المنبر الاعلامي الحر

ترامب وغزة.. تقلبات ظاهرية وموقف ثابت!!

ترامب وغزة.. تقلبات ظاهرية وموقف ثابت!!

يمني برس | يحيى الربيعي
تتكشف ملامح الموقف الأمريكي تجاه الأحداث الدامية في قطاع غزة كلوحة معقدة تحمل في طياتها تناقضات ظاهرية، لكن جوهرها يكشف عن دعم ثابت لتوجهات الاحتلال الإسرائيلي. فعلى الرغم من التصريحات المتضاربة التي يدلي بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فإن التحليل العميق لهذه المواقف يزيح الستار عن سياسة ثابتة تدعم سياسات بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي.
تُظهر تصريحات ترامب تذبذباً لافتاً؛ فبينما يعلن في وقت أن “لا مجاعة ولا تجويع في قطاع غزة”، يعود ليؤكد عكس ذلك تماماً، مشيراً إلى ضرورة سماح الكيان الإسرائيلي بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية. هذا التخبط الظاهري يثير تساؤلات حول حقيقة الموقف الأمريكي، إلا أن هذه التصريحات المتناقضة لا تحمل مصداقية كاملة. فالموقف الأمريكي والرئيس ترامب واضح جداً في تبنيهما سياسة نتنياهو التي تقوم على التجويع والإبادة والتهجير القسري للشعب الفلسطيني من قطاع غزة.

اعتراف بالمجاعة وضوء أخضر
على النقيض من ذلك تماما، وفي تقرير أعده لوك بروووتر ومايكل دي. شير لصحيفة “نيويورك تايمز” قالا إن الرئيس الأمريكي اعترف يوم الإثنين بوجود مجاعة في غزة، وبعد تجاهله الموضوع، حتى مع تحذير قادة العالم والمنظمات الإنسانية من أن أكثر من 20 شهرا من القصف الإسرائيلي والقيود على المساعدات قد تركت ما يقرب من مليوني فلسطيني في حالة جوع.
وفي حديثه للصحافيين في اسكتلندا خلال جلسة أسئلة وأجوبة استمرت 75 دقيقة مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، قدم السيد ترامب وعدا غامضا بفتح ممرات غذائية جديدة في غزة، لكنه لم يذكر شيئًا عن كيفية إدخال الولايات المتحدة للمساعدات إلى القطاع المدمر إلى حد كبير. وقال ترامب: “نحن نقدم المال والأشياء”، مضيفا أنه سيطلب من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ضمان وصول الطعام إلى المحتاجين إليه. “أريد التأكد من حصولهم على الطعام، كل أونصة منه”.
قدم ترامب وعدا غامضا بفتح ممرات غذائية جديدة في غزة، لكنه لم يذكر شيئًا عن كيفية إدخال الولايات المتحدة للمساعدات إلى القطاع المدمر إلى حد كبير وعندما حطت طائرته في اسكتلندا قبل خمسة أيام في جولة تجمع ما بين لعب الغولف والدبلوماسية، عبر ترامب عن انزعاجه من عدم تلقيه الشكر الكافي على تقديم المساعدات الأمريكية إلى غزة، وأن على الدول الأخرى بذل المزيد من الجهود لمساعدة الأطفال الذين يعانون من الجوع هناك. وقال ترامب يوم السبت: “لم يقل أحد، يا إلهي شكرا جزيلا، وسيكون من الجميل لو تلقينا كلمة شكر واحدة”.
لكن بعد سلسلة من الاجتماعات مع القادة الأوروبيين، بمن فيهم ستارمر وأورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بدأ ترامب يردد اللغة اليائسة للقادة الآخرين: قال إن هناك “مجاعة حقيقية” في غزة، وستبذل الولايات المتحدة المزيد للمساعدة. وقال: “هذه مجاعة حقيقية، أراها، ولا يمكنك تزييفها. علينا أن نطعم الأطفال”.
وفي سياق مغاير مع ما سبق، أشارت تسريبات وتقارير إلى أن ترامب منح الضوء الأخضر للكيان الإسرائيلي للقيام بأي عدوان بهدف ضم قطاع غزة، وهو ما يدعمه قرار الكنيست الإسرائيلي الذي صدر مؤخراً ويسعى إلى ضم الضفة الغربية وتصريحات سمويترش وبن غفير عن ضم قطاع غزة. هذا الضوء الأخضر يأتي ليس فقط من ترامب ووزير خارجيته، بل أيضاً من شخصيات سياسية أمريكية مؤثرة، مثل السيناتور ليندسي غراهام، الذي دعا علناً إلى ضم قطاع غزة بالكامل، بل ذهب إلى حد الدعوة لضرب القطاع بالسلاح النووي، على غرار ما حدث في هيروشيما وناغازاكي، لإنهاء الحرب.

