ازدواجية فاضحة.. صمتٌ عن اغتيال 200 عالم وشيخ دين وخطيب مسجد في عدن، وتصعيد إعلامي على مقتل “حنتوس” واحد!
في مشهد يعكس مستوىً مروعًا من الفجور السياسي والازدواجية، يظل ملف اغتيالات العلماء والمشايخ والخطباء في عدن طيّ الكتمان؛ حيث سقط أكثر من 200 منهم بين عامي 2015 و2017، في سلسلة اغتيالات منظمة استهدفت قلب النسيج الروحي والاجتماعي للمدينة، برعاية وتمويل مباشر من الإمارات والسعودية، وبغطاء استخباراتي أمريكي، ومباركة من ما يُسمى بـ”الشرعية اليمنية” المزيفة.
يمني برس | عبد الرحمن العابد
وفي إطار أوسع، كشفت منظمة رايتس رادار لحقوق الإنسان في العالم العربي عن ارتكاب 451 حالة اغتيال وإعدام ميداني في اليمن بين عامي 2014 و2019، مما يعكس عمق الأزمة الأمنية وانتشار العنف المنهجي في البلاد.
في المقابل، أُقيمت الدنيا ولم تُقعد على مقتل شخص واحد فقط يُدعى “حنتوس”، والذي استُغل إعلاميًا وسياسيًا لتبرير حملات أمنية وعسكرية، رغم أنه ليس سوى عنصر مضطرب، متورط في تجنيد مقاتلين لحساب دول العدوان، ومواجهة رجال الأمن بالسلاح.
هذا التناقض في المواقف والتعاطي السياسي يكشف حجم الفجور والازدواجية التي يتعامل بها الإعلام والسلطات مع قضايا الأمن والاستقرار.
استهداف ممنهج لعلماء السنة ومشايخهم.. مئات الضحايا في صمتٍ مطبق
بين عامي 2015 و2017، شهدت عدن موجة اغتيالات مروعة استهدفت مئات العلماء والمشايخ والخطباء.
لم تكن هذه الاغتيالات أعمالًا فوضوية، بل خطة ممنهجة تهدف إلى القضاء على الأصوات التي تعارض النفوذ الإماراتي والسعودي، وتسعى لتفكيك النسيج الاجتماعي وتحطيم الروح المجتمعية.
تنوعت أساليب التنفيذ بين الاعتداء بالرصاص، وزرع العبوات الناسفة، وتفخيخ السيارات، وحوادث مرور مفتعلة، ما يشير إلى عمليات احترافية نفذتها فرق مدرّبة ومنظمة، مدعومة ماليًا واستخباراتيًا من أطراف إقليمية ودولية.
تورط الإمارات والسعودية والغطاء الأمريكي.. أدوات الاعتداء والمنفذون
تكشف تقارير صحفية وتحقيقات دولية، مثل BBC وBuzzFeed، أن الإمارات كانت الراعي الرئيسي لهذه العمليات، مستعينةً بشركات أمنية أمريكية خاصة، مثل “Spear Operations Group” لتنفيذها. أما السعودية، فقد وفرت التمويل والدعم للعصابات المحلية المنفذة، لإحداث الفوضى.
تم كل ذلك تحت غطاء ما تُسمى بـ”الشرعية اليمنية”، التي تغض الطرف أو تتواطأ مع هذه الجرائم، مما يجعلها شريكة في قتل مئات العلماء والمشايخ، وهي ذاتها التي لا تتحرك إلا عندما يتعلق الأمر بقضية فردية كمقتل “حنتوس”.
أبرز الضحايا.. شخصيات دينية واجتماعية ذات تأثير عميق
سقط في هذه الحملة، الممولة والموجهة من الخارج، العديد من العلماء والمشايخ، من أبرزهم:
الشيخ عادل الشهري: اغتيل أثناء توجهه لصلاة الفجر.
الشيخ فهد اليونسي: استُهدف بتفجير سيارته.
الشيخ ياسين العدني: استُهدف بعبوة ناسفة.
الشيخ عبدالرحمن العمراني: تعرض للاغتيال في ظروف مشابهة.
تقرير رايتس رادار.. 451 حالة اغتيال وإعدام ميداني في اليمن
أصدرت منظمة “رايتس رادار” تقريرًا حقوقيًا مفصلًا بعنوان: “اليمن: اغتيال الحق في الحياة” في سبتمبر 2019، رصدت فيه 451 حالة اغتيال وإعدام ميداني حتى يوليو 2019، من بينهم 118 مدنيًا و332 عسكريًا وأمنيًا.
جاءت محافظة عدن في مقدمة المحافظات التي شهدت هذه الجرائم بـ134 حالة، تلتها تعز بـ113 حالة، ثم أبين ولحج بـ32 حالة لكل منهما.
أكد التقرير أن الضحايا قُتلوا بالرصاص، أو بالعبوات الناسفة، أو بأساليب أخرى، وسُجلت أيضًا العديد من الإصابات في محاولات اغتيال فاشلة.
كما دعا إلى إجراءات جادة لإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، وملاحقة المتورطين، وفتح تحقيق دولي في تقارير استئجار الإمارات لمرتزقة أجانب لتنفيذ تلك العمليات.
تأثير موجة الاغتيالات على النسيج الاجتماعي والأمني
أدت هذه الاغتيالات إلى زعزعة الأمن، وخلق فراغ فكري وديني، وبثّ أجواء من الخوف والارتباك في أوساط السكان، كما ساهمت في تفكيك النسيج الاجتماعي، وتعطيل الدور الإيجابي للعلماء والمشايخ في تثبيت الأمن والاستقرار.
قضية “حنتوس”.. استغلال إعلامي وسياسي مبالغ فيه
في الوقت الذي سكتت فيه وسائل الإعلام والسلطات عن مئات الاغتيالات، ضُخِّمت قضية مقتل شخص يُدعى “حنتوس”، رغم كونه عنصراً معرقلًا للأمن، ومرتبطًا بدول العدوان، ومشاركًا في تجنيد مقاتلين للحرب في مأرب، وقيامه بمواجهة رجال الأمن بإطلاق النار.
استُغلت الحادثة إعلاميًا وسياسيًا لتبرير حملات أمنية وعسكرية، مع تجاهل كامل للفظائع الحقيقية التي طالت العلماء والمشايخ.
هذا التناقض الفجّ في المواقف يكشف عن ازدواجية مدمّرة تضر بالأمن الوطني والاستقرار الاجتماعي.
من يلتزم الصمت أو يتواطأ على اغتيال مائتي عالم وشيخ على أيدي قتلة محترفين وجهات خارجية، لا يملك الحق في إقامة الدنيا على قضية واحدة مفروضة كـ”حنتوس”.
ينبغي إعادة النظر فورًا في هذه السياسات، وفتح تحقيقات جادة لكشف الحقيقة الكاملة، ووضع حدّ للعبث بمصير اليمن وشعبه على يد أدوات خارجية ومحلية متواطئة.