المنبر الاعلامي الحر

التبرع بالدم.. وتقاسم الحياة

التبرع بالدم.. وتقاسم الحياة

يمني برس:

 

يتقاسم الكثير من الناس الأيام واللحظات والذكريات الجميلة لتخلد مواقف ومحطات رائعة .. لكن الأروع والأقوى والأكثر تأثيرا هو تقاسم الحياة بوريد الدم الذي يجدد روح أمل العيش لفاقده ويوصف المانح “متبرع الدم” بالمنقذ فيما يتلمس المتلقي للدم طوق النجاة من الموت ويعلن بقاءه على قيد الحياة بفضل قرب دم المنقذين.

 

مراحل سحب الدم:

 

في المركز الوطني لنقل الدم وابحاثه بميدان السبعين طافت سطور “سبأ نت” بصحبة الدكتور منير الزبدي مدير ادارة الاعلام والتنمية أروقة المركز للتعرف على مكان التغذية الرئيسية للدم في الجمهورية اليمنية وهو المركز الوحيد المسؤول عن سحب دم المتبرعين سواء في صنعاء او في فروعه بالمحافظات وبصورة مجانية دون اي مقابل مادي وبنوك الدم في المستشفيات ما عليها إلا صرف الدم الذي تم احضاره من المركز وذلك لمأمونية نقل الدم الذي قد مر بعدة مراحل بعد السحب .

 

 

 

ابتداءً من قسم الاستقبال الذي يتم فيه استقبال المتبرع الذي يبرز بطاقته الشخصية للتعرف على هويته باعتباره أمر اساسي ويتم تسجيل البيانات كاملة والمتعلقة بالعمر والمهنة وتسجيل اخر تاريخ للتبرع حيث لا يقبل باقل من ثلاثة اشهر على اخر سحب للدم بعد ذلك يتم دخول المتبرع الى غرفة المعاينة ويتم التعرف على نسبة الهيموجلوبين بالدم اذا كانت اكثر من 14 الى 18 عند الذكور ومن 12 الى 14 عند النساء وبعد قياس الضغط والتأكد من سلامة المتبرع يذهب لقسم السحب ويتم مطابقة البيانات مع الشخص ومن ثم يسحب قربة الدم والتي تحتوي على 450 ملي ، يتابع الدكتور حالة المتبرع بعدها بربع ساعة للاطمئنان عليه وينصح المتبرع بعد السحب مباشرة بعدم التعرض للشمس وبذل اي مجهود او الصعود لمرتفعات وكذلك قيادة السيارة .

 

يأتي قسم التطابق بعد عملية السحب ويفحص الدم فيها وجزء من قرب الدم تذهب الى قسم الامراض المعدية ليتم فحصها ومن ثم تذهب الى قسم الفصل وفيها بعد سحب القربة بساعتين يتم فصل القربة الى ثلاثة مكونات خلايا حمراء وصفائح دموية وبلازما بعدها تطرح في ثلاجة معينه بعد تغليفها وختمها ووضع اللاصق عليها لتحديد الفصيلة وتوضع خلايا الدم الحمراء في ثلاجة من 2 الى 6 درجة مئوية والصفائح الدموية في جهاز خاص يسمى شيكر “جهاز هزاز” بدرجة حرارة 20 مئوية والبلازما يتم تجميدها لفترة قد تتجاوز العام .

 

ربيع سقط مغشياً عليه بعد ان سحب منه كمية من الدم لإنقاذ خالته التي تم اجراء عملية جراحية لها وتطلبت جراحتها كمية من الدم ولكن لم يفلح الأمر حيث كان يظن ربيع ان فصيلته O+مطابقة لفصيلة خالته وتكشف الفحوصات بعد سحب الدم ان فصيلته A+ ولكنه افترض افتراضا بنوع فصيلته أسوة بأخوته وهذا ما يتكرر دائما في المركز الوطني لنقل الدم عندما يسأل المتبرع عن فصيلة دمه ولا يتم اعتماد ما يقوله من معلومات بل يعتمد على نتائج الفحوصات .

