المنبر الاعلامي الحر

صاحب فكرة الباصات المجانية قهر العدوان وحول الأزمة إلى عيد

صاحب فكرة الباصات المجانية قهر العدوان وحول الأزمة إلى عيد

يمني برس- بقلم : أكرم عبدالرحمن غُندِل

خرجتُ من باب اليمن ، فإذا بأشخاص يصيحون للركاب : ((  عَصُرْ بالمجان ، عَصُرْ بالمجان )) .

قلتُ في نفسي : (( لا يمكن أن أصعد الباص وأحجز مقعداً سيستفيد منه شخص لا يملك قيمة ركوب باص غير مجاني )) .

المهم .. بقي سائق الحافلة 5 دقائق ينتظر حتى تمتلئ ، وبقيت أنا أنتظر باص غير مجاني .

فبينما أنا كذلك ، فإذا بهاجس الفضول يدفعني بقوة قائلاً : (( اركب الباص المجاني لتعيش مشاعر الناس وتسمع ردود أفعالهم )) .

ركبتُ الحافلة ، فتأكد لي من خلال بعض المؤشرات الحوارية والشكلية أن ركّاب الحافلة من كل أطياف المجتمع :

“أنصاري” ، “مؤتمري” ، “اصلاحي” ، “سلفي” ، علماني ، “قبيلي” ، “مدني” ، “نساء” ، “رجال” ، “عجائز” ، “شيبات”

وفهمتُ أنهم منقسمين إلى قسمين : قسم صدّق أنه مجاني – وهم الأغلب- ، وقسم لم يصدق -وعددهم محدود جداً –

فبدأ شخص من القسم الثاني يهذي مع نفسه قائلاً باللهجة الشعبية : (( جا يقلي باصات مجانية ! بيضحكوا على عقول الناس في الإعلام ياسعم أن احنا في دولة اوروبية )) .

ومن محاسن الصدف أنه كان أول النازلين ،

فحين أراد أن يدفع الحساب قيل له : (( الركوب مجاني ))

فأصبح لون وجهه كـ (لون الطماط الناضج) خجلاً مما كان يهذي ، ونطقت لسانه دون أن يشعر قائلاً: ( يعني طلع الخبر صحيح ؟ )

فتفاجأ ، وتفاجأ من كان يشابهه في النفسيات

بعد هذا الموقف ، سمعتُ طالبة تهمس لزميلتها وتقول : (( واااو ، روعة ، لأول مرة يحصل هكذا )) .

 

وظهر صوت مِن آخر الحافلة يردّ على الراكب الذي نزل : (( يحفظ الله السيد))

فقال أحد الشباب لصديقه بصوت يسمعه القريبون منه : (( ما ذلحين يحق لهم لا قالوا يحفظ الله السيد )) .

وقالت العجوز : (( والله أنهم فعلوا حاجة حالية .. الصدق ليش الكذب ؟ الله ينصرهم ويثبتهم ويحفظهم ، قد بيدوا واجبهم ماعد باقي ))

فقال رجل فكاهي في الستينات من عمره : (( ماذلحين أصحاب الباصات كل واحد يعطّف باصه ويِقْلِبِه بَسْطُهْ في التحرير ويبيع فوقه شيلان ))

وقال رجل من أحفاد بلال في متوسط العمر : (( قد باصات عصر بيتمنوا الراكب بـ 100 ريال ، كيف لوما ذلحين خارجهم السعر وهم قالوا مابش معاهم خراج ؟ ))

 

وقال شاب -كأنه أنصاري- : (( هذا بس تصدقوا أن الأزمة ماهوش سببها الحوثي مثلما بيروج المرجفين والمنافقين الذي يشتوا يفعلوا بيننا فتنه ، بدليل أن الدولة حقنا بتحمل همّ الناس ووفرت لهم هذه الباصات ، وجابت أجرة السواقين على حسابها  ، ووفرت لهم البترول على حسابها ))

وفي نهاية المشوار كان هنالك يجلس بجوار باب الحافلة ، فلفت انتباهه الجو العام للحافلة المجانية وقال :

(( كنا نركب الباص العادي واحنا في هَمّ وغم ، لا يسير يطلع صاحب الباص كريه أو بذيء أو معه أصحاب سيئين ، كنا نقل يا همّتاه لا يطلع سواق سريع مجنون ، أو بطيء طماع .

