صنعاء تغيّر قواعدَ اللُّعبة: ضربة مطار اللِّد تكشفُ فشلَ عدوان ثلاثي الشر
صنعاء تغيّر قواعدَ اللُّعبة: ضربة مطار اللِّد تكشفُ فشلَ عدوان ثلاثي الشر
يمني برس- بقلم د. عبدالملك عيسى
في لحظةٍ بدت كأنَّها فاصلةٌ في تاريخ المواجهة الإقليمية أعلنت القواتُ المسلحة اليمنية، يوم الأحد، 4 مايو 2025 تنفيذَ ضربة صاروخية دقيقة استهدفت مطار اللِّد “بن غوريون” قُربَ يافا المحتلّة المسمَّاة “تل أبيب” بصاروخ فرط صوتي لم يكشف عن نوعه بعدُ، مؤكّـدة أنه أصاب هدفَه بنجاح وتسبَّبَ في حالة شلل تامٍّ بالمطار وذُعرٍ غيرِ مسبوق بين ملايين المستوطنين.
هذه العمليةُ لم تكن ضربةً منفردةً، بل جاءت كجزء من سلسلة ضربات تصاعدت في الأيّام الأخيرة لتكشف عن عجزٍ عسكري شامل لعدوان ثلاثي الشر الذي يقوده العدوّ الأمريكي ويدعمه العدوّ البريطاني ويشارك فيه العدوُّ الإسرائيلي؛ بهَدفِ كسر إرادَة اليمن ووقف دعمه العسكري المتواصل للشعب الفلسطيني في غزة.
المفارقةُ أن العمليةَ التي استهدفت قلب قُدْسِ أقداس الأمن الإسرائيلي لم تأتِ من الجوار الجغرافي القريب من فلسطين المحتلّة بل من اليمن البلد المحاصَر منذ سنوات والمستهدَف بغارات أمريكية وبريطانية مكثّـفة منذ منتصف مارس ومع ذلك تؤكّـد الضرباتُ اليمنية يومًا بعد آخر أن الصمود ليس موقفًا دفاعيًّا بل قدرة متنامية على الردع والاشتباك خارج الحدود.
الرسالة التي حملها هذا الصاروخُ التجريبي الجديد كانت مزدوجةً؛ فمن ناحية، كسرُ الحَصانة الجوية الإسرائيلية وإثباتُ فشل منظومات الدفاع الأمريكية والإسرائيلية من “حيتس 3” إلى “ثاد” مُرورًا بالقبة الحديدية، ومن ناحية أُخرى فرض اليمن معادلة ردع جوي واقعي عبر استهداف المطار الوحيد شبه العامل في الكيان الإسرائيلي وتحويله إلى منطقة غير آمنة، كما عبر البيان العسكري اليمني.
الهزة لم تكن فقط أمنية أَو عسكرية بل تجارية واقتصادية؛ فالعشرات من شركات الطيران الكبرى سارعت إلى إلغاء رحلاتها من وإلى يافا المحتلّة بعد أن تكرّرت عمليات الإغلاق المؤقَّت للمطار وارتفعت أقساطُ التأمين وارتبكت شبكاتُ النقل الجوي في المنطقة وهو ما يعد ضربةً مباشرةً لقطاع السياحة لدى العدو الإسرائيلي ولمحاولة التعافي الاقتصادي بعد أزمة أُكتوبر 2023.
أما على المستوى السياسي فقد ظهر التخبط واضحًا في العواصم الثلاث:- واشنطن التي تقود العدوانَ على اليمن عبر حاملتَي الطائرات “ترومان” و”فينسون” وجدت نفسَها مكشوفةً أمام الرأي العام الأمريكي والعالمي، خُصُوصًا بعد الفضيحة الأمنية التي أطاحت بمستشارِ الأمن القومي مايكل والتز ونائبه نتيجةَ تسريبات متعلِّقة بالعدوان على اليمن.
بريطانيا من جهتها انكشفت نواياها بشكل رسمي عندما اعترف وزيرُ حربِها (جون هيلي) بأن مشاركةَ لندن في العدوان الأمريكي بغاراتها الجوية جاءت دعمًا للولايات المتحدة بعد فشلها في كبح الهجمات اليمنية المتواصلة؛ وهو ما فسَّرته صنعاءُ بتحوُّل المشارَكة البريطانية إلى هدفٍ مباشرٍ مشروعٍ؛ ما دفع القوات المسلحة اليمنية إلى إعلان حظر الملاحة البريطانية في البحر الأحمر وتوجيه إنذار مبكر للشركات.
أما الكيان الإسرائيلي فلم يعد يملك حتى رفاهيةَ الإنكار؛ فالتقارير الصحفية الصهيونية كشفت عمق الفشل والذعر واعترفت بأن الصاروخ أصاب المطارَ قبل حتى أن تُسمَعَ صفارات الإنذار، وتحدثت عن انفجار ضخم أحدث حفرةً عُمْقُها 25 مترًا وسط ارتباك في غرفة العمليات ومطالبات شعبيّة وسياسية بتغيير استراتيجية التعامل مع اليمن بعد ما تبيَّنَ أن الاعتمادَ على الغطاء الأمريكي لم يعد كافيًا.
في جوهر المعركة لم تعد القضيةُ تتعلق فقط بإسناد الشعب الفلسطيني عسكريًّا بل أصبحت معركةً على طبيعة التوازنات في المنطقة ورسم معادلة الشرق الأوسط الجديد هل سيكون صهيونيًّا أم مقاومًا.. اليمنُ اليومَ يفرِضُ نفسَه كرقمٍ صعبٍ في معادلةِ الأمنِ الإقليمي ويقلِبُ الموازينَ عبرَ عقيدةٍ قتاليةٍ متكئةٍ على إرادَةٍ شعبيّةٍ قويةٍ وقيادةٍ قرآنيةٍ واعيةٍ وأدواتٍ تقنيةٍ آخذةٍ في التطور والردع.
لقد أثبتت صنعاء بعمليتِها الأخيرة على مطار اللِّد أن ثلاثيَّ الشر لم يعد يملِكُ زمامَ المبادرة من البحر الأحمر إلى قلب يافا المحتلّة؛ فاليمنُ يرسمُ اليومَ حدودًا جديدة للصراع، ويرسلُ للعالم رسالةً لا لَـــــبْسَ فيها أن زمنَ العدوان الأُحادي قد انتهى وأن الردَّ على الجرائم لم يعد مقصورًا على بيانات الإدانة، بل بات يُكتَبُ بالنار والدخان وبالصواريخ التي تتخطى القِبَابَ وتخترقُ عصبَ العدوّ، وأن على العدوّ الأمريكي والإسرائيلي وقفَ العدوان على قطاع غزة وفكَّ الحصار عنه وإدخَالَ الماء والغذاء والدواء وإلَّا سيستمرُّ اليمنُ في إسنادِه حتى سقوطِ الكَيانِ المؤقَّــت.