المنبر الاعلامي الحر

الذكرى الـ “100” لمذبحة الحجاج الكبرى في تنومة.. التاريخ يحاكم آل سعود والحق لا يسقط بالتقادم

 

يمني برس – تقارير

 

وتحل الذكرى المئوية الأولى غدا الأربعاء فيما ترتفع دعوات ومطالبات شعبية ،لإعلان الـ 17 من ذي القعدة كل عام كمناسبة وطنية لتخليد المذبحة التي قام بها «قوم النهابة عبدالعزيز ال سعود» التابعين للهالك المؤسس، وقتلوا ما يزيد عن 3000 ألف حاج يمني من جملة 3500 حاج كانوا في طريقهم للحج آنذاك.

والدعوات جاءت من ناشطين وكتاب ومؤرخين تزامنا مع حلول ذكرى مرور مائة عام من المذبحة البشعة ، ومن المقرر أن تشهد صنعاء غدا الأربعاء فعالية يحضرها عدد كبير من الكتاب والمثقفين والأكاديميين ويشارك فيها أكاديميون وباحثون يمنيون وعرب للحديث عن المذبحة وتفاصيلها ولكشف الحقائق المغيبة عن أفظع الجرائم السعودية وحشية ، والتي تنعكس اليوم في السلوك العدواني الذي يتبعه الحكام السعوديون من أولاد وأحفاد الهالك عبدالعزيز آل سعود.

ودائما ما كانت مذبحة حجاج اليمن في تنومة وسدوان على يد عصابات ابن سعود مغيبة عن الوعي الجمعي لليمنيين وعن الرأي العام العالمي والعربي ، حيث بقيت وراء التاريخ مخفية فصولها ومغيبة بعدما عمدت السلطات السابقة إلى منع الحديث عنها وتهديد كل من يحاول الإشارة إليها بل وقتله ، إذ لم يسبق للمؤرخين تناولها ، واعتقد الكثير أن أمر الحديث عن مذبحة تنومة تعرضه للأخطار ، حتى صدر كتاب «مذبحة تنومة وسدوان» للباحث الدكتور حمود الأهنومي الذي جمع فيه تفاصيل مهمة عن المذبحة وأسماء الضحايا الذين قتلوا فيها.

فما هي المذبحة التي راح ضحيتها زهاء 3000 حاج يمني والتي تشير إلى دموية النظام السعودي وإجرامه؟

ترجع الواقعة إلى عام 1341هـ ، إبان تأسيس عبدالعزيز آل سعود لحكمه المستبد في الحجاز ونجد ومكة ، مسنودا بالدعم البريطاني اللامحدود ، وذلك في إطار المسعى الإنجليزي لتأسيس كيانات وظيفية في المنطقة.

تنومه بلدة في عسير،

تقول المصادر التاريخية إن الحجاج اليمنيين والبالغ عددهم زهاء 3500 حاج في ذلك العام ، وبينما كانوا يجتازون وادي تنومة كانت مجموعات تكفيرية من جيش عبدالعزيز آل سعود في رؤوس الجبال المطلة على الوادي، يقال لهم الغُطْغُط ، بقيادة الوهابي سلطان بن بجاد العتيبي تترصدهم ، فانقضُّوا عليهم بوحشية منقطعة النظير، وهم عزل من السلاح، فأبادوهم ولم ينج منهم إلا خمسمائة حاج وقتل زهاء( 3000) ثلاثة آلاف حاج.

وقد حاول آل سعود عبر بعض الأقلام المرتبطة بهم أن يبرروا هذه الفعلة عن طريق الادعاء بأن الجند السعوديين ظنوا أن الحجاج مجموعة مسلحة من أهل الحجاز فاشتبكوا معها! والسؤال: متى كان اغتيال المسلمين وقتلهم بالظن جائزاً؟! ومع ذلك فقد كذّبت الوقائع تلك المزاعم، إذ ثبت أن الجند السعوديين لم يقتلوا هؤلاء الوافدين إلى بيت الله الحرام، إلا بعد أن ساروا بمحاذاتهم مسافة معينة وتأكدوا من أنهم لم يكونوا يحملون السلاح ، ، وتشير المصادر التاريخية إلى أن القتلة أذاعوا تقربهم إلى الله «زعما» بقتل الحجاج اليمنيين جميعا رجالا ونساء؛ لأنهم بحسب عقيدتهم كفار مباحو الدماء والأعراض، بلغ بأولئك أن هنَّأ بعضُهم البعضَ الآخر بكثرة من قُتِل من الحجاج، فمن قتل حاجًّا واحدا بشّروه بقصرٍ في الجنة، ومن قتل اثنين بشَّروه بقصرين، وهكذا، وبعد ذلك سطوا على دوابهم وقافلتهم التي كانت تحمل الحبوب والدقيق والسمن واحتياجاتهم التموينية التي كانت أيضا سببا في سيلان لعاب هؤلاء الوهابيين التكفيريين ، وهو ما يعكس الشر المستطير المنبعث من مملكة قرن الشيطان آل سعود والمؤكد بالسلوك العدواني الذي يتبعه أحفاد عبدالعزيز مع اليمن.