تداعيات الموقف الأمريكي على الأزمة الإنسانية ووقف إطلاق النار
لو كان الموقف الأمريكي معارضاً لسياسات الكيان الإسرائيلي، لكان أوقف العدوان وسمح بدخول المساعدات الإنسانية والغذائية دون قيود، ووفقاً للآليات المتفق عليها عبر مؤسسات الأمم المتحدة. لكن الواقع يكشف عن دعم مستمر ومباشر، ما يجعل وقف إطلاق النار أمراً بعيد المنال في ظل الإدارة الأمريكية الحالية.
يرى محللون أن الرئيس الأمريكي لم يقدم أي ضمانات لوقف إطلاق النار، حتى خلال المفاوضات التي جرت بين الفصائل الفلسطينية والكيان الإسرائيلي في الدوحة. رفض ترامب تقديم ضمانات بعد انتهاء فترة الستين يوماً، وهو ما يؤكد دعمه للكيان الإسرائيلي لاستئناف الحرب بعد أن يستعيد الأسرى. هذا الرفض يُعتبر بمثابة “ضوء أخضر” أمريكي لعدوان جديد قد يكون أسوأ، وقد يتضمن إجراءات عملية لتهجير السكان من قطاع غزة، وهو ما يتوافق مع الخطة الإسرائيلية المعلنة سابقاً لضم القطاع ونقل سكانه من الشمال إلى الجنوب.

إنكار الجرائم ودعم الأهداف الإسرائيلية
يؤكد ترامب وإدارته رفضهم الاعتراف بوجود جرائم حرب أو إبادة جماعية في قطاع غزة، وهو ما يتجلى في تصريحات ترامب الأخيرة التي نفى فيها “وجود مجاعة”. هذه المواقف والتصريحات تؤكد الموقف الأمريكي الحقيقي الذي يدعم نتنياهو بشكل كامل. إن الضغوط والانتقادات الدولية التي تواجهها الإدارة الأمريكية بسبب دعمها للكيان الإسرائيلي تدفعها أحياناً إلى الإدلاء بتصريحات توحي بالضغط على الكيان الإسرائيلي أو الرغبة في توسيع مراكز توزيع المساعدات، لكنها في جوهرها مجرد محاولات لامتصاص الغضب الدولي، بينما الحقيقة أن الرئيس الأمريكي يفتقر للمصداقية في هذا الصدد.
الهدف الأساسي من سياسات الكيان الإسرائيلي، بدعم أمريكي، هو تهجير الشعب الفلسطيني من قطاع غزة. وهذا ما تجلى بوضوح في لقاء ترامب مع الضيف الاسكتلندي في اسكتلندا، حيث قاطع ترامب صحفياً سأله عن تهجير سكان غزة، منكراً أنه يرغب في ذلك، رغم أنه هو من دعا في السابق إلى تهجير الشعب الفلسطيني وإعادة بناء غزة لتصبح “ريفيرا الشرق الأوسط”.
لقد ضغط ترامب على مصر والأردن ودول أخرى لاستقبال الفلسطينيين. بل واستنكر ترامب انسحاب شارون من قطاع غزة عام 2005، معتبراً ذلك خطأ، ومؤكداً أن على الكيان الإسرائيلي أن يفعل ما يريد في القطاع. هذه التصريحات، المتزامنة مع دعوات السيناتور ليندسي غراهام المتطرف، تؤكد أن الإدارة الأمريكية ماضية في دعم نتنياهو في التهجير واستمرار العدوان على قطاع غزة.
الموقف الأمريكي واضح جداً في دعمه لسياسات الاحتلال وتوجهات نتنياهو، حتى لو كان ذلك على حساب التكلفة البشرية الباهظة في قطاع غزة. وهذا ما أكده أيضاً محللون إسرائيليون بأن الكيان الإسرائيلي يحاول فقط تلميع صورته فيما يخص المساعدات الإنسانية من أجل الدخول في عملية عسكرية أكبر في قطاع غزة.

قد يعجبك ايضا