أيام الرعب والدم: تفكيك مؤامرة التهدئة وفضح الشراكة الصهيو-أمريكية!!
لم تكن الأيام الثلاثة الماضية (20-21 تشرين الأول/أكتوبر 2025) سوى دليل دامغ على أن الكيان الإسرائيلي عدوٌ سافلٌ فاجر، وأن “وقف إطلاق النار” لم يكن سوى ستار دخان لارتكاب مزيد من جرائم الإبادة الممنهجة. إن هذه الفترة تكشف بوضوح عن التواطؤ الأمريكي المفضوح الذي يدير مسرح الدمار ويحمي مرتكبيها، في سياق حرب شرسة لم تتوقف على المدنيين والأبرياء.
يمني برس | يحيى الربيعي
التعطش لسفك الدماء
إن التركيز على الإحصائيات لا يجب أن ينسينا فظاعة الجرائم الفردية التي ارتكبت في حق المدنيين العزل. إذ لم تقتصر الاستهدافات على المواقع العسكرية المزعومة، بل طالت مباشرة تجمعات النازحين في مناطق يفترض أنها آمنة، في جريمة حرب لا تقبل التأويل.
حيث نقلت مصادر محلية، مشاهد لاستهداف طيران ومدفعة العدو لخيمة قرب مفترق أصداء وخيمة بجوار تكية برنامج الغذاء العالمي أدى إلى وصول إصابات معظمهم من الأطفال إلى مستشفى الكويت التخصصي الميداني، وارتقاء شهيدين بينهم علي أبو مسلم. وأسفر الاستهداف المباشر للمدنيين عن ارتقاء ٤ شهداء في المواصي بـ”خان يونس” وارتقاء شهداء وجرحى في استهداف لخيمة في منطقة الشاليهات جنوب غرب الزوايدة، إضافة إلى استهداف مقهى هناك.
وفي استهداف ممنهج للصحفيين ورموز المقاومة، تعمّد جيش الاحتلال استهداف الكوادر الفاعلة في محاولة لإخراس صوت الحقيقة وتفكيك الجبهة المقاومة. ففي قصف لمبنى الصحفيين، ارتقى صحفيان في غارة إسرائيلية على مبنى يؤوي صحفيين في الزوايدة، منهم الشهيد أحمد مطير مهندس البث في شركة PMP، والأكثر فظاعة هو مشهد الصحفي محمد الزعانين يودع ابنه عمار الذي ارتقى في نفس القصف.
استغل الاحتلال الانشغال بـ”الهدنة” ليغدر بقادة المقاومة، حيث ارتقى القائد الهمام يحيى المبحوح قائد سرية النخبة في شرق جباليا، والشهيد القائد تاج الدين الوحيدي في غارات على مدينة غزة، وهما اللذان عجز الاحتلال عن اغتيالهما طوال الحرب، ما يؤكد الغدر الذي يتسم به هذا العدو الفاجر.
لم يكتفي العدو بذلك، فقد واصل عدوانه الاجرامي بقصف عنيف أدى إلى هدم البيوت على رؤوس ساكنيها وتجويع الأسر، حيث سقط شهداء وجرحى جرّاء قصف منزل لعائلة “أبو سويرح” بمنطقة السوارحة، ومنزل عائلة “الباز” في النصيرات، إضافة إلى قصف منزل لعائلة “عبد الهادي” في البريج. وفي بني سهيلا، تم انتشال جثمان السيدة شامة أبو ريدة بعد قصف استهدف منزلاً لعائلة أبو سعادة، ملتحقة بطفليها صلاح وميرا.
ووثق الاعلام الحكومي ومصادر محلية أخرى مشاهد موثقة تُظهر قوات وآليات الاحتلال وهي تستمر بهدم المنازل في غزة على مدار الأيام الثلاثة الماضية، رغم سريان اتفاق وقف إطلاق النار في تأكيد على النية المبيتة لتدمير أي مقوم للحياة.
وفي حصيلة تكثف همجية العدوان الذي جاء كنتاج للخرق الصريح لوقف إطلاق النار، حيث أسفرت الأيام الثلاثة عن استشهاد 47 مدنياً، خلال الـ 24 ساعة (الأحد والصباح التالي) وصلوا مستشفيات القطاع، منهم 36 شهيداً في المحافظة الوسطى وحدها وصلوا مستشفى العودة، فيما وصل 11 شهيداً إلى مستشفى الأقصى.
أما إحصائية الوسطى الأولية (يوم الأحد)، فقد سجلت مستشفيات المحافظة الوسطى لوحدها وصول 21 شهيداً، منهم (6) من قصف غرب الزوايدة، (4) شهداء في قصف مدرسة السردي، (4) شهداء في قصف منزل البريج، و(3) شهداء من قصف منزل أبو سويرح.
التلاعب بأوراق “التهدئة ومؤامرة لتصفية القضية
في سياق التطورات التي أعقبت “وقف إطلاق النار” الهش، تكشفت الحقائق لتؤكد أن ما يجري ليس مجرد تبادل للأسرى أو “هدنة إنسانية”، بقدر ما أنها مؤامرة استراتيجية متكاملة الأركان تُدار بأيدي واشنطن ويتم تنفيذها بـهجمية الكيان الإسرائيلي، والهدف النهائي هو تصفية القضية الفلسطينية. لقد أفرز تبادل التصريحات الصهيو-أمريكية على مدار الأيام الماضية تناقضات مفضوحة، لكنها في جوهرها تتفق على إدارة الصراع لتمكين مشروع “اليوم التالي” الهادف إلى اجتثاث المقاومة.
