وعد الآخرة
يمني برس | جهاد اليماني
{وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا} [الإسراء: 4]
{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ۚ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}
في هذا التاريخ بالتحديد، يتجلّى بوضوح معنى العلو والاستكبار الذي وصل إليه بنو إسرائيل، ومعنى قسوة القلب التي أصابتهم؛ فتجاوزت كل الحدود، وتعدّت كل الضوابط، وخرجت عن نطاق التصوّر !
فالبشر من غير جنسهم ليسوا إلا “حيوانات بشرية” لا حقّ لها في الحياة، ولا بأس في قتلهم، وحرقهم، وتجويعهم، وإبادتهم، ما دام ذلك سيوفّر الأمان لشعب إسرائيل !
وفي هذا التاريخ بالتحديد، يتجلى بوضوح قوله تعالى:
{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}
الإنسان أمانةُ أخيه الإنسان، بعيدًا عن الدين والعرق والقومية…
فكيف ضيّع ذلك الظلوم الجهول الأمانة؟!
كيف غضّ الطرف، والتزم الصمت، وتعمّد التجاهل، وواصل حياته دون اكتراث بما أصاب أخاه في الإنسانية من قهر وسحق وظلم؟!
كيف هان الإنسان على أخيه، فبات يشاهده يذبل حتى يفارق الحياة جوعًا، دون أن يحطّم القيد ويجتاز الحدود لإنقاذه؟!
كيف غدا يُقلب صور الجياع في هاتفه وعلى شاشات التلفزة وقد غارت العيون، ويبست الشفاه، والتصق الجلد بالعظم، ثم يعود لإكمال يومه وكأن شيئًا لم يكن، وكأن من يشاهدهم من كوكبٍ آخر لا تعنيه مأساتهم ولا تخصه؟!
أي توحّش أصاب القلوب وفتك بالأرواح كالذي نشاهده اليوم؟!
قطعة صغيرة من الأرض تُسمى “غزة” يُفتك بها، يُحاصرها، يُحرقها شرذمةٌ من أعداء الله وقتلة أنبيائه ورسله !
يتلذّذ بسحقها وتجويعها وإذلالها حثالةُ البشر وأرذلُ الخلق!!
وحثالة أخرى تتوزّع على البسيطة، تشاهد المأساة بصمت، لا تحرك ساكنًا، ولا تسعى لإيقاف المذبحة، أو إلجام القاتل بقول أو فعل !
عدا ثلّة من الأحرار والشرفاء لم تهُن عليهم غزة، لم يتفرّجوا بصمت، بل ملؤوا سمع الدنيا هديرًا وزئيرًا، وأربكوا العالم برًّا وبحرًا، وتصدّرت أخبار بطولاتهم وغيرتهم ونصرتهم عواجل الأخبار، ووضعوا الصامت والمتخاذل والمتحجّج على المحك!
ومع كل حدث ومناسبة، يصدح قائدهم بخطابات الوعي والبصيرة، يبيّن الحق، يوقظ الضمائر، يشحذ الهمم، يقيم الحجة، يُذكّر الأمة بمسؤولياتها، ومكامن قوّتها، وإمكانية سحق عدوّها إن هي نهضت، واستيقظت، ونفضت غبار الذل، وتمسكت بدينها وقرآنها وأعلام هدايتها.
إنه اليمن، وإنهم اليمنيون، وعلى أيديهم بإذن الله سيبزغ الفجر، وتسطع شمس الخلاص، ويتحقّق وعد الآخرة.
{إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا}