المنبر الاعلامي الحر

(حــرب من نوعِ آخر)

(حــرب من نوعِ آخر)

يمني برس- بقلم : محمد الحمامي

 

تزداد يوماً بعد يوم تلك الرغبات الحثيثة في طلب الشهرة الحمقاء لبعض منتسبي وسائل التواصل الإجتماعي على حساب متابعيهم حتى أننا نلحظ اليوم على مواقع التواصل الإجتماعي ظاهرة ما يعرف بـ “البوز” أو رغبة الشهرة الإجتماعية من وراء تقديم تلك المحتويات التي لا نأسف أن نعبر عنها بـ(المحتوى التافه) حيث اصبح للبلدان العربية النصيب الأكبر من انتشار هذه الظاهرة خصوصاً في مجتمعنا اليمني  على التحديد ..

ولكن يبقى السؤال المطروح.. ماهي أسباب هذه الظاهرة ؟؟ وكيف نقضي على تلك الرغبة الجامحة لبعض الحمقى، يقول مثل عامي “لا دخان بلا نار” أي لا شيء من دون سبب..

 

لذا دعونا نلتمس بعض الأسباب المفترضة التي جعلت مجتمعنا العربي واليمني بالذات يتأثر بتأثير أناسِِ سُذَّج لهم الدور الأكبر في نشر التفاهات والحماقة في المجتمعات, وعندما نفتش عن هذه الأسباب فسنجد تدني الوعي الفكري والثقافي في البلدان العربية هو السبب الأول في ذلك حيث أصبح اليوم السواد الأعظم من المجتمع يلهث وراء تلك المضامين التافهة والفيديوهات غير الهادفة التي تبدو أن تكون ترفيهية ولكن بشكل مبالغ فيه يتجاوز مستوى الوعي الفكري والمعقول إلى حدِِ بعيد في العشوائية وضياع الوقت في اللامفيد بكل معاني التفاهة الإلكترونية والإستهتار بفكر ووعي الجمهور ..

 

أما السبب الآخر فهو نحن حين أصبحنا نجعل من عقولنا تلك التي لا تتماشى كثيراً مع الفكر والقراءة لكنها تجد ضالتها في متابعة مثل هذهِ الصفحات والقنوات على (اليوتيوب) و (Tik Tok) و(Like) وغير ذلك في جميع مواقع التواصل الإجتماعي بكل الحالات ومتابعة العديد ممن اكتسبوا شهرة كبيرة من وراء نشر مضامين ووسائط وأعمال قد نرى في ظاهرها الفكاهة والترفيه وفي باطنها الحماقة والتفاهة والتوجيه المشؤوم بصورة حرب هي من نوعِِ آخر تسمى بـ(الحرب الناعمة) والتي يسعى العدو من خلالها الولوج بقذاراته وأفكاره المشؤومه إلى عقول وأفكار الناس بطريقة مرنة وغير مباشرة من حيث لا يشعر المتابع بخطورتها ولا بضررها ..

 

هناك مقولة لبعض الكتاب يقول فيها : “كل إنسان يفكر بوعي عليه ألا يضيع وقته وفكره في متابعة فضائح وسخافات وإلا يكون مساهما في تدني المستوى الثقافي للمجتمع ”

 

وبالنسبة للشهرة فقد أصبحت اليوم سهلة جداً لاسيما مع توفر الهواتف الذكية المتطورة حيث كان قديماً عمل التصوير والإعداد وأعمال النشر تتطلب المال والوقت الكثير إلا أنه اليوم أصبح بالإمكان لكل واحد منا أن يمتلك الكاميرا ويصور بأسهل الطرق وبأبسط جهد وحين يصور وينشر لأتفه موضوع يغلفه بنوعِِ من الفكاهة والنكته يصبح مرشحاً لأن يصبح نجماً من لا شيء ..

 

فمثلاً يكفي أن يفتح أحدهم قناة على يوتيوب أو صفحة على فيسبوك أو أي منصة إلكترونية ينشر فيها كلاماً مضحكاً بشكلِِ يستحسنه زوار تلك المنصة فيتم نشره على نطاق أوسع من بعض المتابعين بغرض نشر النكتة والفكاهة, لكن الأمر هنا لا يعني البراءة في ذلك مطلقاً لأنه قد تتبنى حكومات معينة مثل هذه الأعمال وتعتزم تغذيتها بشكل فضيع وملفت بغرض نشر ( الإستحمار) لدى أغلب مجتمعات شعوبنا ..

