المنبر الاعلامي الحر

الوصية السوداء .. سر العداء السعودي التاريخي لليمن؟

منذ نشوء المملكة السعودية مطلع القرن العشرين، ظلت علاقتها بجارتها اليمن محكومةً بقدرٍ من التوتر، لا يمكن تفسيره بمجرد تباينات سياسية عابرة، فاليمن، بتاريخها العريق وثقلها السكاني وموقعها الجغرافي الحيوي، لم تكن يومًا مصدر خطر فعلي على السعودية، لكنها كانت دائمًا تُعامَل في الحسابات السعودية كتهديد محتمل، يجب احتواؤه، وإبقاؤه ضعيفًا غير مستقر.

 

يمني برس / تقرير / طارق الحمامي

 

 

 

ويكاد المراقب المتتبع لتاريخ العلاقة بين البلدين يلحظ أن السعودية، على امتداد كل الملوك الذين تعاقبوا على الحكم، اتبعت سياسة واحدة ثابتة تجاه اليمن، ’’اليمن القوي خطر على السعودية، واليمن المنهك ضمانة لأمنها’’، هذه القاعدة غير المعلنة أصبحت مع الزمن ما يشبه ’’العقيدة السياسية’’ في مؤسسة الحكم السعودي، وهي العقيدة التي جعلت اليمن ساحة دائمة لصراعات بالوكالة، وأرضًا مستباحة للنفوذ السعودي المباشر وغير المباشر.

 

 

 

جذور العداء .. من حرب 1934 إلى اتفاق الطائف

 

تعود أولى بوادر التوتر السعودي _ اليمني إلى عام 1934، حين خاض الملك عبدالعزيز آل سعود حربًا ضد الإمام يحيى حميد الدين، انتهت بتوقيع اتفاق الطائف الذي رسم الحدود بين البلدين، وضمّ مناطق يمنية إلى السعودية مثل نجران وجيزان وعسير.

ورغم توقيع الاتفاق، بقيت الحساسية قائمة، فقد شعر اليمن، كدولة ذات تاريخ طويل، أنه خسر جزءًا من أرضه لصالح كيان جديد لم يكن له وجود في التاريخ إلا قبل عقود قليلة، بينما رأت السعودية أن اليمن بتركيبته القبلية والدينية وتعدده السياسي يشكّل قنبلة جغرافية موقوتة على حدودها.

 

ومنذ ذلك الحين، ظلت الرياض تتعامل مع اليمن من منطلق، الاحتواء الوقائي، لا التكامل الإقليمي، معتبرة أن أي نهوض سياسي أو اقتصادي في صنعاء يعني بالضرورة تقليص نفوذها في الجزيرة العربية.

 

 

 

الوصية المنقولة .. يمن غير مستقر ضمانة لبقاء المملكة

 

يروي الباحث العراقي أنس التكريتي في إحدى مقابلاته أنه سأل أحد كبار مستشاري الملك عبدالله بن عبدالعزيز عن سبب السياسة السعودية السلبية تجاه اليمن، رغم القرب الجغرافي والديني، وكان جوابه صادمًا، أن الملك عبدالعزيز المؤسس لحكم آل سعود، قد أوصى أبناءه بأن يحرصوا على ألا يكون اليمن مستقرًا، لأن يمنًا قويًا مستقراً يعني تهديدًا لبقاء الدولة السعودية.

 

هذه الرواية ، تتسق بشكل لافت مع مجمل السلوك السياسي السعودي منذ تأسيس المملكة وحتى اليوم، فكلما اقترب اليمن من مرحلة استقرار أو بناء دولة قوية، تدخلت الرياض إما عبر دعم طرف ضد آخر، أو من خلال أدواتها الاقتصادية والسياسية لإعادة التوازن لصالح الضعف والفوضى.

 

 

 

اليمن في عيون آل سعود .. الخزان البشري المقلق

 

من زاوية أخرى، يرى بعض المحللين أن اليمن بموارده البشرية الهائلة وتاريخه العريق، كان يُفترض أن يكون الحليف الطبيعي للسعودية، بل الداعم الاستراتيجي الأكبر لها في محيطها الجنوبي.

