المنبر الاعلامي الحر

تحريرها يعني : البحر الأحمر لن يكون بحيرة صهيونية.. مأرب .. حلب اليمن

تحريرها يعني : البحر الأحمر لن يكون بحيرة صهيونية.. مأرب .. حلب اليمن

يمني برس:

 

إن تشبيهي لمدينة مأرب في اليمن بمدينة حلب لا يحمل في دوافعه أية إسقاطات وجدانية بقدر ما هو دلالة على التشابه الكبير في نتائج تحرير مأرب في أبعاد مختلفة على رأسها العامل الجيوسياسي.

 

فكما نتج عن تحرير الأحياء الشرقية لمدينة حلب تطورات مهمّة أرسَت نفسها تحت عنوان التحوُّل الجيوسياسي الأهم منذ بدء الحرب على سورية، وإجبار أردوغان على القبول بخروج الجماعات الإرهابية المدعومة من تركيا ثم الذهاب إلى اللقاء الأول من لقاءات “أستانة” والتي وإن كانت لم يُحسم الوضع من خلالها بالكامل لمصلحة الدولة السورية إلاّ أنها بالهدنة الناتجة عنها سمحت للجيش العربي السوري وحلفائه بالتوجه نحو اتجاهات البادية المختلفة لتحقيق أوسع عملية استعادة للجغرافيا الحيوية ومن ثم تحقيق الربط بين الحدود السورية ـ العراقية والذي يمكن اعتباره الطريق ـ العصَب لحراك محور المقاومة في قادم الأيام لجهة ما يمكن أن ينتج عنه من استثمار في الاقتصاد والعلاقات التجارية، إضافة إلى الجانب العسكري الذي أحدث الخلل الأكبر في ميزان القوى لمصلحة قوى محور المقاومة، سواء في العديد المقاتل أم في الوسائط العسكرية التي يمكن زجّها في أي مواجهة قادمة شاملة مع الكيان الصهيوني، وهو ما تدركه قيادة العدو السياسية والعسكرية ومعهما الإدارة الأميركية التي لا تزال تعمل على عرقلة عمل هذا الطريق بكامل قدرته، وهو أمر إذا ما نظرنا إلى طبيعة التحولات الحاصلة على المستوى الاستراتيجي لم يعد يشكِّل سوى عامل إعاقة وتأخير لا غير.

 

في سورية يمكن القول إن زمن المعارك الكبرى في بعدها العسكري قد انتهى، والدولة على الرغم من الضائقة المعيشية والأزمة المالية باتت تسيطر على الثقل الاستراتيجي للدولة والمتمثل بالمدن الكبرى وطرق الربط بين المدن الكبرى، إضافة إلى جزء كبير من الجغرافيا التي تحتوي على الثروات الكامنة في امتداداتها المختلفة من الساحل إلى أعماق البادية المختلفة في كل الاتجاهات.

 

في اليمن لا يشك عاقل ومطلع على تركيبة اليمن وسير المواجهة فيها من أنّ تحرير مدينة مأرب سيكون له تداعيات إيجابية على القوى المُدافعة عن اليمن، وسلبية على قوى العدوان.

 

ويمكن ترتيب هذه التداعيات بنتائجها بعد تحرير مأرب، خصوصاً أن قوات الجيش واللجان الشعبية المتقدمة نحوها باتت أقرب إليها من حبل الوريد.

 

التحوّل الأول يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالبعد الجيوسياسي، فمأرب ومحيطها هي الأقرب إلى مدينتي جيزان وشرورة، وهذا يعني نقل الحد الأمامي للمعركة إلى خط الدفاع السعودي الأول، وتحصين خط الدفاع عن العاصمة صنعاء بعمق حوالي 140 كلم، إضافة إلى القضاء على آخر معقل لقوات هادي والإصلاح وما تبقى من مجاميع “القاعدة” و”داعش”، ما يعني إجبار السعودية على الدخول في مفاوضات مباشرة على غرار إجبار أردوغان في سورية بعد تحرير الأحياء الشرقية لمدينة حلب.

 

التحوّل الثاني يرتبط بالبعد الاقتصادي في جانبين هامّين، وهما النفط والزراعة، حيث سيكون بمقدور الجيش واللجان ومن ورائهما القيادة السياسية التي سيكون بمقدورها التخفيف بنسبة عالية من تأثير الحصار، وهو ما سيكون موضع تفاهمات في أي مفاوضات قادمة لجهة تحييد استهداف النفط السعودي مقابل عدم إقدام قوات هادي والإصلاح والجماعات الإرهابية على تخريب المنشآت النفطية قبل انسحابها الوشيك من مأرب.

 

التحوُّل الثالث يرتبط ببدء حوار يمني ـ يمني سيكون بداية مهمة لاستعادة اليمن وحدته السياسية ضمن تفاهمات تسمح لليمنيين بممارسة سيادتهم على أرضهم والاستثمار في ثرواتهم التي مُنعوا منها طيلة عقود طويلة بالتواطؤ بين حكام اليمن من جهة والسعوديين ومن خلفهم أمريكا من جهة أخرى.

 

ويبقى أن نشير إلى أن التحولات الحالية والقادمة ما كان يمكن أن تحصل لولا توفر عامل الإرادة السياسية كمدخل أساسي وفّر للمدافعين عن اليمن شروطاً أخرى ترتبط بالجانب العسكري والاستخباراتي الذي تصاعد خلال سنوات من مرحلة امتصاص الضربات إلى مرحلة إعادة التموضع وإلى مرحلة الدفاع المتحرك، ثم الانتقال إلى مرحلة الهجوم بعد توفير مستلزمات الميدان التي وصلت في اليمن على مستوى التصنيع العسكري رغم الحصار الخانق إلى مكان يمكن وصفه بالمعجزة، حيث تُثبت الصواريخ الباليستية الدقيقة والصواريخ المجنحة الأدق والمسيرات قدرات هائلة في الوصول إلى أهدافها مخترقة أحدث أنظمة الرصد والدفاع الجوي التي زوّد بها الغرب السعودية.

 

هذه الأسلحة باتت بمثابة الخنجر المغروز في الخاصرة السعودية بحيث يستنزفها سياسياً واقتصادياً إذا ما استمرت المواجهة، وسيؤدي إلى كسر هيبة السعودية كدولة محورية في المنطقة، خصوصاً أن اليمنيين لم يستهلكوا من بنك أهدافهم سوى نسبة قليلة لا تتجاوز الـ10% من مجموع الأهداف الاستراتيجية السعودية، في حين أن السعودية تستنزف قدراتها في استهداف الأهداف نفسها طيلة ست سنوات من الحرب.

 

ختاماً: لا شكّ أن تحرير مأرب سيعجّل في تثبيت التحولات المذكورة أعلاه وسيكون لهذا التحرير عنوان أساسي: أن البحر الأحمر لن يكون أبداً بحيرة صهيونية، وأنّ الصواريخ المجنّحة التي استهدفت أرامكو جدّة هي في الأساس مُعدّة للوصول إلى “إيلات” وما بعد “إيلات”.

 

*عمر معربوني – كاتب وباحث لبناني في الشؤون السياسية والعسكرية

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com