المنبر الاعلامي الحر

العالم باتجاه تحولات كبرى

العالم باتجاه تحولات كبرى

يمني برس/علي جاحز/

العالم باتجاه تحولات كبرى
كلمة السيد القائد الاسبوعية، جرعة وعي ومحرك تغييرالجزء الثاني:

اشهر قليلة قد تعادل قرنا من الزمن في صناعة التحولات والتغيرات.. نعم، هذا ما فعلته الاشهر الاولى بعد طوفان الاقصى، اذ لم يكن يتوقع احد ان تصير الامور الى هذا المستوى من الاختلاف الذي يصل الى التغير الجذري سواء على صعيد الانقلاب الكلي في الموازين العسكرية او على صعيد الفرز والتجلي في الاصطفافات والمواقف السياسية، او على مستوى التسارع المذهل في تطور الاحداث، وامام هذا كله تأتي كلمة السيد عبدالملك الحوثي الاسبوعية لتمثل المنبر الابرز الذي يرصد ويتابع ويقيم ويبلور ويحلل ما يجري من تغيرات وتطورات متشابكة ومتسارعة بعناية ومواظبة فريدة، ولايتوقف الامر عند ذلك، فالكثيرون يرون ان الكلمة الاسبوعية تؤثر بشكل فاعل في ترتيب الصورة المشهدية وتوجيه دولاب التداعيات وضبط ايقاع التطورات مستفيدا من اتكائه على الانجازات والقدرات العسكرية التي تثبت مصداقية اقواله وتضعه في نظر العدو قبل الصديق في موضع رجل القول والفعل.
في هذا الجزء نستقرئ ماوراء اهم تطورات الطوفان والعدوان الاسرائيلي على غزة والارتدادات والتغيرات الناجمة عنه، و في ضوء كلمة السيد القائد نستشرف المآلات .

ما السر وراء موقف النظام العربي والتصلب الصهيوني؟
امام كل هذه التطورات التي تشهدها المنطقة والتي القت بظلالها على العالم يتضاءل الموقف السياسي للنظام العربي والاسلامي ويزداد تضاؤلا كلما ازدادت حدة التطورات، في علاقة عكسية تأتي خارج منطق التفاعلات الديناميكية للاحداث.

التواطؤ الرسمي لم يكن كافيا بالنسبة بعض الانظمة العربية والاسلامية، بل تعدى ذلك الى اسكات اصوات التضامن الجماهيري من قمع التظاهرات بالقوة الى تعميم الفتاوى التي تحرم حتى الدعاء للمقاومة، والمملكة السعودية تحتل المرتبة الاولى في هذا الجانب باعتبارها البلد الوحيد الذي لم يجرؤ اي فرد ان يعلن تضامنه او يدعو لغزة حتى في تغريدة. بعد حملات الاعتقالات التي طالت الخطباء والمرشدين ووصلت الى قمع المعتمرين في الحرمين لمجرد رفع ايديهم بالدعاء لغزة.

هذا الموقف الذي لم يعد مستوعبا لدى الوعي الجمعي العربي باعتباره لاينسجم مع المنطق، والذي حكمه حكم الموقف الدولي الذي لم يسبق ان تواطأ وتصلب بهذا المستوى امام جرائم ومأساة ادنى من مستوى ما تتعرض له غزة هذه المرة، هذا المشهد في مجمله وراؤه بكل تأكيد اسرار بدأت تتكشف مع طول مدة الحرب واتساع دائرتها وظهور لاعبين جدد اهمهم اللاعب اليمني الذي يتصاعد موقفه ويزداد فاعلية في الضغط باتجاه وقف المأساة في غزة، والسؤال هنا ماهي الاسرار التي تقف وراء الرطانة الدولية والتواطؤ المكشوف من قبل معظم النظام العربي والاسلامي الرسمي؟!

وللاجابة على التساؤل لايكفي قراءة التحركات الامريكية في المنطقة والحديث عن التطبيع السعودي الاسرائيلي ولا التصريحات الشاذة لمسؤولين وناشطين اماراتيين وسعوديين ضد المقاومة، بل يحتاج الامر الى التركيز في التصريحات الصادرة عن حكومة الكيان والتي تتحدث عن الذهاب نحو انتصار استراتيجي في غزة والتنسيق مع حلفاء عرب، والاهم ما تنشره الصحافة الاسرائيلية من تسريبات حول هذا المسار وخلفياته وصولا الى خطة نتنياهو الاستراتيجية التي نشرتها صحيفة جورناليزم العبرية الجمعة الماضية، ومن ثم ربطها بالتفاهمات الجارية بين الولايات المتحدة والسعودية.

خطة نتنياهو تضمنت ثلاث مراحل تبدأ من احكام السيطرة على غزة وتشكيل تحالف عربي من السعودية والدول المطبعة لانشاء مناطق امنة و توزيع المساعدات العاجلة ومن ثم ينشيء التحالف هيئة لاعادة اعمار غزة الخالية من اي مقاومة وتسليمها لفلسطينيين مطبعين ضمن اتفاقات ابراهام، ثم تحويلها الى منطقة تجارية حرة تحت اشراف الكيان وكل هذا مقابل مزايا عسكرية واقتصادية لتلك الدول التي تساهم في تنفيذ الخطة، ويليها مسارا لتهويد وصهينة المنطقة من خلال ما تسميه خطة نتنياهو بالخطة الاقليمية التي تتحدث عن دمج لاسرائيل في المنطقة من خلال مشاريع عملاقة ابرزها نيوم وسكك حديد عملاقة وغير ذلك، وتقول الخطة ان نجاح السيناريو مع غزة سيتم تنفيذه على لبنان واليمن وغيرها.

الخطة التي تبدو خيالية وغير قابلة للتطبيق في الواقع المعقد حاليا، يتعاطى معها نتنياهو بجدية وربما يسايره في ذلك بعض الانظمة العربية من قبيل الرغبة في القضاء على حماس، وهو ما تجلى في مواقف السعودية التي بدت مهرولة نحو التطبيع وتنتظر ما يسميه محللون مهر التطبيع وهو القضاء على المقاومة.

وبالنظر الى ما نشرته صحيفة “الغارديان” البريطانية أمس فان السعودية تمضي قدما باتجاه “الخطة ب”. وبحسب هذه الخطة فالسعودية والولايات المتحدة بصدد صياغة روزنامة اتفاقات في جانب التعاون الأمني والتكنولوجي كجزء من خطة أوسع تشمل التطبيع مع الكيان “في ظل عدم وقف إطلاق النار في غزة” ، وبحسب الصحيفة انه ولاسباب تتعلق بمعارضة نتنياهو لإقامة دولة فلسطينية مستقلة ونيته شن الهجوم على رفح فان السعودية تدفع قدما بالتوصل الى خطة اكثر تواضعا، وبالمقابل حسب الصحيفة فان الخطة تتضمن توقيع واشنطن والرياض على حلف دفاعي، وان الولايات المتحدة ستساعد السعودية على تطوير مشروع نووي مدني وايضا ستحصل على التعاون التكنولوجي في مجال الذكاء الصناعي، وعلى هذا الاساس سيتم عرض مقترح التطبيع على نتنياهو ليقبل به ، ولعل كل هذا يمكن ان يكون احد ملامح تماهي ذلك الجزء من النظام العربي والاسلامي مع توجه نتنياهو وخطته.

وفي ذات الاتجاه تأتي الضغوطات العالية من قبل مصر وتركيا ومؤخرا الضغط القطري على قيادة المقاومة الفلسطينية حماس والذي وصل الى طلب قطر مغادرة مكتب حماس اراضيها، وذلك للقبول بالعرض الاخير للاتفاق الذي ترفض اسرائيل ان ينص على وقف دائم للنار،..

الامر اللافت في المشهد هو تعاطي الصهيونية العالمية مع هذه الخطة بجدية وهو ما ينعكس في سلوك ذراعيها الامريكي والبريطاني اللذين يصران على دعم نتنياهو بشكل لامحدود في مواصلة العدوان تحت لافتة ضرورة القضاء على المقاومة رغم كل النتائج العكسية وابرزها تصاعد وتنامي قدرة الموقف اليمني في البحر، والذي تعتبر تداعياته كارثية على النفوذ الجيوسياسي لامريكا في المنطقة فضلا عن اهتزاز صورة الردع الامريكي والاسرائيلي عموما.

واثبتت احداث القمع التي واجهت بها الاجهزة الامريكية الاعتصامات في جامعات امريكا والتي وصفها السيد عبدالملك الحوثي بانها بلطجة وهو مصطلح اطلق على ممارسات الانظمة العربية في قمع الاعتصامات، اثبتت هذه الاحداث ان هذه منهجية امريكية صهيونية جديدة لم تكن لتحدث لولا ان وراءها مخطط كبير خسارته اكبر من مسألة خسارة الصورة الديموقراطية والانسانية، ولعل هذا يرتبط ايضا بمخطط نتنياهو الرامي لتهويد المنطقة.

