المنبر الاعلامي الحر

  يزرع مختلف أنواع الحبوب والفواكه على مدار العام..وادي عكوان.. محطة تزوُّد بتاريخ زرعت أصوله في اليمن

  يزرع مختلف أنواع الحبوب والفواكه على مدار العام..وادي عكوان.. محطة تزوُّد بتاريخ زرعت أصوله في اليمن

يمني برس- تقرير / يحيى الربيعي

المشاركة المجتمعيةُ تحدث حراكياً مجتمعياً واقتصادياً على نطاق خدمي وتنموي واسع في الوادي

وادي عكوان يتبع عزلة مديرية الصفراء محافظة صعدة، كان احدى محطات النزول الميداني الذي نظمته منسقية المنطقة الشمالية (محافظة صعدة) بمؤسسة بنيان التنموية، وذلك ضمن فعاليات المبادرة الوطنية الكبرى للتوعية بأهمية تشكيل الجمعيات التعاونية التي تنفذها بنيان التنموية برعاية وإشراف اللجنة الزراعية والسمكية العليا بهدف توضيح الدور المحوري الذي ستضطلع به التعاونيات الزراعية في تنظيم وإدارة ديناميكية حراك الثورة الزراعية ضمن حلقات سلاسل القيمة للمنتج الزراعي المحلي وتحقيق الاكتفاء الذاتي وعكس فاتورة الاستيراد نحو المزارع والمنتج اليمني.

 

وعلى هامش النزول، اتيح لصحيفة “الثورة” أن تجري جلسات حوارية مفتوحة على الخبرات الزراعية المتوارثة، ودورها المنشود في حلحلة الكثير من مشكلات عصر الزراعة بالمفاعيل الكيماوية.. وقد حرصنا أن تبقى هذه الدردشات محتفظة بطابعها العامي كي تكون أقرب ما تكون من عامة القراء، فإلى الحصيلة:

 

المزارع محمد مطلق الحاج (85 عاما) هو محطتنا الأولى في هذه الجولة الصباحية بين قرى ومزارع وادي عكوان، والذي بدوره أعطى صورة مختصرة عن يوميات مزارع من عمق التاريخ، فقال: في زماننا كنا نعمل للأرض ذبل (دمن) قبل الزراعة ونقلب التربة مع الذبل لتتعرض للشمس والهواء والريح، وهذا له موسم.. في الصيف استعداد لموسم زراعة الذرة، ثم نسوي التربة، وبعدها نحرث بالأثوار ونذري في (الشبوب؛ الأتلام)، ونتركها إلى فصل الخريف، ويدي الله مطر ونعمة إلى آخر الخريف.. ويجي حصادها ونحصل على حب ذرة ونطرحها في “المجارين” إلى أن “تيبس” و”نخبطها بمخابيط”، ثم يجي المفقل يقفله (عامل الزكاة يحتسب العشر)، ويقدر كم يجي لكل واحد من أقداح، وندفع زكاتها على العشرين القدح قدحاً واحداً صعدياً، أي نصف قدح صنعاني تورد للدولة، وكنا ندفع ندي زكاة على الغنم في الأربعين “رأس واحد أو ما يعادل ثمنه”، وفي البقر مثله على العشر “رأس أو ما يعادل ثمنها”، وعلى الإبل مثلها.

 

ويواصل: وفي وقت الشتاء نخرج ذبيل، ونحرث المال بالبقر أو “نقلطها؛ نقلبها” بالمفارس، ونقوم نذري بر وشعير، ونسقيه حتى يجي حصاده و”نصربه، نحصده”، ويجي “المفقل يفقله”، وندي زكاته أو ما يعادل ثمنها، وكنا في نعمة واسعة مذرى وغنم وبقر، وجهال.. خير ونعمة من الله سبحانه وتعالى.

 

وأضاف: كان الله وقتها يديم علينا نعمه.. والآن تغير التاريخ، وتقلب الوقت، وتغيرت أدواته، قد به أسمدة، وحراثات.. راح زمان المفارس، وراح زمان الذبيل.. ما عاد يدووه إلا للقات، وزراعة الحبوب تلاشت، انتهت عند البعض بدلوها قات.. عند قلب الأرض يفيدها لأجل تتعرض للشمس والتهوية والرياح، تموت الآفات والحشرات الضارة، ويجي فيها ثمر.. ونتركها إذا قد هي ضعيفة لأجل الثمرة الجاي تتعقم من الشمس ونعطيها ذبيل عند القلب وكنا (نسني؛ نسقي) بالبقر في المداح (ممر لعبور البقر وهي تسحب الدلو)، وكان يوجد قصب، وقضب للبقر وكان احنا في زراعة نعمة، وما تبدلت الأرض غير الارض، ولكن تبدلت الناس والنفوس، اختلفت؛ لا عاد بيدوا زكاة، ولا عاد به تعاون، ولا عاد به دين، الدين ضاع.. تدخل المسجد وما عاد به إلا عشرة.

 

ولفت قائلا: كنا نسني بالبقر، ونعمل الساقية وكل واحد يأخذ “قلحه؛ دوره”، ويسقي وكنا نسقي بالمفارس.. كنا نعمل عملاً صالحاً، وكنا في خير.. ويوم ما اختلفت القلوب ضاع الخير.. ما عاد به ساقية، قد هي “زبرة؛ مرعى” ترعاها الغنم.. البطحة (النيس) التي كنا نجمعها ونعمل بها عارضة للسيل، كل واحد شل تو حقه وباعه نيس، وما عاد درينا من أين نرد الساقية.. والضمناء حق العارضة والعقلاء لم يعودوا يتابعون إصلاحها كما هي اسلافنا والعادات القديمة.. كنا نصلح الساقية بالبقر، والآن قد به شيولات وما عاد بيسبروا شيء.. الشيول يشتي 30 ألفاً في الساعة، والساقية تشتي عشر ساعات.. وذلحين ما عاد بيتجمع الناس ويعملوا (فرق) مثل أول.. ما عاد به الا بعض أصحاب الخير بيردوها بعض الساع، والباقين بيقول كل واحد مالي دخل، والعقال كل واحد يدور مصلحته.

 

دور الجمعية

من جهته، شارك منسق مؤسسة بنيان التنموية سعد خليل بمداخلة توعوية عن أهمية تشكيل الجمعية التعاونية، موضحا دورها في إحياء الموروث التقليدي من عادات وتقاليد التكافل والتعاون والفزعات والمشاركة المجتمعية في التنمية، وإحياء موروث الزراعة التقليدية وتوسيع دائرة الاستفادة منه، مشيرا إلى أن الجمعية ستشكل حامي للمراقيم والأعراف التي يتعارف عليها الناس وتعمل على متابعة الالتزام بها وتعميق ما تحمله من قيم ومبادئ طيبة، كما ستعمل الجمعية على تنظيم توزيع حصص زراعة المحاصيل بين المزارعين حسب حاجة السوق، وتقوم بتوفير كافة الخدمات والمدخلات والإرشادات الزراعية بأسعار منخفضة وبمواصفات سليمة ومصرح بها، كما ستهتم بتسويق منتجات المزراعين بأسعار مجدية اقتصاديا.

 

بئر مشتركة

غادرنا العم مطلق نطوف داخل مزارع الوادي المرصع ترابها بأشكال وأنواع محاصيل الخضروات، والبقولياتـ والفواكه، وحبوب الشعير والقمح، والكثيف بموسم أعلاف الذرة، فكانت صدفتنا مع المزارع الشاب (صالح مفرح حسين، أحد مزارعي الوادي)، وهو في حقله يسوي الساقية.. توقفنا عنده مباشرين له بالسلام ثم التساؤل: إيش بتفعل؟ فأجاب: وعليكم، بين أسقي.. وإيش اللي تزرعه؟ أزرع بر(قمح).. كم تجلس لما تحصده؟ البر يجلس ستة أشهر، اللي هي السمراء (من وقت ما نزرع إلى حصاد البذور).. من أين تجيب البذور؟ نديها من السوق.. بذور بلدي؟ نعم.. ليش ما تنتخب البذور بنفسك؟ بذور السوق أشكل في الإنتاج، الإنتاج أكثر.. كان آباؤنا ينتخبون لهم بذور من نفس الزرع، وتدي ما شاء الله؟ ماعاد بش، راح الجيل ذاك.. وأنتم ليش ما أخذتم عنهم الخبرة؟ ما عاد بش.. ايش هو؟ ما عاد به غير شبه مزارعين.. طيب، والماء شكله الحمد لله متوفر؟ سطحي معنا بئر مشتركة.. طيب، كم تدي اللبنة حصاد؟ يجي من اللبنة قدح بر قسيمي وحقلي.. ومنذ متى تركتم انتخاب بذوركم من زرعكم؟ منذ أن وفرت لنا المنظمة البذور، تفالتت علينا الكثير من عادات الآباء في الزراعة، والبذور اللي جابتها المنظمة بتدي أول مره بذور كثير، وثاني مرة تقل، والثالثة ما عاد بتدي شيء.