يقول مؤلف كتاب مذبحة تنومة وسدوان الدكتور حمود الأهنومي: إن المقاتلين التابعين لعبدالعزيز آل سعود آنذاك استهدفوا الحجيج في وادي تنومة بمنطقة عسير ، وهم في طريقهم إلى الحج محرمين ومحلقين ، بالقتل والتصفية المباشرة ويقدر عدد الشهداء في هذه المذبجة بنحو 3000 شهيد ،.

وتصنف الواقعة كمذبحة، ويعتبرها مؤرخون أول عملية إبادة جماعية يتعرض لها الحجاج على أيدي ال سعود الذين كرروا الفتك بالحجاج في سنوات لاحقة.

يذكر القاضي يحيى بن محمد الإرياني «والد الرئيس الأسبق القاضي عبدالرحمن الإرياني»، أن الجند السعوديين كانوا يتنادون فيما بينهم «اقتلوا المشركين» وكان شعارهم «هبت هبوب الجنة وأين أنت يا باغيها»، وكان القاضي رحمه الله غزير الشعر، فجادت قريحته بقصيدة عصماء خلّد فيها الحادثة المروّعة وناقش فيها المتعصبين من الوهابيين بالحجة العلمية المقنعة، وبعثها إلى الإمام يحيى حميد الدين وإلى الملك وعلماء نجد، وقد اشتهرت القصيدة في ذلك الحين بين الناس وتناقلتها الألسن.

ومن الشعر العامي الذي تناقلته الألسن حتى اليوم قصيدة لأحد الشعراء غير المشتهرين اسمه علي أحمد جبل, كما ورد في نص القصيدة.

وتتألف القصيدة من قرابة ثلاثمائة شطر شعري مليئة بالتوجع والحزن على دم الحجاج المغدور بهم وداعية للأخذ بحقهم من القتلة.

وهي مبنية على هيئة شعر الموشحات, متألفة في كل دور من أربعة أسماط (أشطار), ويتبدل فيها الروي في كل مرة, في حين يتبع الأسماط الأربعة قفل من شطرين بروي واحد, ويتكرر الشطر الأخير من القفل في كل الأقفال.

وبعيداً عن القيمة الفنية للقصيدة تكمن أهميتها في أنها أرخت بوعي الذاكرة العامية وبساطتها لهذا الحدث الأليم.

وورد في نهاية مخطوط القصيدة أنها كتبت في شهر محرم سنة 1342هـ بخط شخص اسمه يحيى أحمد عبدالله, قال إنه كتبها لعناية شخص آخر اسمه حمود بن حمود إسحاق, وقد اخترنا منها ما يلي :

يا الله الغوث بك يا وثيق الحبال

يا مسلمين كيف عاد السرور

وحجاجنا في بطون النسور

من ذاك ملحق بهم في المغول

سواك يا من عليك الصبور

فالغوث بك يا مُجيب السؤال

يا الله العون بك يا وثيق الحبال

فيا غارة الله يا أهل العقول

حجاجنا اليوم صاروا قتول

ساروا مقاتيل بتلك السهول

ألا يا مساكين وماذا نقول

كيف عاد نسلا وكيف الحلال

إلى آخر تلك الموشحات والقصائد والأهازيج التي حفظها اليمنيون واليمنيات في كل منطقة في جبال اليمن وسهولها ووديانها.

يذكر الأهنومي أن عصابات آل سعود عمدت إلى الإجهاز على الجرحى وتصفيتهم ، ثم قامت بنهب المؤن التي كانت على متن رواحلهم والتي كان اليمنيون يحملونها لدى سفرهم إلى الحج ، ويشير المؤلف إلى أن جثث الضحايا تُركت في العراء دون دفن وقد أتت عليها الوحوش والطيور ، ولهذا السبب لا توجد مقبرة للشهداء البالغ عددهم ثلاثة آلاف حاج.

المذبحة المغيبة وراء التاريخ .. يستذكرها اليمنيون بعد مرور مائة عام

عملت السلطات السابقة الحاكمة لليمن على إخفاء المذبحة وتغييبها عن الوعي ، رغم تخليدها من قبل اليمنيين في أشعارهم ورسائلهم وتعازيهم وأهازيجهم في توديع الحجاج واستقبالهم ، ورفضت السلطات السابقة الكشف عن أي تفاصيل للمذبحة لكونها خاضعة للوصاية السعودية».