يأتي على رأس الأدلة المباشرة على نوايا العدوان غير المنتهية، تصريحات المجرم بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الاحتلال، الذي أصرّ على أن “مهمتنا في قطاع غزة لم تكتمل بعد”، وأعاد التأكيد على ضرورة “نزع سلاح حماس وغزة”، متحدثاً عما يسميه بـ”حرب استقلال” مستمرة، في إشارة منه إلى رغباته صهيونية جامحة في توسيع رقعة الاستيطان واغتصاب المزيد من الأراضي الفلسطينية. هذه اللغة العدوانية المشحونة لا تترك مجالاً للشك في أن قيادة هذا الكيان الغادر تنظر إلى “الهدنة” على أنها مجرد فاصل تكتيكي قسري، فرضته المقاومة وضاقت به الإدارة الأمريكية، وأن الهدف الاستراتيجي الصهيوني المتمثل في القضاء على المقاومة لا يزال قائماً، حتى بعد كل الإقرارات الدولية بضرورة وقف إطلاق النار.
لقد أثبتت التطورات أن الكيان الإسرائيلي هو مجرد ذراع تنفيذي لمشروع أمريكي أوسع. فمن جهة، نقلت القناة 13 العبرية عن ضباط كبار في جيش الاحتلال الإسرائيلي تحذيراتهم الصريحة من “تحكم الإدارة الأمريكية في القرارين السياسي والعسكري الإسرائيليين”، مؤكدين أن “الأمريكيين هم من يحددون الوتيرة”، ما يعد إقراراً صريحاً بالوصاية الأمريكية الكاملة التي تهدف إلى توجيه الجريمة والعدوان وفقاً لمصالحها.
ومن جهة ثانية، كشفت “نيويورك تايمز” عن تخوف المسؤولين في إدارة الرئيس الأمريكي ترامب من أن يقوم نتنياهو “بتفجير اتفاق وقف إطلاق النار”، وأن الهدف من إرسال نائب الرئيس بانس والمبعوثين هو “منع نتنياهو من القيام بذلك”. هذا المشهد لا يعني أن واشنطن تحاول منع الجريمة، بل إنها تسعى إلى “إدارة الصراع” وضمان استمرار “الهدنة” وفق الشروط الأمريكية، وذلك لتمكين مشروع “اليوم التالي” الهادف إلى فرض ما يسمى بـ”حكومة تكنوقراط” تخدم الأجندات الإمبريالية الأمريكية في تصفية القضية.
ابتزاز إعادة الإعمار.. تجويع سياسي لتجريد المقاومة
في قمة التواطؤ، يتم استغلال حاجة المدنيين في غزة إلى مقومات الحياة من الغذاء والمأوى والدواء كـأداة ابتزاز سياسي قذر. فقد نقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مسؤولين صهاينة أن “إسرائيل تطلب من الولايات المتحدة ألا يبدأ إعمار غزة قبل تحركات تظهر أن حماس جاهزة للتخلي عن سلاحها”.
هذا الربط المتعمد بين إعادة الإعمار الضرورية وحق الشعب الفلسطيني في المقاومة المسلحة يؤكد أن التواطؤ الأمريكي يقدم للكيان غطاءً كاملاً لتنفيذ سياسة التجويع السياسي والابتزاز الجماعي عبر منع مقومات الحياة الأساسية، بغرض الضغط على المقاومة وتجريدها من قوتها. وفي السياق ذاته، يتبنى الرئيس الأمريكي ترامب الرواية الصهيونية بالكامل، مهدداً بشكل صريح بـ”القضاء على حماس إذا خرقت الاتفاق”، وهو ما يعكس الدعم غير المشروط الذي تُقدمه الإدارة الأمريكية للعدوان الصهيوني.
سيناريو الخيانة وحماية العملاء
في خضم المذابح، لم يتوقف الاحتلال عن حماية الخونة والعملاء سعياً لزرع فتن داخلية وتفكيك الجبهة المقاومة، حادثة رفح، التي ادعى جيش الاحتلال الإسرائيلي أنها جاءت “لمواجهة عناصر حماس الذين كانوا يعتزمون قتال قوات ياسر أبو شباب أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن الاحتلال يتدخل بشكل مباشر لحماية الميليشيات الإجرامية التي تتخذ من حمايته سبيلاً. هذا يبرهن على أن الهدف الأمني الداخلي للمقاومة في تطهير القطاع من قطاع الطرق وارباب العمالة والخيانة تحول إلى تدخل عسكري سافر من الاحتلال لحماية أدواته.
وفي مشهد، يؤكد حقيقة فشل الرهان الصهيو-أمريكي على إيجاد “بديل” يخدم أجنداتهم، ونجاح المقاومة في تطهير الساحة الداخلية من أدوات العمالة، أكدت صحيفة “هآرتس” عبر مصادر في جيش الاحتلال أن العصابات المحلية التي حاول الكيان دعمها لتكون بديلاً محلياً أو تهديداً سياسياً لحماس “فشلت في أداء هذا الدور، إذ تفكّكت غالبيتها”.
ختاماُ، هذه الحصيلة المشحونة من التصريحات المتضاربة والمؤتلفة في آن، تظهر للعالم حقيقة لا تقبل الجدل: أن ما يجري هو مؤامرة صهيو-أمريكية متكاملة الأركان، هدفها النهائي هو تصفية القضية الفلسطينية تحت ستار “التهدئة” و”الإعمار”. إلا أن الإرادة المقاومة وصمود الشعب الفلسطيني الأبي سيبقى هو الجدار الذي تتحطم عليه كل هذه الألاعيب والمؤامرات.
Comments are closed.