حشود المولد النبوي.. لوحة وعي وتلاحم حضاري
يمني برس | تحليل خاص
لم يكن مشهد الملايين التي خرجت هذا العام في اليمن لإحياء ذكرى المولد النبوي الشريف مجرّد حشد جماهيري تقليدي، بل كان حدثًا استثنائيًا بكل المقاييس، أعاد تعريف معنى الاحتفال الديني، وحوّل المناسبة إلى لوحة حضارية نابضة بالحياة والوعي.
لقد تجسّد في هذا المشهد التلاحم العميق بين الشعب ورسالة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بين العقيدة والواقع، بين المحبة والالتزام، لتتحول الساحات إلى مدرسة حيّة تُدرّس دروس العزة والهوية والانتماء.
وعي يتجاوز العاطفة
ما شهده اليمن لم يكن وليد دعوة آنية ولا نتيجة عاطفة عابرة، بل ثمرة وعي تراكمي صنعته سنوات من الصمود في وجه العدوان، وأثمر جيلاً يعي أن حب الرسول لا يُترجم بالأناشيد والزينة فقط، وإنما بالفعل الملموس والالتزام العملي.
لقد كان المشهد رسالة واضحة أن الولاء للنبي ليس حالة وجدانية مؤقتة، بل منهاج حياة يُترجم في الشارع والساحة والموقف السياسي والثقافي والاجتماعي.
ظاهرة تتخطى الحدود
هذا الحشد المليوني لا يمكن وضعه في إطار المقارنة مع غيره من الفعاليات الإسلامية في بقية البلدان، فهو يتجاوز الحدود الزمانية والمكانية ليكون ظاهرة فريدة، تحمل دلالات كبرى:
ـ تأكيد على ارتباط الشعب بالقرآن الكريم وبالرسول كرمز ومنهج.
ـ إعلان عملي أن الأمة لا تزال قادرة على حماية هويتها من مشاريع التحريف والتغريب.
ـ استفتاء مفتوح على خيار النصرة لفلسطين وكل المستضعفين في زمن الصمت والتخاذل.
مدرسة عملية للهوية
اللافت أن هذا المشهد لم يقتصر على الزينة والألوان والاحتفالات الرمزية، بل تحوّل إلى ممارسة عملية للهوية:
ـ ملايين الجماهير التي خرجت نحو الساحات أكدت أن الولاء للنبي فعل حيّ يتجدد.
ـ الالتزام الجماعي جسّد أن المولد ليس يومًا عابرًا بل منهاج عمل يومي.
ـ وحدة الشعارات والهتافات رفعت صوتًا واحدًا ضد الاستكبار، وكأن الشعب يقول: لقد حددنا بوصلتنا ولن نحيد عنها.
رسالة إلى العالم
لم يمر المشهد مرور الكرام على المراقبين، حتى الخصوم منهم الذين تابعوا بقلق هذه الظاهرة المتصاعدة. ففي وقت تخضع فيه شعوب كثيرة لضغوط التغريب والتطبيع، يظهر اليمن ليؤكد أن الهوية الصلبة قادرة على حماية الأمة من الانكسار، وأن التمسك بالرسول يمكن أن يتحول إلى قوة تغيير حضاري وسياسي.
وعي جماعي متجدد
لقد تحولت ذكرى المولد النبوي في اليمن إلى ظاهرة حضارية وعيٍ جماعي، تُترجم الحب إلى التزام، والولاء إلى مشروع، والاحتفال إلى قوة محرّكة للمستقبل.
إنه مشهد يقول إن المولد النبوي لم يعد مجرّد مناسبة موروثة، بل صار مشروعًا متجددًا يعيد للأمة روحها، ويمنحها بوصلتها، ويصنع من التلاحم الشعبي مدرسة وعي تتجاوز حدود الجغرافيا لتصل إلى الأمة كلها.
نقلان عن 21 سبتمبر