في العام 2017، صدرت الطبعة الأولى من كتاب «مجزرة الحجاج الكبرى في تنومة وسدوان على يد عصابات آل سعود» للباحث حمود الأهنومي ، وثق فيه للجريمة وتفاصيلها الكاملة وأشار إلى مراجعه في الكتاب نفسه ، وقال فيه «لقد أراد النظام السعودي من وراء هذه المجزرة أن يكشِّر عن ناب وحشيته كمدخل لإخضاع اليمنيين واجبارهم على السكوت أمام أي توسع سعودي كان ينوي ابتلاع اليمن وقد قضى في هذه المجزرة خيرة أعلام اليمن، وممن استشهد فيها السيد العلامة الحسين بن يحيى حورية المؤيدي، والسيد العلامة يحيى بن أحمد بن قاسم حميد الدين، والحاج حسين القريطي والد الشيخ المقرئ محمد حسين القريطي رحمهما الله، الذي ولد في نفس العام، والحاج محمد مصلح الوشاح، أحد أهالي صنعاء، وعمّ السخط والحزن أرض اليمن، وحين وصل الرحالة نزيه مؤيد العظم إلى اليمن وجد الحزن والأسى يعم أهلها، ورثاهم الشعراء والأعيان، وعلى رأسهم القاضي العلامة المؤرخ الجغرافي محمد بن أحمد الحجري، وقال القاضي العلامة يحيى بن محمد الإرياني، والد الرئيس الأسبق القاضي عبدالرحمن الإرياني:

يقول عبدالله النعمي في عرضه لكتاب «مجزرة الحجاج الكبرى» إن النظام السعودي استطاع وتمكن من قتل الحجاج اليمنيين مرتين، مرة حين غرز خناجر الغدر والخيانة في صدورهم وقلوبهم المتوجهة نحو الله وبيته، ومرة عندما استطاع التغطية على جريمته وتمكن من دفنها، وبلا شك أن الأنظمة المتعاقبة في اليمن قد شاركت آل سعود في تنفيذ الجريمة الثانية، فساعدت وساهمت مع النظام السعودي في إخفاء الجريمة، والتستر على القتلة والمجرمين، وإخفاء تفاصيل المجزرة ومنعها من الوصول للأجيال وللشعب اليمني ولبقية الشعوب العربية والإسلامية، رغم بشاعة الجريمة، ودناءة مرتكبيها، والعدد الكبير من الضحايا الذين حصدتهم المجزرة إنها جريمة لم ترتكب مثلها حتى اسرائيل في حق الشعب الفلسطيني المظلوم .

ويقول مؤلف كتاب «مجزرة الحجاج الكبرى» الباحث الأهنومي «إن هيمنة السعوديين – وهم رأس حربة الأمريكيين في المنطقة – على القرار السيادي والسياسي والتربوي والثقافي والاجتماعي في البلد طوال عقود من الزمن كانت قد استفحلت بشكل مرعب، إلى الحد الذي جعل تناسي تلك المــجــزرة وغيرها من حوادث التاريخ النجدي الوهابي المشين من أهم الشروط التي يجب أن تتوفَّر في الأكاديمي والباحث والمؤرِّخ الــيــمــني، وإلا فإنه سيُحْرَمُ من الحصول على امتيازاتٍ كثيرة، أقلُّها المشاركةُ في المؤتمرات العلمية، والتاريخية، وستَحْرِمه (إدارة الملك عبدالعزيز) من كرَمها الحاتمي الذي توزِّع نوالَه على كل من يعملون معها في مغسلةِ تنظيفِ تاريخِه من الأوساخ والأقذار، والتي تكفي بمفردها لأن تلوِّث التاريخ الإنساني من أوله إلى آخره».

مضيفا «وقد أُفْصِحُ هنا عن شيءٍ قليلٍ مما كان يمارسه الملحق الثقافي السعودي في الــيــمــن، من ضغوطِ الترغيب والترهيب بحق المثقفين والمؤرِّخين والشعراء والأدباء والكتاب الذين لا يدورون في نفس الفلَك السعودي الوهابي، وهو أمرٌ معروف في هذه الأوساط؛ لهذا لا غرابة أن تُدْفَن تلك المــذبــحــة بين غثاءِ أهلها، وفي أعماق أوجاعهم، وبطون تأوهاتهم».

الحق لا يسقط بالتقادم

اليوم وبعد مائة عام من المذبحة المغيبة والمخفية، لا زال اليمنيون يتذكرون ويعيشون تلك التراجيديا التي بينت الوجه الوحشي للطغاة الذين أمروا وباشروا إبادة حجاج بيت الله الحرام الآتين من أرض هي خير الأرض وبلد لا ينبت إلا طيبا ، يقول حفيد لأحد شهداء المذبحة وهو يستذكر هذه المذبحة البشعة (أنا حفيد أجدادي الناجين من المذابح السعودية ، ونحن اليوم وبعد 100 عام لا نزال نشهد فصولاً من الإجرام والتوحش السعودي نحن كنا وسنبقى) ، ويضيف بأن «هذه الذكرى تذكرني بدموع جدتي عندما كانت تقص لنا كيف كان الألم يمزق قلوبهم حينما وصل نبأ استشهاد جدي الذي لم نعرف له مكانا دفن فيه».

رغم مرور مائة عام إلا أن الحق ثابت ولا بد من مقاضاة النظام السعودي وتدفيعه أثمان جرائره التاريخية والحالية ، وحتى لا يضيع الحق فمن المهم العمل على نقل المذبحة إلى محافل المحاكمات الدولية وملاحقة الجناة والقتلة المستمرئين للقتل حتى اليوم.

 

صحيفة الثورة

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com