 

وبذلك اصبحت معظم حكومات العدوان في هذه الحرب بالذات هي الراعية الرسمية لمثل هذه الأعمال وتضحي بصرف الأموال الطائلة مقابل نشر مثل هكذا محتويات وكسب عدد معين من المتابعين وذلك ما نلحظه من صرف شركات وسائل التواصل الإجتماعي على رأسها (يوتيوب) للمبالغ الباهضة لكل من يمتلك أكبر عدد متابعين لمثل هذه القنوات سنوياً وبالمقابل تعمل هذه الشركات على حظر وحذف العديد من القنوات والبرامج المهمة والناجحة في تقديم الفائدة للمجتمع وذلك فقط لأنها تتعارض مع معاير مجتمع التفاهة لديهم بشكل كبير !!

 

فيصبح الجمهور المتابع مقيداً بين متابعة هذه التفاهات بشكل يومي في حربِِ معلنة هي أشد خطراً من تلك الحرب العسكرية المباشرة ..

حرب يشنها العدو في هذا المجال ضد كل ماهو مفيد وهادف ويخدم المجتمعات ونتيجة لذلك فقد أصبح مجتمعنا العربي واليمني بالذات اليوم للأسف يمثل الصورة السلبية لتأثره بتلك المضامين التافهة والتي تتكرر على سمعه وناظره يوماً بعد يوم حتى أصبحت الشعوب العربية بمنحى عن الهوية الإيمانية التي أرادها الله للأمة العربية وميزها بها عن باقي الأمم  ..

 

ولمواجهة هذه الحرب (ظاهرة شهرة الحمقى) .. كل ما يجب علينا نحن كمستخدمين لمواقع التواصل الإجتماعية بشكل عام علينا فقط إزاء ذلك تجاهل مثل هؤلاء المتطفلين على حساب وعينا وإدراكنا لحقيقة ما يقدمونه لكي لا يزداد حجمهم ؛ ولا نكون الداعم الرئيسي لهم في تقديمهم كـ قدوة للأجيال يتأثر المجتمع بهم وبما ينشر في قنواتهم يومياً ؛ ولنجعل لأنفسنا حملة مواجهة لمثل هؤلاء شعارها ” لا تجعلوا من الحمقى مشاهير” ولا نكون سبباً في هذه الحرب لضرب الأفكار وتعميم مثل هذه الثقافات بين المجتمعات والرفع من قيمتها في أوساط أمتنا لأنه لن يستطيع أولئك المغرمون بحب الشهرة في ذلك أن يصيروا نجوماً للحماقة من لا شيء لولا متابعتنا لهم ونشرنا لأعمالهم؛ وإعجاباتنا المتكررة لكل ما يقدموه من مثل هذهِ المحتويات ..

وأمام ذلك ينبغي أن نتذكر أنه لا يمكن أن نحارب ظاهرة تقوم على الجهل دون محاربة الجهل نفسه في أنفسنا ..

 

فهل أنتم منتهون يا أولي الألباب؟ هل ننتهي من المساهمة في ارتفاع نِسَب الهزالة الإجتماعية في وسائل تواصلنا الإجتماعي ؟؟ متى ندرك خطورة هذه الحرب ومدى تاثيرها على هويتنا وضربها للمبادئ ومحقها للأفكار ؟؟ متى نترك متابعة الباطل الهزيل والخوض في اتباع الهوى والإهتمام بمحتوى التفاهة والسذاجة ..؟؟ بل متى ندرك أن هؤلاء الناس لا يهمهم في ما يقدمونه سوى جلب المال والربح من وراء تلك السخافات والإستبلاد لعقول الناس على حساب النقيض الآخر لهذه الممارسات ..؟؟

 

إن ما يتوجب علينا كمتابعين لوسائل التواصل الإجتماعي أن نفكر بوعي أمام كل ما ينشر أمامنا ولا نكون سبباً في تدني ثقافات مجتمعنا العربي وأن لا نجعل جيلنا القادم عرضةً لمثل هذه السخافات التي لاتسمن ولا تغني من جوع.

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com