 

 

الدكتورة نادية مخبرية في المركز الوطني لنقل الدم تؤكد انه اذا تم نقل دم من شخص لأخر والفصيلة غير مطابقه هنا الكارثة لأنه يحصل تفاعل للمريض اثناء النقل يبدأ يتحسس والجسم ينتفخ ويتورم وتظهر عليه حبوب فجأة ودرجة الحرارة ترتفع ويشعر برعشة وزيادة في ضربات القلب وفي هذه الحالة يتم وقف نقل الدم ومن ثم البدء بعمل اسعافات للمريض الذي لو استمر في تلقي الدم المغاير لفصيلته سيدخل بغيبوبة على حد تعبير الدكتورة نادية التي تؤكد ان هذا لا يحدث في المركز الوطني لنقل الدم لانه يتم فحص كل عينات المتبرعين والتأكد قبل صرفه .

 

أربع سنوات هي الايام التي اعتاد فيها عبدالله فاضل التبرع بدمه لمركز الدم وخاصة بعد الحادثة التي تعرض لها صديق عمره في احدى معارك النفس الطويل بنزيف حاد بالدم حتى فارق الحياة وقد عجز هو واصدقائه في مساعدة رفيقهم الذي اعطى عبدالله عهدا بعد وفاته ان يقاسم الجميع الحياة بدمه سواء كان مجاهد او مريض .

 

تشير الإحصائيات في المركز الوطني لنقل الدم وابحاثه أنه تم الصرف خلال الستة الأشهر الأولى من العام الجاري 5 ألاف و898 خلايا دم حمراء مركزة و4ألاف و138 بلازما طازجة مجمدة و4 ألاف و329 صفائح دموية و1033 دم كامل.

 

طلبات نقل الدم من المركز الوطني يتم صرفها مجانا ، فقط يتطلب احضار طلب رسمي مختوم من المستشفى وفيه المعلومات عن المريض وحاجته للكمية وختم الطبيب المعالج ، وهناك نوعين من احتياج الدم طارئ يصرف مباشرة عندما تكون النسبة 5 أو اقل اما بالنسبة للعمليات المبرمجة التي يتأخر طلبها يومين ثلاثة مثل عمليات القلب المفتوح التي تحتاج ل12 قربة دم وهذا يطلبوا منه متبرعين .

 

اما بالنسبة للمستفيدين من الصرف فهم مرضى السرطانات والأورام ومرضى تكسر الدم والقلب والفشل الكلوي وبعض من أمراض النساء اللاتي يتعرضن للنزيف وحالات الحروق .

 

 

بدأ اهتمام العلماء بالدم منذ عهد الطبيب الإغريقي أبقراط الذي عاش خلال القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد ، افترض أبقراط ان كل الأمراض تنجم عن اضطراب التوازن لأربع اخلاط “سوائل” في الجسم ،المرة “الصفراء “ذات اللون الأسود والدم والبلغم والصفراء ذات اللون الأصفر ، وقادت النظرية لتطبيق الفصادة “الحجامة” او سحب الدم من وريد الشخص المريض لكي يذهب الداء مع الدم ، لقد كانت الفصادة لعدة قرون المعيار الطبي الوحيد للمعالجة.

 

الدم وضحاياه :

 

وائل العتمي يتمتع بصحة جيدة بعد ان تعرض لعدد من الأمراض كان اسوئها هو الصداع الذي كان يلازمه لعدة ايام ونصحه احد افراد العائلة بتجربة التبرع بالدم ، ومنذ اكثر من عام يؤكد وائل انه في احسن حال بعد تجربة التبرع وينصح الكثير من الشباب لتجديد الدورة الدموية وانقاذ الأخرين .

 

الدكتورة اروى علي العمراني رئيس قسم التدريب بالمركز الوطني لمختبرات الصحة العامة المركزية ، تحدد شروط التبرع بالدم بالنسبة للذكور ان لا يقل وزنه عن 50 كيلو جرام ونسبة دمه لا تقل عن 12 ويكون نائم بشكل كافي في اليوم الذي يسبق سحب الدم ولم يتناول القات او يشرب سيجار ولا يعاني من انخفاض او ارتفاع بالضغط ويفضل للمتبرع ان يتبرع كل ستة اشهر أي مرتين في السنة لتتجدد الدورة الدموية .

