لا سلام بلا استحقاقات.. ولا حصار بلا رد
ماجد محمد
أربع سنوات مضت من خفض التصعيد بين اليمن والسعودية، بعد ثمانٍ عجاف من العدوان والحصار الذي ما يزال يطوّق الشعب اليمني في لقمة عيشه واقتصاده، لكن المشهد اليوم يبدو مختلفاً، إذ تتبدّل أولويات المرحلة وتتغير نبرة الخطاب.
دعوة رئيس المجلس السياسي الأعلى، مهدي المشاط، للرياض عشية ذكرى الرابع عشر من أكتوبر إلى الانتقال من حالة اللاحرب واللاسلم إلى حالة السلام الحقيقي، لم تكن مجرد مبادرة سياسية جديدة، بل إعلان صريح بأن صنعاء لم تعد تنظر إلى السلام كخيارٍ مفتوح بلا ثمن. فركائز السلام وُضعت منذ اجتماعات مسقط، وما بعدها، بينما الحرب في غزة أغلقت فصلها، لتفتح أمام اليمنيين صفحة جديدة من الاستحقاقات الوطنية المؤجلة.
لقد فرضت معركة غزة على صنعاء أن تُعيد ترتيب أولوياتها، حيث كان دعمها للمقاومة الفلسطينية في الصدارة. أما اليوم، وبعد أن وضعت الحرب هناك أوزارها، فإن الملف اليمني عاد ليتصدر المشهد، بكل ما يحمله من استحقاقات اقتصادية وإنسانية وسياسية.
إن التزام صنعاء بخفض التصعيد لم يُقابَل بالمثل من الجانب السعودي، الذي استمر في استخدام الورقة الاقتصادية كوسيلة ضغط، عبر الحصار واحتجاز الإيرادات وحرمان الموظفين من مرتباتهم. هذه الخروقات، كما يرى المتابعون، كادت أن تُفكّ صيام المدافع وتعيد المشهد إلى نقطة الصفر.
لقد تحمّل اليمن حصاراً خانقاً لأكثر من عقد من الزمن، تكبّد خلاله خسائر اقتصادية هائلة تجاوزت عشرات المليارات من الدولارات، ناهيك عن المعاناة الإنسانية المستمرة. ومع ذلك، ما تزال صنعاء تمد يدها نحو سلامٍ مشروطٍ بالكرامة والسيادة، سلامٍ يعيد الحقوق ويُنهي الحصار، لا سلامٍ يقوم على الإملاءات والتجويع.
وفي المقابل، تبدو الرياض أمام اختبار حقيقي: فإما أن تستجيب لمتطلبات السلام العادل وترفع القيود عن اليمن، أو أن تواجه تبعات التصعيد الذي قد يطال اقتصادها ومشاريعها الطموحة. فالمعادلة اليوم لم تعد كما كانت، واليمن الذي صمد أمام العدوان والحصار قادر على قلب الموازين إن فُرضت عليه المواجهة مجدداً.
لقد أثبتت التجربة أن اقتصاد السعودية هش أمام أي هزّة عسكرية، وأن مشاريعها الكبرى، كـ”رؤية 2030″ ومدينة “نيوم”، مهددة بالتوقف في حال تجددت النيران في المنطقة، فاقتصاد يعتمد على النفط لا يحتمل اضطراباً طويلاً، وصنعاء تدرك ذلك جيداً.
اليوم، ومع تصاعد الحديث عن مواجهة مرتقبة مع الكيان الإسرائيلي الذي يلوّح بالانتقام، تبدو صنعاء كمن يراجع حساباته بدقة ويحصي أصدقاءه وأعداءه، استعداداً لمعركة فاصلة قد تعيد رسم خارطة التحالفات في المنطقة.
وفي ضوء ذلك، تتجه الأنظار إلى ردّ الرياض على دعوة صنعاء، فإما أن تختار طريق السلام العادل الذي يُنهي معاناة الشعب اليمني، أو أن تُدفع نحو مواجهة جديدة، هذه المرة في ظل واقع إقليمي متفجر وموازين قوى مختلفة.
صنعاء اليوم لا تراهن على الوعود، بل تتهيأ لكل الاحتمالات… وفي مقدمتها احتمال الحرب.
Comments are closed.