دروس الفشل الأمريكي في البحر الأحمر.. اليمن سيد الموقف!
يمني برس | تقارير | أحمد داود:
ترسم معركة البحر الأحمر مساراً جديداً لمستقبل المنطقة، فالهيمنة الأمريكية على الدول عبر حاملات الطائرات لم تعد مجدية، لا سيما بعد نجاح التجربة اليمنية في إذلال هذه الحاملات وقطعها الحربية في البحار.
وبقراءة متأنية، فإن الولايات المتحدة الأمريكية، لا تنظر إلى البحر الأحمر، بكونه ممراً مائياً هامشياً، وإنما يقع في صلب استراتيجيتها السياسية والعسكرية والاقتصادية، وهي منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية كانت من أكبر الدول المتواجدة فيه، ما عطل أي دور للدول العربية المشاطئة له، بل وجعلها عرضة للتدخلات الدولية المتزايدة.
ولا يقتصر الدور الأمريكي على حماية ملاحة العدو الإسرائيلي في هذا الممر المائي المهم، فلدى أمريكا من الأطماع ما يجعلها ترابط فيه لأمد طويل، فالبحر الأحمر واحد من أهم طرق الملاحة الرئيسية في العالم، كما يعد أقصر الطرق للمواصلات التجارية والعسكرية، ولذلك سعت واشنطن إلى زيادة قوتها البحرية، بهدف السيطرة على جزره ومضائقه، وعدم السماح لأية دولة منافسة لها بأن يكون لها موطئ قدم في هذه المناطق، ولا سيما الصين.
وبالنسبة لأمريكا أيضاً، فإن البحر الأحمر يربط بين أساطيلها المنتشرة في البحار والمحيطات، فهو يصل بين الأسطول السادس في البحر الأبيض المتوسط، والأسطول الخامس في منطقة الخليج وتحديداً في البحرين، بالإضافة إلى الأسطول السابع المتمركز في المحيط الهندي، حيث تعد هذه الأساطيل ضمن أبرز الأدوات لأمريكا في احتلال البلدان أو توجيه الضربات العسكرية المباشرة لها، فقد تم استخدامها في حرب الخليج الثانية، وفي غزو العراق، واحتلال أفغانستان، وفي تعزيز وجودها العسكري في المنطقة.
ولهذا، فإن أي اختلال لانسيابية الحركة العسكرية بين هذه الأساطيل، يعرض أمريكا لمخاطر كبيرة، لا سيما وأن عجز أمريكا في العبور من البحر الأحمر يفصل هذه الأساطيل عن بعضها البعض، هذا من ناحية، ويجعل أمريكا عاجزة عن العبور إلى المحيط الهندي، والتوجه صوب بلدان مهمة جداً بالنسبة لها، مثل تايوان واليابان والهند وغيرها.
من هنا، تأتي أهمية العمليات اليمنية المساندة لغزة في البحر الأحمر، والتي لم يتم استيعابها حتى الآن من قبل المواطنين اليمنيين، والمتابعين للأحداث، فالقيادة اليمنية اختارت التوقيت المناسب للمعركة، وقد كانت رعاية الله حاضرة بكل قوة، وهي الأهم في الانتصار الكبير الذي تحقق لليمن أمام الأمريكيين، حيث تعرضت البحرية الأمريكية لضربات مسددة لم تشهدها من قبل، بحسب اعترافات الأمريكيين أنفسهم، وتمكن اليمن من أن يكون سيد البحر الأحمر بلا منافس.
لقد أدرك الأمريكيون أنهم في مأزق حقيقي، فعدوانهم على اليمن لم يضعف القدرات العسكرية اليمنية، وارتكاب المزيد من الجرائم بحق المدنيين، سيراكم من حالة الغضب والاستياء عليهم سواء داخل اليمن أو خارجه.. وهنا يقفز التساؤل الرئيس أمام الخبراء الأمريكيين والقادة: ماذا لو أصر اليمنيون على منع السفن والأساطيل الحربية الأمريكية من المرور في البحر الأحمر؟
الإجابة على التساؤل كانت المقدمة للتراجع الأمريكي، والبحث عن الوساطة العمانية لإقناع اليمن وقيادته بالتوقيع على اتفاق يفضي إلى وقف العدوان الأمريكي على اليمن، مقابل عدم التعرض للسفن الأمريكية، فالضرر على أمريكا هنا سيكون كبيراً إذا تم منعهم من المرور في البحر الأحمر.
الآن يقول الأمريكيون بكل وضوح: لقد هُزمنا في اليمن. ثم يتحدث نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس بلا خجل، مؤكداً بأن “عصر التفوق الأمريكي المطلق قد ولى”، وأن واشنطن تواجه تحديات جديدة ليس فقط في سباق التسلح بالأسلحة الفرط صوتية، ولكن أيضًا في مواجهة التكتيكات غير المتماثلة، والأسلحة منخفضة التكلفة كالطائرات المسيرة، والتي برزت فعاليتها بشكل واضح في معركة البحر الأحمر.
رسالة فانس، بطبيعة الحال، لم تكن موجهة للداخل الأمريكي فقط، وإنما هي مزدوجة لحلفاء أمريكا، من الأوروبيين، والعدو الإسرائيلي، فاليمن الذي استطاع تأديب الأمريكيين في البحر الأحمر، هو ذاته قادر على تكرار التجربة مع أية دولة غربية، وإغلاق البحر الأحمر أمام دول أوروبا، يعني عزل الشرق عن الغرب، وعزل قارة آسيا وأفريقيا عن أوروبا، ولهذا فإن الصراع في هذه المنطقة يحتاج إلى قرارات حكيمة، وعدم التهور أو الاستعجال، لا سيما وأن القوات المسلحة اليمنية نجحت في استغلال الموقع الجغرافي لليمن في كبح جماح الهيمنة الأمريكية والغربية على المنطقة، .
تبقى الرسالة الأهم، هي للدول العربية المشاطئة للبحر الأحمر، فالتجربة اليمنية أثبتت فاعليتها في صناعة المتغيرات، ولو أن هذه الدول سلكت طريق اليمن، لما اضطرت المملكة السعودية أن تخضع وتذل لترامب، وتقدم له تريليونات الدولارات، ولديها من مقومات القوة ما يجعل أمريكا وأوروبا تأتي إليها صاغرة.
ويبقى درس الهزيمة الأمريكية في البحر الأحمر ملهماً لكل دول العالم، للخروج من حالة التبعية والخضوع لأمريكا، وهي رسالة مهمة لهذه الدول بإعادة قراءة الواقع من جديد، فاليمن اليوم غير يمن الأمس، والقيادة التي يجب أن تحظى بالاعتراف والتعامل معها هي الموجودة في صنعاء، ومن الغباء بعد كل هذه التطورات أن تتعامل دول العالم مع مجلس فاشل يسكن أعضاؤه في فنادق أقل من خمسة نجوم في الرياض.