الارتباط بأهل البيت في ذكرى المولد النبوي الشريف: منهج النجاة وبناء الأمة
في قلب الرسالة الإسلامية، يتجلى مفهوم الارتباط بأهل البيت عليهم السلام كركيزة أساسية لضمان استمرارية الهداية وصلاح الأمة بعد رحيل النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، لم يكن هذا الارتباط مجرد عاطفة أو ولاء شخصي، بل هو امتداد طبيعي لرسالة النبوة، وضمانة إلهية لصيانة الدين من التحريف والضلال، وفي ذكرى المولد النبوي الشريف، تتجدد هذه العلاقة الروحية والفكرية، لتذكر الأمة بمسؤوليتها في التمسك بالثقلين: كتاب الله وعترة أهل بيته، الذين لا يفترقان حتى يردا على الحوض.
هذا التقرير سيتناول أهمية هذا الارتباط، مستعرضًا الشواهد من السنة النبوية الشريفة، وكيف يمكن لذكرى المولد النبوي أن تكون فرصة لتعزيز هذا الولاء، وبناء أمة قوية موحدة، قادرة على مواجهة التحديات وتحقيق النصر والعزة.
يمني برس | تقرير خاص
أولاً: التمسك بالثقلين: كتاب الله وعترة أهل البيت – صمام أمان الأمة
يُعد حديث الثقلين من الأحاديث المتواترة والمهمة في الإسلام، والذي يؤكد على أن النجاة من الضلال تكمن في التمسك بكتاب الله وعترة أهل البيت، لقد قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: “إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض” .
هذا الحديث يُبرز المكانة العظيمة لأهل البيت كمرجعية علمية ودينية، وأنهم امتداد لرسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إن هذا التمسك بالثقلين ليس خيارًا، بل هو ضرورة حتمية لضمان عدم انحراف الأمة عن الصراط المستقيم، فالقرآن الكريم هو الدستور الإلهي، وأهل البيت هم المفسرون الحقيقيون له، والقدوة العملية لتطبيق تعاليمه.
إنهم يمثلون الحصن المنيع الذي يحمي الأمة من التفرق والاختلاف، ويوجهها نحو الوحدة والاعتصام بحبل الله المتين.
إن الأمة التي تبتعد عن هذين الثقلين، تقع لا محالة في فخ الضلال والتيه، وتصبح عرضة للانقسامات والصراعات الداخلية، وتفقد بوصلتها التي توجهها نحو أهدافها السامية، لقد حذر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من مغبة التفرق والاختلاف، ودعا إلى الوحدة والاعتصام، وهذا لا يتحقق إلا بالتمسك بالقيادة الربانية المتمثلة في الرسول وأهل بيته .
ثانياً: حادثة غدير خم وتعيين الإمام علي – استمرارية القيادة الصالحة
يُفرد كتاب “مع الرسول والرسالة” مساحة خاصة لحادثة غدير خم، التي وقعت بعد حجة الوداع، حيث قام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بتعيين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وليًا للمؤمنين، فقد قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: “من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه” .
هذه الحادثة تُعد من الأدلة القوية على مكانة الإمام علي وأهل البيت، وأن ولايتهم هي امتداد لولاية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
إن هذا التعيين يُعد جزءًا لا يتجزأ من رسالة النبي، ويهدف إلى ضمان استمرارية القيادة الصالحة للأمة بعد وفاته، فالقيادة في الإسلام ليست مجرد سلطة، بل هي مسؤولية عظيمة تجاه حياة الناس وأموالهم وأعراضهم وكرامتهم، وقد أكد القرآن الكريم على أهمية القيادة الصالحة التي تلتزم بمنهج الله، وتعمل على هداية الناس إلى الخير .
إن تعيين الإمام علي عليه السلام في غدير خم، يؤكد على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يترك الأمة دون مرجعية واضحة بعده، بل أقام لهم من يكمل مسيرة الهداية ويصون الدين.
ثالثاً: المولد النبوي وتعزيز الارتباط بأهل البيت – تجديد العهد والولاء
تُعد ذكرى المولد النبوي الشريف فرصة عظيمة لتعزيز الارتباط بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم وآله الأطهار، فإحياء هذه الذكرى يذكّر الأمة بمسؤوليتها في التمسك بالثقلين، كتاب الله وعترة أهل البيت، لضمان عدم الضلال.
إن الاحتفال بالمولد النبوي ليس مجرد عادة أو تقليد، بل هو مناسبة لتجديد العهد بمنهج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، الذي هو منهج الرحمة والعدل والوحدة، وهذا المنهج لا يكتمل إلا بالتمسك بأهل بيته الذين هم ورثة علمه وحكمته، إن هذه الذكرى تدعونا إلى تجاوز الخلافات البينية التي أصابت مسيرة الأمة بالشلل التام، والاجتماع على كلمة الحق التي هي مصدر قوة الأمة وعزتها.
كما أن المولد النبوي يمثل مناسبة لتوحيد الأمة وتوجيهها نحو عدوها الحقيقي، من خلال التمسك بمنهج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته في مواجهة الظلم والطغيان.
خاتمة
في الختام، يتضح أن الارتباط بأهل البيت عليهم السلام هو جزء لا يتجزأ من الارتباط بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وهو سبيل النجاة من الضلال وبناء أمة قوية ومتماسكة.
إن إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف يمثل فرصة ثمينة لتعزيز هذا الارتباط، وتجديد الولاء للرسول وآله، مما يمكن الأمة من مواجهة التحديات وتحقيق النصر والعزة. إنها دعوة للعودة إلى جوهر الرسالة المحمدية، التي قامت على أسس الرحمة والعدل والوحدة، والتي لا تزال قادرة على إخراج البشرية من الظلمات إلى النور، ومن القسوة إلى الرحمة، ومن الجهل إلى العلم.