الرشد وسلامة القلب في مسيرة الإيمان: قراءة في الدرس الثاني من دروس القصص القرآني للسيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي
يمني برس | قراءة خاصة
في سياق سلسلة دروسه الإيمانية والتربوية في القصص القرآني، قدّم السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي الدرس الثاني الذي واصل فيه تسليط الضوء على سيرة نبي الله إبراهيم عليه السلام، كما وردت في آيات القرآن الكريم، مستعرضًا جوانب الهداية والرشد وسلامة القلب كركائز أساسية في المسار الإيماني للأمم والأفراد.
استهل السيد القائد درسه الثاني بالتذكير بمضامين الدرس الأول الذي انطلق من سورة الأنبياء، حيث تم التأكيد على عنوان “الرشد” كحاجة ملحّة للمجتمع البشري في معتقداته، وثقافته، ومنهجه الحياتي. وأكد أن الله سبحانه وتعالى هو مصدر الرشد، بما يمنحه لعباده من فطرة وهداية، وبما يوحي به إلى رسله وأنبيائه وكتبه والهداة من عباده.
واستعرض القائد الآية المباركة: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ}، ليؤكد أن هداية الله لعباده عن طريق أنبيائه هي من أعظم النعم الإلهية، ولا يمكن الاستغناء عنها بالبدائل الأخرى كالفلاسفة والمفكرين مهما بلغت عبقريتهم، لأن مصدر النور والرشد هو الله وحده.
وتحدث السيد القائد عن أهمية الاصطفاء والإعداد الإلهي للرسل، مشيرًا إلى أن الله هو الأعلم حيث يجعل رسالته، كما ورد في قوله تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}، وكذلك في قوله عن إبراهيم: {وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ}.
وانتقل إلى بيان الدور التبليغي والإصلاحي لنبي الله إبراهيم، الذي بدأ دعوته في مجتمعه تحت عنوان التوحيد الخالص لله، ومحاربة مظاهر الشرك والانحراف. استخدم عليه السلام أساليب عقلانية متنوعة، منها عرض نقص الكواكب والشمس والقمر، لإثبات أن العبادة لا تكون إلا لله الكامل، الخالق، المالك، الملك.
كما أشار السيد القائد إلى منهجية الحوار والمساءلة التي اتبعها نبي الله إبراهيم، لإلزام قومه بالحجة، وتفنيد باطلهم المستند إلى موروث الآباء والعقائد الزائفة، حيث لا مستند حقيقي لما كانوا عليه من عبادة الأوثان.
ومن النقاط المهمة التي تناولها الدرس، كانت مسألة “الشهادة” كعنوانٍ للإيمان اليقيني، حيث قال نبي الله إبراهيم: {وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ}. وقد شرح السيد القائد معنى الشهادة بأنها تعبير عن اليقين والالتزام والتمسّك بحقيقة التوحيد.
ثم تطرّق إلى المحطات الحاسمة في مسيرة نبي الله إبراهيم عليه السلام: تحطيم الأصنام، محاولة إحراقه، ثم الهجرة، مؤكداً أن القرآن تناول هذه المحطات في سور متعددة مثل: الأنبياء، والعنكبوت، والصافات، على أن يُستكمل الحديث عنها في الدرس القادم.
وتوقّف السيد القائد عند سورة الصافات التي جاء فيها قول الله تعالى: {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ}، مبينًا أن المقصود هو أن إبراهيم من شيعة نبي الله نوح، لأن منهج الأنبياء واحد، رغم تباعد الأزمنة واختلاف الظروف.
كما استعرض دلالة قوله تعالى: {إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}، مؤكدًا أهمية الجمع بين الرشد وسلامة القلب، كركيزتين أساسيتين في توجّه الإنسان إلى الله. وشرح أن سلامة القلب تعني نقاءه من العقائد الفاسدة، والأفكار الظلامية، والمفاسد الأخلاقية، وبقاؤه على فطرته الأصلية التي فطر الله الناس عليها.
وفي تحليل عميق، أوضح أن الإنسان هو الذي يلوّث قلبه بمفاهيم باطلة وأعمال فاسدة تؤثّر على رؤيته للأشياء وتوجّهاته، كما تتأثر المرآة عندما تتلوّث فلا تعكس الحقيقة. واستشهد بقول الله تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}، مبينًا كيف تؤثر الذنوب على نقاء القلب وسلامة الفطرة.
وأكد القائد أن الرسل والأنبياء هم راشدون بهداية الله، وقلوبهم سليمة وطاهرة، وهم مؤهلون بذلك لأداء مهام الهداية، بل يعملون على إصلاح قلوب الناس، وتنقيتها من الشوائب الخبيثة التي تعيق الفهم والاستقامة.
واختتم السيد القائد درسه بتأكيد أهمية أن يتجه الإنسان في حياته برشدٍ وسلامة قلب، وأن الإيمان والرشد يشملان المشاعر والأعمال، كما في قول الله تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ… أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ}، موضحًا أن حب الإيمان وكره الفسوق من علامات الرشد الحقيقي.
وفي ختام الحديث، تبيّن أن الرشد ليس فقط في الفكر والمنهج، بل يمتد إلى الأعماق النفسية، ويُترجم في واقع الإنسان سلوكًا واستقامة، كما في قوله تعالى: {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}.
بهذا الأسلوب العميق، يُواصل السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي تقديم دروسه القرآنية في القصص، موصلًا المفاهيم الإيمانية والإنسانية العظيمة بمسؤولية روحية وفكرية، تجعل من هذه السلسلة نبراسًا في درب الوعي والتزكية والهداية.