لكن ابسروا على (حلا) في السواق حق الحافلة هذه : هادئ ، محترم ، مهتم بالركاب الطالعين والنازلين ، حسّينا أنه شغال عندنا ، حتى أنه يخيل لك من مظهره أنه مدير ماهوش سواق  ))

طبعاً هنالك رُكّاب أُعجبوا بسائق الحافلة الذي قال لي أن اسمه “فهد الفهد ” ؛ لأنه فعلاً كما ذُكِر ، وكان يقوم بتنبيه الجميع عند كل نقطة ومَعْلَم ، وكان يحرص على أن يقف لكل من أراد الصعود ، وكأن له من وراء حرصه مكاسب مالية .

 

خلاصة الأمر :

 

الجميع (في الباصات المجانية) نسوا أمر الأزمة ولم يكن لهم حديث إلا امتداح هذه الفكرة التي أنقذتهم من جشع المستغلين ، وبيّنت لهم أن الأزمة سببها العدوان وليس الحوثيين كما يدعي العدو ومرتزقته .

تراهم من وجوههم وكأنهم يعيشون أجواء عيدية وليس أجواء أزمة ، ليس لأنهم ركبوا مجاناً بل :

1) لأنهم كانوا ينظرون من نافذات الحافلة إلى وجود حافلات مجانية أخرى في كل خط ، وتأكدوا فعلاً أن الدولة جادة فيما فعلَت وأعلنت عنه

2) لأنهم اكتشفوا من خلال اللافتات المعلقة على الحافلات أن هنالك عدة جهات حكومية شاركت في رفع معاناة المواطن : وزارة النقل ، وهيئة الزكاة ، وهيئة الأوقاف ، ويمن ثبات

 

3) لأنهم حين رأوا جميع الجهات تحركت تحت شعار واحد : [متكافلون] أحسّوا بأن الروح التكافلية أُعيدتْ إليهم بعد أن حاول العدو تدميرها

4) لأنهم حين رأوا أن هذه المبادرة جاءت من جهات حكومية ، أيقنوا أن مستقبلهم المجهول غير مقلق إذا ما تعرضوا لأزمات أخرى .

5) لأنهم فرحوا بطريقة العقاب الأخلاقية التي لجأت اليها الدولة لتأديب الجشعين من أصحاب الباصات .

6) لأنهم أيقنوا لو أن مثل هذه الأزمة حصلت مع ( أفران الخبز ) فلن تتخلى عنهم الدولة ، وسوف تقوم بنفس هذه الخطوة في تأمين لقمة العيش.

تُرى… من هو صاحب هذه الفكرة ؟

ومن هو المسؤول الذي وافق عليها ولم يعرقلها ؟

ألا يجب تكريمهم علناً ليتشجع كل موظف في الدولة على مثل هذا التفكير الخيالي ، وعلى تحمل هموم الناس؟

وهل هذه الفكرة ستفتح الباب أمام أفكار إنقاذية عديدة ؟

هل سيتم تحويل الفكرة من تجربة مؤقتة إلى مشروع دائم تتبناه الدولة أو تشجع عليه رجال الأعمال لعمل شركات للنقل الجماعي منافسة للباصات الفردية في شوارع العاصمة ، وبشروط الدولة التي تضمن عدم تضرر المواطن ؟

هل ستقوم الجهات المعنية بتجهيز خطة مماثلة من الآن لأي طارئ مماثل يحدث مع الأفران التي تتضر من ارتفاع المشتقات التي يترتب عليها ارتفاع اسعار القمح واجور نقل الحطب وغيره ؟

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com