 

الفاجعة الأليمة التي لا تفارق ذاكرة ام هشام الحداد في فراق ابنتها ذات العشرين ربيعا التي غيبها الموت بعد وضع اول طفل لها بسبب نزيف عجز الأطباء عن إيقافه بعد الولادة في احد المستشفيات الخاصة ، حيث كانت حالة المريضة حرجة ووصول قرب الدم التي سحبها المتبرعين كان متاخرا ولم يفلح الأمر فحكم القدر على ام هشام باحتضان طفل أبنتها والعودة به الى المنزل حاملا اليتم منذ لحظاته الاولى في الحياة .

 

كما اطبق جدار الصمت على قلب الاب الذي فقد طفله ابن الثانية عشر ربيعا بعد سقوطه من سور المنزل اثناء تسلقه السور لالتقاط الكرة التي كان يلعب بها مع اصدقاءه وتعرض أمجد لنزيف حاد لم يسعف اهله الوقت الكافي في انقاذه رغم وجود اكثر من سته متبرعين في تلك اللحظة ، وينصح ابو امجد الكثير من الشباب بالتبرع بالدم سواء كان هناك امر يستدعي ذلك أو مبادرة شخصية لإنقاذ الأرواح .

 

مخاطر العمل وصعوباته:

 

يتفق الدكتور المخبري وهيب غانم والدكتورة نادية على ان العمل في المراكز الخاصة بالدم في القطاعين الخاص والحكومي يتطلب التركيز على العمل واتباع التعليمات الوقائية أثناء السحب والنقل لأنها تجنب الجميع مخاطر العدوى .

 

كان للمركز الوطني لنقل الدم نصيب من غارات العدوان الوحشية حيث تم استهدافه بصاروخ عام 2018م ، ما ادى الى اتلاف جزء كبير من المركز وخروجه عن الخدمة بسبب انقطاع التيار الكهربائي في ذلك الوقت والى يومنا هذا والمركز يواجه العديد من الصعوبات وشحة الإمكانيات رغم انه الشريان الرئيسي لصرف قرب الدم سواء لجرحى العدوان ومرتزقته او للأمراض.

 

 

ويلخص الدكتور أيمن الشهاري مدير عام المركز الوطني لنقل الدم وابحاثه ، الصعوبات التي يواجها المركز في جانب التوعية الإعلامية بأهمية التبرع بالدم وهي أن الكادر الذي يعمل في ادارة الاعلام والتوعية يحتاج الى تأهيل في الجانب الاعلامي وعمل دورات في جانب التواصل المجتمعي ، كما ان الجانب المادي وعدم توفره والذي بإمكانه تغطية نفقات عمل الحملات الاعلامية والندوات التوعوية في أوساط المجتمع بالإضافة الى طباعة البروشورات الخاصة بعملية التوعية وكذا عدم تفاعل بعض المؤسسات ومنظمات المجتمع المدني مع الجانب الإعلامي في المركز بالإضافة الى القنوات الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي .

 

وأضاف الشهاري ان دور المركز اقتصر على عمل ندوات وتوزيع بروشورات خاصة بعملية التوعية في الجامعات والمعاهد الحكومية والخاصة وعمل فلاشات لبعض القنوات الاعلامية بغرض زيادة عملية التوعية وتوفير قدر كافي من المخزون الاستراتيجي الذي يلبي احتياجات الجرحى والمرضى من الدم .

 

اما بالنسبة لقرصنة العدوان ومرتزقته على المشتقات النفطية فهذا يهدد توقف عمل المركز الوطني لنقل الدم باعتبار مادة الديزل شريان الطاقة الكهربائية على مدار الساعة للحفاظ على مخزون مشتقات الدم المختلفة وانعدام هذا المادة سيؤدي الى ما لا يحمد عقباه ، والمركز يحمل قوى العدوان مسؤولية التداعيات الناجمة عن الحصار والقرصنة المستمرة وكافة النتائج فيما يخص القطاع الصحي تحديدا.

 

التوعية والثقافة المجتمعية هي ما نوه اليها الدكتور ابراهيم الحكيمي رئيس قسم السحب بالمركز الوطني لنقل الدم ، باعتبارها اهم الأسباب التي تمنع من توافد المتبرعين الى المركز كما ان الإمكانيات المادية قليلة جدا او قد تكون معدومة باعتباره مركز خدمي مجاني بدون اي ايرادات .

 

واشار الدكتور الحكيمي ان متوسط الاقبال اليومي لا يزيد عن 150 متبرع ويتم سحب الدم من 70 الى 80 متبرع ويتم إرجاع البقية بسبب ظهور بعض الامراض او لعدم توفر بعض الشروط التبرع ، واكثر نسبة للتبرع بالدم هي لعدد من المرضى اكثر من المتبرعين بشكل طوعي .

