المقاومة تفرض شروطها وتنتزع الانتصار: “طوفان الأحرار” يرسّخ فشل الاحتلال ويؤسس لمرحلة ما بعد العدوان
المقاومة تفرض شروطها وتنتزع الانتصار: “طوفان الأحرار” يرسّخ فشل الاحتلال ويؤسس لمرحلة ما بعد العدوان
يمني برس | يحيى الربيعي
منذ اللحظات الأولى لإتمام صفقة “طوفان الأحرار” لتبادل الأسرى، والتي قادتها حركة حماس بنجاح يوم الإثنين، بدا المشهد جلياً أن إرادة الصمود قد انتزعت نصراً استراتيجياً بعد أن اضطرت سلطات الاحتلال للرضوخ لمطالب المقاومة. تمثل الإنجاز في الإفراج عن نحو ألفي أسير فلسطيني وأردني، من بينهم قيادات ومحكومون بمؤبدات صمدوا لعقود، مقابل الإفراج عن 20 أسيراً إسرائيلياً حياً.
أكدت كتائب القسام أن هذا الإنجاز هو ثمرة صمود الشعب وثبات المقاومين، ما يسلط الضوء على فشل جيش الاحتلال الإسرائيلي في استعادة أسراه عبر القوة العسكرية. تزامنت هذه اللحظة مع وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الكيان الإسرائيلي، ليعلن بشكل مباشر أن “الحرب في غزة انتهت”، وهو إعلان يمثل إقراراً دولياً بانتهاء مرحلة المواجهة العسكرية وبدء فصل جديد من التحديات السياسية القادمة.
الإدارة المُحكمة وانهيار السردية الاحتلالية
تمت عملية الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين الأحياء على دفعتين، بالتزامن مع استعدادات مكثفة لـ سلطات الاحتلال لإطلاق سراح نحو 1700 أسير فلسطيني وأردني، أبرزهم الأسير القسامي محمود عيسى الذي قضى 33 عاماً.
بدأت عملية الإفراج في تمام الساعة الثامنة صباحاً، وسط انضباط لوجستي واضح من قبل المقاومة، مما أكد التزامها التام بالجداول الزمنية للاتفاق. جرى التسليم عبر الصليب الأحمر في مدينة غزة، الأمر الذي عكس قدرة المقاومة على إدارة هذا الملف تحت مظلة أمنية محكمة، على الرغم من محاولات الاحتلال المتكررة للتنصل من التزاماته.
نقلت التغطية الإعلامية العبرية الواسعة صورة واضحة عن الإدارة المُحكمة لـ حركة حماس للعملية، حيث أشارت القناة 12 العبرية إلى ظهور “وحدة الظل التابعة للمقاومة المسؤولة عن تأمين الأسرى” في مشهد يعكس الكفاءة الميدانية. كما كشفت التغطية عن تفاصيل إنسانية، مثل سماح المقاومة لبعض الأسرى الإسرائيليين بالتواصل هاتفياً وعبر الفيديو مع ذويهم باستخدام هواتف عناصر كتائب القسام قبل عملية الإفراج.
أكدت حركة حماس في بيان سياسي لها أن الإفراج عن الأسرى هو “ثمرة بطولة وصمود شعبنا العظيم”، وشددت على أن نتنياهو وجيشه الإرهابي لم ينجحا في تحرير الأسرى بالقوة، واضطرا للرضوخ لشروط المقاومة التي أكدت أن طريق عودة الجنود الأسرى لا يكون إلا عبر صفقة تبادل وإنهاء حرب الإبادة.
كارثة غزة الإنسانية وتصعيد الضفة
في المقابل، برزت تحديات عميقة في المشهد الفلسطيني. ففي الضفة الغربية، صعّدت قوات الاحتلال من إجراءاتها القمعية في محاولة واضحة لمنع أي مظهر للاحتفال بإنجاز المقاومة، حيث داهمت منازل الأسرى المُحررين في بيت لحم والقدس المحتلة والبيرة، وأصدرت قرارات تمنع تنظيم أي احتفال أو تجمع استقبال خارج المنازل، وحظرت رفع الأعلام أو الرايات، مما يعكس قمعاً مباشراً للابتهاج بالصفقة.
أما في قطاع غزة، فرغم الفرحة العارمة بوقف الحرب وبدء عودة النازحين، لا يزال القطاع يواجه تحديات إنسانية وصحية ضخمة، حيث أكد مدير مجمع الشفاء الطبي في غزة أن حالة القطاع الصحي واحتياجاته لم تتغير، مشدداً على الحاجة الماسة لبدائل عاجلة للمستشفيات التي دمرها الاحتلال، ومعاناة 350 ألفاً من أصحاب الأمراض المزمنة. ورغم التوقعات الإيجابية بإعادة تشغيل نحو 30 مخبزاً وتوسيع عملية إدخال المساعدات، أكد المكتب الإعلامي الحكومي أن حجم المساعدات التي دخلت “ما تزال محدودة جداً وهي عبارة عن نقطة في بحر الاحتياجات”.
وفي سياق التحديات الداخلية، سُجلت حوادث اغتيال مؤسفة لمدنيين منهم نجل القيادي د. باسم نعيم والناشط صالح الجعفراوي على يد “عصابات خارجة عن القانون”، في مشهد يعكس التدهور الأمني الداخلي ويسلط الضوء على تحديات الاستقرار في القطاع بعد انتهاء العدوان العسكري.
فشل الاحتلال وقمة شرم الشيخ
على المستوى السياسي، أضفى وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الكيان الإسرائيلي بُعداً دولياً حاسماً على الصفقة، معلناً انتهاء الحرب، وهو ما رحبت به حركة حماس، داعية الوسطاء إلى مراقبة سلوك الاحتلال.
في تحليل لما وراء الحدث، أشارت صحيفة يديعوت أحرونوت إلى أن الاتفاق “ينهي الحرب” بشكل فعلي، متجاوزاً الرواية الإسرائيلية الرسمية بكونه مجرد وقف لإطلاق النار. كما ذكر المحلل محمد مجادلة عبر القناة 12 العبرية أن التوجه نحو قمة شرم الشيخ يمثل محاولة لتأسيس “السردية الجديدة… بعد الحرب، حان وقت السلام”، الأمر الذي يُظهر أن القوى المنخرطة في الصراع تتجه نحو مرحلة جديدة لتثبيت النتائج السياسية التي فرضتها المقاومة.
رغم التأكيد المصري على مشاركة رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي في قمة شرم الشيخ، إلا أن مكتبه أعلن لاحقاً إلغاء المشاركة بذريعة “عيد يهودي”، وهو ما قابله الإعلام العبري بتشكيك حول ما إذا كان السبب حقيقي أم محاولة لتجنب مصافحة الرئيس الفلسطيني أو الرئيس التركي أردوغان في القمة، مما يعكس الارتباك السياسي الداخلي لـ سلطات الاحتلال في مواجهة الإنجاز الذي حققته المقاومة.
Comments are closed.