 

النحال والمربي

ومنه، اتجهنا نحو الهيجاء حيث التقينا مربي الأغنام (سعيد مسعد) فكانت لنا معه هذه الخاطرة التي اختصرها في: الحمد لله، ثم التأكيد على أن الرعي حلى (جيد).. المراعي هذه الأيام قليل بسبب قلة الأمطار.. في أوقات الأمطار يجي والرعي متوفر.. هذه الأيام شتاء.. نزرع للماشية القصب (الذرة)، والهند (الرومي) علف، وتتغذى على أوراق السدر التي تشكل عاملا جاذبا لمناحل العسل من ربوع السعيدة كونه يمثل معظم الغطاء النباتي الكثيف الذي يكسو الوادي إلى جانب العديد من النباتات العطرية والطبية.. تعاني الماشية من الأمراض الخبيثة كـ”الدماملة”؛ السل الكاذب، والحمى القلاعية.. أقل واحد معه عشرة رؤوس، أو خمس عشرة نعجة.

 

ويواصل: الحمد لله، لدي ثمانون نعجة، وبعضهم معه مائة وخمسون.. أيهما تبيع الإناث أو الصغار؟ لا نسوق إلا الكباش المقرنة، أما الإناث نحافظ عليها من أجل تتكاثر.. وما رأيك باللي يبيعها؟ والله، اللي يبيع الإناث غلطان، لأنه يقل من ماشيته وقد تنتهي عليه بالمرة.. تضيفوا برأس نعجة؟ عيب تقدم لضيفك رأس صغير، وعيب أسود انك تضيفه بأنثى، نذبح للضيف كبش، وكبش كبير مقرن تصل قيمته إلى ثمانين ألفاً.. والجلود حقها هل تستفيدون منها؟ حاليا، زمان أيام الشيوبه كان يستخدمونها لحاف فرو للدفء، وفرو أثاث للمنازل (ساع السجاد)، بس، احنا ما بندري كيف نعمل بها.. هي تعتبر ثروة أكيد (بس) تشتي دبغ، واحنا ما بندري كيف ندبغها؟ خلاص، احنا اعتمدنا على الخارج والخارج ما طلع من أبوه فائدة.. إن شاء الله نرجع العادات مثل ما كانت وأحسن.

 

سألناه: وهذه النحل لك؟ فاجاب: الحمدلله، معي 400 جبح، ونعتمد على السدر والطلح والقرمل في مواسمها، وفي الشتاء نعطيها سكر خاص بالنحل، ما أنقله، لأن النقل يكلف، أركز على موسم السدر صافي اللي يكون في فصل الصيف، وقليل على مراعي.. من قبل الجفاف، ما كنا نعطيها شيء كانت مراعي واجد، الجدب حل بالأرض منذ 8 سنوات، أما عن سعر العسل، فالـ5 لترات مراعي نبيعها بـ 50 ألفاً، والسدر العسل الصافي الـ5 لترات بـ 180 ألفاً.

 

مشاركة مجتمعية

مجاهد دايل أحد فرسان (مبادرة أزكى طعام) استغلها فرصة لتوعية الراعي بأهمية الاعتناء بالثروة الحيوانية وحمايتها من انتشار عدوى الأمراض بطريقة عزل المصابة باي مرض، ومنها انطلق بنا في شعاب وقرى الوادي يقدم لنا شرحا عن دور فرسان التنمية في استنهاض همم المواطنين إلى العمل الطوعي والمشاركة المجتمعية في التنمية بطواف ميداني تم خلاله توثيق العديد من مبادرات صيانة وشق طرق، وانشاء حواجز وكرفانات مائية، والفصول الدراسية والمرافق الصحية.

 

محطتنا الأخيرة كانت عند المواطن شداد أحد أبناء منطقة المقام، وختام مسك أكد فيه قائلاً: كنا نزرع كل شيء بر وشعير وحب (بس) كانت الماء قليل.. وذلحين؟ الحمد لله، قد عملنا حاجز بدأناه بمشاركة مجتمعية، وقامت المنظمة بالتنسيق السلطة المحلية باستكماله من أجل يقبض لنا الماء.. ومستمرين.. الآن، نجمع مبادرة جديدة، من أجل نسوي حاجز ثاني، أصحاب القرية كلهم فازعين ما يقصروا.. مكيفين، وبانسبر الدنيا ونزرع.. الحمد لله الأبيار اللي جنب الحاجز صارت الآن غينة بالماء بعد أن كانت قد جفت.. كم كلف الحاجز؟ كلف حوالي خمسة ملايين مساهمة مجتمعية، والمنظمة ساهمت بالإسمنت، وتشغيل بعض الناس بنظام النقد مقابل العمل.

*نقلا عن صحيفة الثورة.

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com