المنبر الاعلامي الحر

” عائد إلى حيفا ” نموذج للأدب الفـلسطيني المقاوم 

” عائد إلى حيفا ” نموذج للأدب الفـلسطيني المقاوم 

يمني برس-بقلم-عبدالله علي صبري

لست ناقدا أدبيا، ولست بصدد كتابة تحليل أدبي عن رواية ” عائد إلى حيفا “، التي تبرز كأحد أهم النماذج في قلب أدب المقاومة الفلسطينية، حيث جسّدت تجربة اللجوء والنكبة والهوية الممزقة، وتضمنت تساؤلات عن الكفاح المسلح، والحاجة الملحة إلى حرب جديدة بين العرب واليهود في سبيل استعادة الأرض والهوية والإنسان.

الرواية التي ظهرت عام 1969 ليست مجرد سرد أدبي لمأساة أسرة فلسطينية هُجّرت من بيتها ووطنها، بل رؤية فكرية حادة تعيد صياغة مفهوم المقاومة، ومسؤولية الفلسطيني نفسه عن النكبات والخيبات المتلاحقة، ليس بهدف البكاء على الأطلال، ولكن عل قاعدة تهيئة الفلسطيني للدور التاريخي في المقاومة والكفاح المسلح.

تدور الرواية حول الزوجين سعيد وصفية اللذين يعودان إلى منزلهما في مدينة حيفا بعد 20 عاما على نكبة 1948. وفي الزيارة، يكتشفان أن ابنهما الرضيع، الذي فقداه أثناء الفرار، قد تبنّته أسرة يهودية، وأصبح جنديًا في جيش الاحتلال تحت اسم “دوف”.

المفارقة المريرة في الرواية أن الابن الفلسطيني، نتيجة تشويه الهوية والتنشئة، يتحوّل إلى أداة بيد العدو الصهيوني، ويبدو مقتنعا بأحقية اليهود فيما يفعلونه، مقابل العجز الفلسطيني. وهنا يثور سؤال محوري: هل يكفي الانتماء البيولوجي ليكون الإنسان فلسطينيًا؟ ماذا يعني أن تفقد بيتك وطفلك ووطنك؟ أين أخطأ الفلسطيني؟ وما مغزى المقولة الشهيرة لبطل الرواية سعيد: ” كان يجب ألا نخرج من حيفا. لم يكن من الضروري أن نترك أحدًا خلفنا”؟.

غدت هذه المقولة بمثابة الصرخة التي أطلقها صاحب الرواية ومؤلفها الأديب الفلسطيني والمناضل غسان كنفاني، الذي يرى الناقدون أن ” عائد إلى حيفا ” تشكّل الذروة في مشروع كنفاني الأدبي والسياسي، الذي أراد من خلاله تسليح الشعب الفلسطيني بـالوعي وبالفعل الثوري. وقد دفع كنفاني ثمن هذا الالتزام حياته، إذ اغتالته ” الموساد ” الإسرائيليّة في بيروت بتاريخ 8 يوليو 1972، بزرع عبوة ناسفة في سيارته، ما أدى إلى مقتله مع ابنة شقيقته الصغيرة ” لميس”.

في لحظة تحول عميقة، نرى سعيد وهو يراجع موقفه من ابنه الآخر خالد الذي كان يريد الانضمام إلى المقاومة الفلسطينية. كان سعيد قد منع خالد من ذلك بدافع الخوف عليه، لكن بعد مواجهة حقيقة أن ابنه الآخر “دوف” أصبح جزءا مشوها من آلة الاحتلال، سيراجع سعيد الموقف، ويقول لزوجته صفية: ” دوف هو عارنا، لكن خالد هو شرفنا الباقي “. هذه العبارة تكثف رؤية كنفاني للصراع، حيث يصبح الامتناع عن المقاومة شكلاً من أشكال الخيانة للذات وللشعب.

غسان كنفاني نفسه كان نموذجاً للمثقف المناضل الذي لم يفصل بين القلم والبندقية. لقد أدرك مبكراً أن المعركة مع العدو الصهيوني ليست معركة عسكرية فقط، بل هي معركة سرديات وهويات. لذلك لم تكن كتاباته مجرد روايات وقصص، بل كانت ذخيرة معنوية للمقاومة. وهذا ما جعل الاحتلال يرى فيه خطراً يجب إسكاته.

لم يكن كنفاني يحمل السلاح، لكنه كان يقف إلى جانب المقاومة المسلحة من موقعه السياسي والقيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي كانت مسؤولة عن عدد من العمليات الفدائية، وطرفا رئيسا في عدد من صفقات تبادل الأسرى مع العدو الصهيوني، ولهذا لا غرابة أن كتاباته الأدبية، كانت أشبه بالبيانات السياسية التي تخاطب العقل والقلب معا، وتجعل من الأدب سلاحاً في معركة الوجود والهوية.

14-5-2025

 

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com