المنبر الاعلامي الحر

بين خيارين

بين خيارين

يمني برس | بقلم _ الدكتور : فاضل الشرقي

أن يضعك العدو بين خيارين لا ثالث لهما سلوك إجرامي دأب عليه المجرمون والطغاة عبر التاريخ مهما اختلفت عناوينهم ومسمياتهم وأزمنتهم وأمكنتهم، فالعدو لا يترك أي متنفس لخيار وسط فيه مساحة للسلام والأمن والإستقرار، ولا حتى المتبادل، ولا يقابل أي جهود ومساع ونوايا حسنة بخيار بين الخيارين، فخياراته دائما بين السلة والذلة، والكرماء الشرفاء الأخيار لا يقبلون الذلة ولا يساومون أبدا، وأشباه الرجال يقبلون فورا بالذلة والعبودية والخنوع والإستلام.

يردد التاريخ ومعه الزمن هتاف الأسلاف الأباة الأحرار: «هيهات منا الذلة» بكل شموخ واعتزاز، وتعزفه أيقونة الحرية والسيادة والإستقلال نشيدا لا يقبل التنازلات والإنبطاح، ويترجمه خلفهم بقبضاتهم وصيحاتهم ودمائهم وتضحياتهم وانتصاراتهم التي تعلو ولا يعلى عليها شيء أبدا، وفي مقدمتهم أمة «حزب الله» الأسياد، فخر الزمان، وعز الحاضر، وتاج الحرية.

من المعلوم أن الإتكاء على الدولة اللبنانية والتلطي خلفها لحماية الوطن والشعب لا يجدي نفعا، فما بالك بحكومة جاءت من الخارج في مهمة مفضوحة لتجريد لبنان من كرامته وحريته وسيادته واستقلاله، وسلبه مجده وعزه ونصره وتضحياته.

حزب الله والمقاومة الإسلامية اللبنانية الذين قدموا عشرات آلاف الشهداء والجرحى وجمهورها الكريم العابر للطوائف والمذاهب والأحزاب والجماعات والعابر للبنان والمنطقة برمتها لن يسمحوا أبدا بتمرير قرار نزع السلاح المقاوم، وتسليم لبنان وأرضه وشعبه للعدو الإسرائيلي وأدواته، لأن ذلك يعني تسليم ما بقي من كرامة للعرب والمسلمين والمجاهدين والمقاومين والأحرار.

لذا يجب عدم التهادن في مواجهة هذه القرارات العدوانية حتى لا تتطور الأمور لتحركات مباغتة ومفاجئة بالإنتشار الأمني المعادي في مناطق المقاومة، والتطور أكثر لمداهمتها على حين غرة، فقرار الزج بالجيش اللبناني والقوى الأمنية في مواجهة المقاومة وجمهورها جدي وعاجل، والدفع للسير بلبنان في ركاب التطبيع أكثر عجلة وجدية.

صحيح أن الجيش اللبناني ضعيف لا يستطيع الوقوف أمام الإحتلال الإسرايلي، ولا حماية بلده وشعبه، لكن إذا ما حُرِّك الجيش والأمن في مواجهة الداخل اللبناني وضرب بعض طوائفه ومكوناته فسيتنمر ويتوحش، ويحظى بكل الدعم والإسناد، وسيغدوا بطلا شجاعا مقداما مغوارا، وستعزف له أناشيد التمجيد والتبجيل من الرياض حتى واشنطن، ويصفق له ويطبل، ويهلل ويكبر، ويدعى له في كل المنابر بما فيها الحرمين الشريفين، وسينعت حينها بكل صفات الجهاد والمقاومة والتحرير والوطنية والعروبة، فينبغي التنبه من الإطمئنان لهذا المبرر والواقع المعهود، فالمعادلات والوقائع تتغير سريعا، وتحمل مفاجآت كبيرة.

كذلك إذا لم يحرك الشارع ويسبق إليه فستموت الديمقراطية والحرية، وتحظر التظاهرات، وتمنع التجمعات السلمية وتجرم، وتقام الحواجز في كل مكان، أو في أحسن الأحوال سيسبق أدوات الخارج لتحريكه في الإتجاه المعاكس لإبراز موقف شعبي داعم للقرار وضاغط في تنفيذه، ولإظهاره كمطلب وطني شعبي يقف الشعب خلفه ويصطف حوله، وليس مطلبا خارجيا، ولا إملاءات مفروضة من أحد.

بكل تأكيد هناك جمهور كبير للمقاومة في كل المكونات والطوائف يرفض هذا القرار جملة وتفصيلا، ويأبى التفريط بالسيادة والكرامة، والإنبطاح والتبعية، والتعبير الشعبي بالرفض المطلق للقرار وصانعيه سيهز أركان الداخل والخارج المتواطئ والعميل، ويسقط القرار وكل المتساوقين معه داخليا وخارجيا.

لا نحبذ ترك الحبل على الغارب بما يوحي ويفيد أن هناك شبه فوضى وتفلت في البنية التنظيمية، بل يجب الحفاظ على هذا الجمهور القوي المقاوم حتى لا يشعر بالإستضعاف والخذلان والهوان، ويصاب باليأس والإحباط.

صحيح أن آمال وأطماع العدو كبيرة وأهدافه خطيرة، فهو إن لم ينجح في تنفيذ هذه القرارات سريعا ومباشرة، يسعى لتحقيق أهدافها ومفعولاتها في إشعال فتيل الحرب والفتنة الداخلية والأهلية في لبنان، وضرب الدولة والجيش والطوائف والمكونات ببعضها البعض بما يفضي لتحقيق هذه الغايات والأهداف القذرة مستقبلا.

وصحيح -أيضا- أن الوضع السياسي اللبناني مختلف عن غيره من البلدان العربية، فهو معقد ومتشابك ومحكوم بالتوافق، لكن ينبغي عدم التعويل على شيء من ذلك أبدا، فالتوجه قائم على قدم وساق لتجاوز كل التوافقات والميثاقيات والإتفاقيات والمرجعيات، وسيتم القفز على اتفاق الطائف، والدستور، والتوافق، والشراكة ما لم يكن هناك قوة رادعة توقف هذا التهور السريع.
والأكثر صحة -وهو ما ينبغي تيقنه والتعامل معه بجدية- أن وراء قرار نزع السلاح جهد وإرادة وعمل منظم ومخطط، وأنه مطروح للتنفيذ، وأنه ليس كلاما في الهواء ولا حبرا على ورق، وأن قرار دفع الجيش وقوى الأمن وجماعات أخرى لنزع سلاح المقاومة والإشتباك معها جدي وحاسم، لذا ينبغي التنبه الجاد والعمل الدؤوب والتحرك العاجل لتفادي ما لا يمكن تفاديه فيما بعد بأكبر الخسائر والتضحيات..

قد يعجبك ايضا