الهجرة إلى الله… درب العزة والصلاح: قراءة في الدرس الرابع من دروس القصص القرآني للسيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي
يمني برس | خاص
في درسه الرابع من سلسلة دروس القصص القرآني، تناول السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي محطةً مفصلية في حياة نبي الله إبراهيم عليه السلام، وهي محطة الهجرة، التي لم تكن مجرد انتقال جغرافي، بل كانت تحوُّلًا كبيرًا في مسيرة الرسالة، وفتحًا لأفق إلهي واسع لنشر دين الله وإقامة الحجة على الأمم.
استهل السيد القائد درسه بالتوقف عند قول إبراهيم عليه السلام:
{وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ}، مبيِّنًا أن الهجرة جاءت بإذنٍ من الله تعالى، بعد أن أكمل إبراهيم عليه السلام مهمته في إقامة الحجة على قومه، وأصبح بقاؤه في العراق يعني تجميد الرسالة، بينما الهجرة كانت مفتاحًا لانتقالٍ جديد في الدعوة والرسالة.
وأشار السيد القائد إلى أن الله سبحانه وتعالى هيَّأ لنبيه إبراهيم عليه السلام آفاقًا جديدة من خلال الهجرة، إذ أسكن بعض أسرته في مكة وبعضهم في الشام، وما ترتب على ذلك من نتائج ممتدة إلى قيام الساعة، مؤكدًا أن هذه التحولات لم تكن عشوائية، بل بتدبير إلهي حكيم.
وأبرز في حديثه أن قول إبراهيم:
{إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}، يعكس ثقة مطلقة برعاية الله، ويؤكد على أن الهجرة كانت تعبيرًا عن إيمانٍ عميقٍ بالله وعزته وحكمته، وعن يقين بأن الله لا يترك عبده المؤمن، خصوصًا في لحظة المفاصلة والمفارقة الكاملة مع قومه ومحيطه الأسري.
وتوسّع السيد القائد في البعد الإيماني للهجرة، مشددًا على أن العزَّة جزء أساسي من الانتماء الإيماني، ولا يصح للمؤمن أن يبقى في بيئة يُستذَل فيها أو يُمنع من أداء التزاماته الدينية، بل عليه أن يهاجر حينما تتوفر له الفرصة، لأن الهجرة في مثل هذه الحالة تصبح التزامًا إيمانيًّا، وليست مجرد خيار.
كما أشار إلى أن الهجرة في سبيل الله هي مدخل لبناء الأمة الإيمانية، التي تتعاون على البر والتقوى، وتنهض جماعيًا بمسؤوليات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، موضحًا أن الإيمان لا يستقيم في ظل العزلة الفردية التي تقود إلى العجز، وإنما من خلال التجمُّع في كيان جماعي مؤمن.
وفي هذا السياق، لفت إلى أن لوطًا عليه السلام لم يكن مجرد مؤمنٍ بإبراهيم عليه السلام، بل كان مناصِرًا ومعاونًا ومهاجرًا معه، وهو ما تعبّر عنه الآية الكريمة: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ}، في دلالة على دور المساندة العملية إلى جانب الإيمان النظري.
وأكَّد السيد القائد أن اختيار بلاد الشام كمحطة للهجرة كان بتدبيرٍ إلهي، لكونها أرضًا مباركة {بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ}، وكانت في ذلك الزمن متحررة من سيطرة الطغاة كالنمرود، مما أتاح لإبراهيم عليه السلام بيئة أفضل للحركة بالدعوة والرسالة دون مضايقات أو اضطهاد.
وفي ختام الدرس، تطرّق السيد القائد إلى الجوانب الإنسانية في دعاء إبراهيم عليه السلام، حيث قال: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ}، مبيِّنًا أن الصلاح عنوان جامع لكل الصفات الراقية التي تُطلب في الذرية، من الرشد إلى الأخلاق إلى الزكاء النفسي، وأن الله بشّره بغلامٍ حليم، في إشارة إلى صفة عظيمة قال عنها تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ}، مبيّنًا أن الحلم يشمل التوازن السلوكي والعقلي في مختلف المواقف، لا سيما في لحظات الغضب والاستفزاز.
وهكذا قدَّم السيد القائد في هذا الدرس قراءة عميقة لمعنى الهجرة، بوصفها خيارًا رساليًّا، والتزامًا إيمانيًّا، وتحوّلًا جماعيًّا، ونقلةً مباركةً على طريق إقامة الدين، مستلهِمًا من سيرة خليل الرحمن دروسًا خالدة في الثقة بالله، والانتصار للحق، وبناء الأمة الصالحة.