التغير الكوني .. الوجه الاخر للمشهد
على الجهة المقابلة للتصلب والعناد اللاهث وراء خطة ومؤامرة غير قابلة للتنفيذ، تتفاقم تداعيات ومفاعيل فشل الكيان في غزة وهزيمة الامريكي وحلفائه في البحر والخسائر المهولة التي تكبدها الكيان ككلفة مباشرة للعدوان او نتيجة الحصار البحري الذي يفرضه اليمن والخسائر الكبيرة التي تتكبدها امريكا وبريطانيا والتي عمد السيد القائد في كلمته الاخيرة والتي قبلها الى احصائها وابراز ما لم يكن ظاهرا من تلك الخسائر بشكل دقيق، مرورا بانسحاب العديد من القطع الحربية الامريكية وغيرها من اليحر الاحمر وما يعنيه ذلك من اعتراف بالفشل والهزيمة امام اليمن، وصولا الى افصاح السيد القائد عن المرحلة الرابعة من التصعيد وما تلاه من اعلان لماهية المرحلة التصعيدية التي ستفاقم الخسائر والهزائم ومن ثم تطبق الحصار على الكيان بشكل كامل.

ومن وسط المأزق الصهيوني الغربي ومن خلف العناد والتصلب الذي يصر على التمسك به الكيان والولايات المتحدة تظهر تصريحات تعترف بالفشل وتحذر من خطورة تأثيرها على مستقبل النظام العالمي الصهيوني وحضارته، ولعل اخرها تصريح الرئيس الفرنسي ماكرون الذي قال “إن الحضارة الغربية يمكن أن تموت، وأن نهايتها يمكن أن تكون وحشية، وأن هذا يمكن أن يحدث بسرعة أكبر مما يعتقد كثيرون “..

وهذا يحيلنا الى قراءة المشهد من زاوية مختلفة، وهي الزاوية التي وقف السيد عبدالملك الحوثي يقرأ المشهد منها وهو يصف اتساع دائرة مناهضة الهيمنة الصهيونية، حيث اكد ان ثمة حراك تحرّري ظهر في كثير من البلدان وفي عدد من القارات، وظرب امثلة اهمهل ظهور المواقف المناهضة في أمريكا اللاتينية وفي القارة الأفريقية وفي قارة آسيا، معتبرا ان تحرك كثير من البلدان نحو هذا التوجه التحرري، يأتي ضمن تغيرات كونية تحدث في الواقع البشري،

قراءة السيد القائد للتغيرات الكونية تبدو دقيقة وعميقة، خاصة بالنظر الى التطورات التي حدثت بعد طوفان الاقصى، وابرزها تجلي قوة وتماسك وقدرات وثقل محور المقاومة واتساع نطاقه ونطاق وصول عملياته ومدى نجاحه في ضرب الكيان من اتجاهات مختلفة ومن مسافات شاسعة وبطرق متنوعة، الامر الذي ترك الكيان يعيش وضعا امنيا وسياسيا واقتصاديا غير مسبوق من جهة، علاوة على تأثير عمليات المحور وخاصة عمليات اليمن والعراق والرد الايراني على الوجود والنفوذ الامريكي في المنطقة وسقوط اسطورة الردع الامريكي من جهة اخرى

وقبل الخوض في قراءة للموقف اليمني العسكري المساند لغزة وفاعليته في توجيه الاحداث وتداعياته على المستوى السياسي والجيوسياسي وصولا الى تأثيراته الاقتصادية الضاغطة، من المهم الاشارة الى ان هذا ‏الموقف الذي نشهد الدخول في مرحلته الرابعة، ليس مجرد مساندة لحظية عاطفية لغزة، بل هو تحرك جهادي ثوري ضمن مشروع ديني قرآني اسسه الشهيد القائد ويحمله السيد القائد ومعه احرار وشرفاء الشعب اليمني.

وكما هو معلوم فإن الموقف اليمني في مراحلة الثلاث الاولى نجح في خلط الاوراق على طاولة تصفية القضية الفلسطينية والقضاء على المقاومة واعاق الترتيبات التي كانت جارية، ويبدو انه في المرحلة الرابعة سيصيب تلك الترتيبات في مقتل وهذا ما يثق السيد القائد في فاعليته، ويراهن عليه في دفع دولاب التداعيات والتبدلات في موازين الردع وفي تشجيع المواقف الاقليمية والدولية للتمرد على النظام العالمي الصهيوني، ومن ثم الدفع باتجاه حدوث التغيرات الكبرى في العالم او ما اطلق عليه السيد القائد التغيرات الكونية.

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com