصيره رغم تعرضه لأبشع المذابح الجماعية المعاصرة وسط صمت فظيع من العالم وحتى من جانب دول قوية وقادرة تناهض الهيمنة الأمريكية وتدعم جهود مقاوميها والمتمردين عليها كروسيا والصين التي يعلم قادتها رغم ترددهم في مراجعة مواقفهم أن انتصار اليمن سينشئ معادلات وتوازنات جديدة تخدم مصالحهم وتطلعاتهم، ورغم ذلك تحافظ القيادة اليمنية على رصانة مواقفها وتولي اهتماما رئيسيا لقوة الإنجازات التي ستفرض تبدلا كبيرا في المواقف والحسابات حين يصبح التقرب من اليمن الحر القوي المنتصر فرصة لشراكات يتسابق إليها الفاعلون والطامحون.

 

رابعاً: تظهر المفارقة القاهرة بين عجز ومراوحة حلف العدوان مقابل قدرة المدافعين اليمنيين المستمرة على تطوير مبادرات جديدة ومفاجأة أعدائهم الذين يستعملون أسطولا من الأقمار الصناعية وطائرات الأواكس وأحدث الرادارات الأمريكية والأوروبية التي تغطي مساحات شاسعة بحرا وجوا، إضافة إلى منظومات إلكترونية متقدمة، وحيث يتواجد في صفوف قوات العدوان متعددة الجنسيات مستشارون وخبراء غربيون ومرتزقة من شركات مقاولي الحروب الأمريكية وآلاف المرتزقة الذين شاركوا في غزو العراق وأفغانستان وفي العدوان على سورية وليبيا.

 

الصمود الشعبي اليمني وحيوية الثقافة الوطنية التحررية وصلابة الانتماء القومي الذي يجسده اليمنيون بحرارة عالية تجاه فلسطين ولبنان، تعبر عن وعي عميق لوحدة المعركة وطابعها المشترك في جميع بلدان المنطقة ضد ثالوث النهب والهيمنة والقتل: الاستعمار والصهيونية والحكومات الرجعية.

 

تقول عبرة التجارب في التاريخ القريب والبعيد إن هوية المنتصر في نهاية كل حرب تظهرها تفاصيل كثيرة قد يطمسها طغيان آلات الجيوش الكبرى وطبول الدعاية وضجيجها، ومن الواضح أمام أعين الناظرين بعمق إلى ساحات اليمن أن الحفاة العراة المحاصرين يسطرون بدمائهم صفحة تاريخية مجيدة مليئة بالعزة والكرامة، وأن انتصارهم بات قريبا بعدما استطاعوا إثبات قدرتهم على قلب المعادلات، وانتقلوا بكل براعة وهدوء من الدفاع والصمود إلى الهجوم دفاعا عن شعبهم ووطنهم، وقهروا آلة الحصار المجرم والإبادة الآثمة التي تقودها حكومتا الولايات المتحدة والمملكة السعودية وسائر حكومات الناتو ومعهم العديد من الشركاء والأتباع المأجورين.

 

(غالب قنديل – كاتب ومحلل سياسي لبناني)

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com