عفاش وعقود من النهب
يمني برس | بقلم : محمود السفياني
لم يعرف اليمن في تاريخه الحديث مرحلة أكثر فسادًا ونهبًا وخيانة من الحقبة التي حكم فيها علي عبدالله صالح وعائلته، والتي استمرت أكثر من ثلاثة عقود، تحولت خلالها موارد البلاد إلى حسابات خارجية، ومؤسسات الدولة إلى هياكل خاوية، فيما ظل الشعب غارقًا في الفقر والأزمات.
تزامن كشف ملفات هذه المرحلة مع التصعيد الأمريكي الإسرائيلي لإشعال الداخل اليمني، عبر إعادة تفعيل أدواته المتمثلة في أبناء صالح ومقربيه، في محاولة لصرف الأنظار عن الإسناد اليمني للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، غير أن الذاكرة الوطنية ما زالت تحفظ جيدًا سجل هذه العائلة المظلم.
منذ توليه السلطة عام 1978، اتبع صالح سياسة إدارة الأزمات لا حلها. أشعل حروب المناطق الوسطى، وأدار حرب الانفصال في الجنوب، وخاض حروب صعدة، وقمع الحراك الجنوبي، واستثمر ملف الجماعات التكفيرية، لتظل البلاد في حالة فوضى تخدم بقاءه في الحكم.
بحسب دراسة للمعهد الملكي البريطاني في 2010، تحولت الدولة اليمنية في عهد صالح إلى “ثقب أسود” ابتلع ما يزيد عن 30 مليار دولار من عائدات النفط بين عامي 1990 و2011، عدا الأموال المهربة إلى بنوك الخليج وأوروبا وأمريكا.
احتكرت شركات تابعة للعائلة، أبرزها “ذكوان للبترول”، تجارة المشتقات النفطية، فيما كانت فروقات الأسعار وعمليات التهريب تدر مليارات الدولارات على المقربين من صالح، بينما خسرت الخزينة العامة مليارات أخرى.
ركزت عائلة صالح على نقل الأموال المنهوبة إلى الخارج، خصوصًا الإمارات ومصر وأوروبا، لشراء عقارات وفنادق وشركات، في حين لم تُسجّل استثمارات حقيقية في الداخل. وتعمد النظام إبقاء غالبية الشعب في حالة فقر وبطالة، معتمداً على شبكة ولاءات قبلية وسياسية تتحكم في مفاصل الدولة.
فرض النظام، بالتنسيق مع مؤسسات دولية، سياسات أطاحت بالاكتفاء الذاتي الزراعي، وأغرقت السوق بالمنتجات المستوردة، خاصة الأمريكية والإسرائيلية والبريطانية، ما أفقد اليمن سيادته الاقتصادية وحوّل رأس المال المحلي إلى مجرد وكيل لوسطاء خليجيين.
وثائق دولية وتحقيقات صحفية، منها تقارير “الغارديان” و”فورين بوليسي”، كشفت عن علاقات سرية بين نظام صالح والمخابرات الإسرائيلية “الموساد”، ودعم إسرائيلي مباشر خلال حرب 1994، إلى جانب تعاون أمني وعسكري واسع مع الولايات المتحدة، شمل إنشاء أجهزة أمنية تخدم مصالح واشنطن.
تركت هذه المرحلة إرثًا ثقيلًا من الانهيار المؤسسي، والفساد المستشري، وفقدان السيادة الاقتصادية، وهو ما مهد الطريق أمام العدوان الأمريكي السعودي عام 2015 لاستكمال تدمير ما تبقى من مقدرات البلاد.