المنبر الاعلامي الحر

عقدُ السماء وبيعة الدماء

يمني برس | كتبت/سعاد الشامي

“إنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْـمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ”
هذه الآية الكريمة ليست مجرد وعد، بل هي عقدُ سماوي أزلي، تشرق حروفه بنور العظمة واليقين، وكأنها توقيع رباني على صدور المؤمنين أن أرواحهم التي تسكن أجسادهم لم تعد ملكهم، بل أصبحت ممهورة بختم العرش، وأن أموالهم لم تعد مجرد متاع فانٍ، بل أضحت سلعة تشترى بالجنة ، إنها صفقة الله التي لا يخسر فيها المؤمنون شيئًا، بل يربحون الخلود في جنات النعيم!
“يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ”
في هذه الكلمات تتجلى فلسفة الجهاد الحق، لا جهاد الطمع أو الهوى، بل العبادة المقدسة التي يقف الشهيد فيها على ثغر الأرض وهو يعلم أنه في ثغر السماء.
“يقتلون ويُقتلون”
يُظهر التكافؤ بين النصر والشهادة؛ فكلاهما انتصار ،فإن قُتل المؤمن فقد فاز، وإن قتل عدوه فقد نصر الحق.
“وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ”
هذا الوعد ليس حديث عهدٍ بزمان، بل هو وعد قديم، خطه الله في كل كتاب سماوي، وكأن دماء الشهداء خيط يربط التاريخ من عهد موسى وعيسى عليهما السلام إلى محمد صلوات ربي عليه وعلى آله ، لأنها سنة ربانية ثابتة فالأرض لا تعتز إلا بدماء الشهداء، و قوافل المجاهدين هم حملة الرسالة جيلاً بعد جيل.
“وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ”
تساؤل ترجف عنده القلوب! فهل يوجد وفاء أعظم من وفاء الله؟!
إن البشر قد يغدرون، والدنيا قد تبيعك بأبخس الأثمان، أما الله سبحانه فقد ضمن الصفقة بنفسه، فلا خوف على من باع نفسه لله، فقد ربحها أبد الآبدين.
“فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ”
إنها بشارةُ سماويةُ تلامس وجدان كل مجاهدٍ وشهيد ، فالبشارة ليست بالكلام، بل بالجنة التي تنتظرهم، بالرضوان الذي يسبقهم، وبالملائكة التي تحفهم عند خروج أرواحهم.
وفي زمنٍ الذل والانبطاح سطعت نور هذه الآية في قلوب أحرار الأمة كمنارةٍ تهدي الأمة نحو درب التضحية والفداء ، لقد صدق وزراء اليمن ورئيس وزرائها حين ترجموا هذه الآية بدمائهم، فلم يجعلوا من مناصبهم حصونًا تحميهم من الموت، بل تحولت إلى منابر شهادة ، و قدموا للعالم درسًا في أن القيادة ليست امتيازًا دنيويًا، بل مسؤولية تكتب سطورها بالدماء.
حين استهدفت الصواريخ الإسرائيلية رئيس وأعضاء حكومة التغيير والبناء واعتبرت ذلك نصرًا حاسمًا ؛لم تدرك أن هؤلاء سبق وقد باعوا أرواحهم لله بثمنٍ أغلى وهو الجنة.
كانت لحظة استشهادهم إعلانًا أن اليمن لاتزال الساحة التي يخط فيها العظماء دروس العزة والكرامة ، يرحلون إلى خالقهم وهم يبتسمون لوعدٍ سماوي قطعه لهم هذه الآية.

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com