نهاد.. الفتى الذي حمل مصحف أمه فارتقى شهيدًا
يمني برس | لم يبقَ من “نهاد” سوى بقايا عظام وقميص ممزق، وفي جيبه مصحف صغير تحلّل مع جسده، لكنه ظلّ شاهدًا على آخر ما فعله الفتى قبل أن يرتقي. لم يمت نهاد صدفة، بل ارتقى في طريق محفوف بالموت، ليُرضي قلب أمه التي تاقت لمصحفها وملابسها الشتوية.
في الخامسة عشرة من عمره، واجه جيشًا مدججًا بالطائرات والدبابات، فقط ليعود إلى شقة العائلة في مدينة حمد ويُحضر أمانة أمه.
42 يومًا ظلّت الأم تنتظر عودته، قبل أن تجده جثمانًا متحللًا، لا يُعرّفه سوى قميصه ومصحفها.
تقول الأم فلسطين أبو صبرة، والدموع تسبق كلماتها لــ وكالة (صفا): “كنتُ أحدث أهلي أننا قد لا نعود قبل الشتاء، وقلت: سأذهب للشقة وأحضر ملابسي الشتوية ومصحفي. لم أكن أعلم أن نهاد سمعني وقرر أن يسبقني.”
لم تدرِ الأم أن كلماتها العفوية ستتحول إلى “تكليف” في عقل طفلها الصغير، الذي اندفع إلى بيته المدمر خفية، متجنبًا كاميرات الطائرات وقذائف الدبابات الصهيونية، فقط ليحمل مصحفها.
بعد عدوان استمر خمسة أشهر، استطاع أهالي مدينة حمد العودة إلى بيوتهم، وهناك، بين الأبراج المدمرة، وجدوا بقايا جسد نهاد، وقد غطته الأتربة وتحللت ملامحه. لم تتعرف الأم عليه إلا من قميصه البالي، ومن مصحفها الذي وجدتْه مطويًا في جيبه.
تقول الأم بحرقة: “تمنيتُ لو بقيت ملامحه فأقبله، لكنه ضحّى ليُرضيني.. ابني شهيد، في جيبه مصحفي.”
لم تكن قصة نهاد الوحيدة، فقد عثر السكان على رفات متحللة أخرى، بينها جثمان يحمل ورقة باسم “إبراهيم”، لم تُعرف هويته بعد. فيما لا يزال آلاف المفقودين في غزة ينتظرون من ينتشلهم من تحت الركام.
وسط هذا الألم، تردد الأم كلماتها كطعنة جديدة: “لماذا قتلوا نهاد؟ طفل لم يبلغ 15 عامًا.. ماذا فعل حتى يُترك تحت الركام بلا وداع؟”
اليوم، يقف نهاد رمزًا لآلاف المفقودين في غزة؛ أكثر من 14 ألف إنسان ما زال مصيرهم مجهولًا معظمهم تحت الأنقاض، في حرب الإبادة الإسرائيلية.
كل رفات تُنتشل من تحت الأنقاض ليست مجرد جسد، بل قصة حب وحنين وغياب، تمامًا كما كان مصحف نهاد أمانة من أمه، وكما تحوّل هو نفسه إلى أمانة في ذاكرة وطن جريح.
نهاد لم يعد، لكنه ترك للعالم سؤالًا صارخًا: كم “نهادًا” آخر يجب أن يستشهد حتى تهتز الضمائر؟.