 

الدكتور الزبدي المح الى ضرورة النظر بعين الاعتبار من القيادة السياسية لهذا المكان كونه خدمي مجاني والى العاملين وأجورهم التي لا تكاد تكفي حتى لأسبوع من أيام الشهر مقابل ما يقدموه من خدمات وتعرض للمخاطر .

 

واضاف مدير ادارة الاعلام والتنمية ، ان جرحى الجبهات يعتمدون اعتماد كلي على المركز الوطني لنقل الدم في التبرعات بالدم من بداية العدوان وحتى اللحظة باعتبار التبرع واجب ديني واخلاقي ووطني يقع على عاتق كل شخص سليم وهذا العطاء يهب الحياة لمن يدافعون عن الوطن ويساعد في شفائهم .

 

واكد الدكتور الزبدي ان الدم الذي يتم التبرع به يتجدد كل ثلاثة اشهر والكمية التي تم التبرع بها اقل من نصف لتر من اجمالي كمية الدم الموجودة لدى الإنسان وهي من 5_6 لتر والجسم يعوض الكمية المفقودة خلال ثلاث ساعات.

 

وظيفة الدم :

 

الاعمال الرئيسية للدم هي نقل الاكسجين والعناصر المغذية الى انسجة الجسم والتخلص من الفضلات وحتى يؤدي الدم هذه الوظائف يجب ان يجري في كل اجزاء الجسم ويتم ذلك بوساطة الجهاز الدوري الذي يتألف من القلب وشبكة واسعة من الأوعية الدموية ، ومن الدم نفسه يضخ القلب الدم الى كافة أنسجة الجسم ، يترك الدم القلب ليمر عبر الشرايين ويعود عبر الأوردة تصبح الشرايين داخل الأنسجة أصغر فأصغر.

 

اما بالنسبة لفوائد التبرع بالدم فهي تتلخص بتنشيط الدورة الدموية والاحساس بالحيوية والنشاط ،يقلل من ارتفاع الحديد في الدم والذي يؤدي الى الإصابة بالجلطات ، وكذلك الفائدة الإنسانية الكبيرة في انقاذ حياة المرضى .

 

وتحث النصوص الشرعية بأن يكون المسلم في عون اخيه ففي الحديث الشريف ” من فرج عن أخيه المؤمن كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة” وقوله تعالى “ومن احياها فكأنما احيا الناس جميعا”.

 

 

كائنات حية دون دم:

 

هناك كائنات حية لا تحتوي اجسادها على الدم مثل الكائنات وحيدة الخلية كالبكتيريا والفطريات وبعض الكائنات متعددة الخلايا مثل الإسفنج والشعاب المرجانية والديدان المسطحة ، تمتص هذه الكائنات العناصر الغذائية التي تحتاجها وتتخلص من نفاياتها من خلال عملية تدعى “الانتشار” وهو نظام يشبه عملية التنفس شهيقا وزفيرا .

 

خفة دم :

 

امام البوابة الرئيسية للمركز الوطني للدم يتبادل الأصدقاء الثلاثة المنتظرين اذن الدخول للتبرع بالدم ، بعض التعليقات الساخرة التي يصر فيها عادل ان تبرع صديقه فارس بدمه سيكبد المتبرع كمية لا بأس بها من “ثقالة الدم” في حين يقسم فارس ان فقير الحظ هو من سيتلقى دم عادل البارد الذي لا يحرك ساكنا ، اقتربت سطور سبأ من المتبرعين للتساؤل عن سبب تواجدهم في المكان أجاب عادل باللهجة العامية “جينا نطعفر دم فارس ” في حين اجاب صديقه “نتبرع دم لواحد صاحب في المستشفى” .

 

يؤمن الكثير ان الخوف على الأهل والأحباء قد يفوق احيانا خوفهم على أنفسهم وان لا شيء يعادل الطمأنينة التي تغمرهم عندما يدركون انهم بخير ، لذا تظل الروابط بكافة انواعها قوية وعميقة وتتعزز بالعطاء وقد يكون تقاسم الحياة بالدم أسمى درجات ذلك العطاء .

 

سبأ : استطلاع/ سوسن الجوفي

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com