لكن داخل المؤسسة السعودية ظلّت الفكرة المهيمنة هي الخوف من الخزان اليمني، فبلد يتجاوز سكانه الثلاثين مليونًا، يملك حدودًا جبلية وعرة وقوة اجتماعية متماسكة، يمكن أن يتحول في أي لحظة إلى مصدر نفوذ مستقل ينافس الهيمنة السعودية في شبه الجزيرة.

 

من هنا، فُضِّل أن يبقى اليمن فقيرًا، ممزقًا، غارقًا في أزماته، وتُمنَح له مساعدات مشروطة تبقيه في حالة اعتماد دائم على الوصاية السعودية.

 

 

 

استخدمت السعودية نفوذها السياسي والمالي والإعلامي لإبقاء اليمن منقسمًا، والتلاعب بخلافات الجنوب والشمال، وحتى بعد توحيد اليمن عام 1990، لم تخفِ السعودية امتعاضها من ميل صنعاء إلى الاستقلال في القرار السياسي، خصوصًا حين كانت اليمن من الدول المعارضة للحرب الأمريكية على العراق عام 1991.

 

أما بعد 2011، ومع موجة الربيع العربي، رأت الرياض في أي انتقال ديمقراطي في اليمن خطرًا استراتيجيًا قد يمتد إلى داخلها. وهكذا، عندما اندلعت ثورة الحرية والاستقلال والتحرر من الوصاية في العام 2014، تحركت السعودية باتجاه آخر وفرض معادلة اليمن الضعيف، فأطلقت تحالفها العسكري من داخل الولايات المتحدة عام 2015 تحت شعار ما يسمى إعادة الشرعية، بينما كانت النتيجة تدمير البنية التحتية اليمنية وإغراق البلاد في أسوأ أزمة إنسانية في العالم.

 

 

 

عداء غير مبرر .. ومصالح قصيرة النظر

 

من الناحية الواقعية، لا يملك اليمن أي طموح توسعي ولا تهديد فعلي للمملكة، فهو بلد يكافح من أجل بناء دولة وطنية حديثة. ومع ذلك، تتعامل السعودية معه بعقلية الشكّ والريبة، وكأن استقراره خطر وجودي.

 

هذا العداء غير المبرر جعل اليمن يدفع ثمن سياسات قصيرة النظر ترى في ضعف الجار ضمانة للأمن، لا شريكًا للتنمية، والنتيجة أن السعودية اليوم تواجه جبهة جنوبية مضطربة، وأن أي استقرار حقيقي في حدودها الجنوبية بات مرهونًا بإعادة النظر في هذه العقيدة السياسية المتوارثة.

 

 

 

اليمن اليوم .. عهد جديد من الحرية والاستقلال

 

اليمن اليوم ليس يمن الأمس، فبعد سنواتٍ من الحروب، والتدخلات، ومحاولات الوصاية الخارجية، يبدو أن الوعي الوطني اليمني قد بلغ مرحلةً جديدة من النضج السياسي والسيادي، فالشعب اليمني، ومعه قواه الوطنية الفاعلة، بات أكثر تصميمًا من أي وقت مضى على انتزاع حريته واستقلاله الكامل، وإغلاق صفحة طويلة من التبعية والهيمنة الإقليمية.

 

في هذا السياق، برزت مواقف السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله ، كمنعطف محوري في مسار الوعي السياسي اليمني الحديث، إذ حرص في خطاباته من موقعه كقائد أمة ، على توجيه رسائل طمأنة متكررة إلى دول الجوار، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، مؤكدًا أن اليمن لا يسعى إلى العداء، ولا يريد الحرب مع أحد، وإنما يسعى إلى علاقات قائمة على الاحترام المتبادل، وحسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.

 

هذه الرسائل ليست مجرد تصريحات إعلامية، بل تعبير عن رؤية سياسية متكاملة ترى أن استقرار اليمن وأمن المنطقة لا يتحققان إلا عبر التفاهم لا التبعية، والتكامل لا الهيمنة.

 

ومن هنا، لم يعد أمام السعودية، وهي الجارة الكبرى، سوى التقاط هذه الإشارات الإيجابية، وقراءة التحولات في المزاج اليمني الجديد قراءةً واقعية، لا من منظور الخوف، بل من منظور الشراكة والمسؤولية التاريخية المشتركة، فاليمن، كما أثبتت الأحداث، لا يمكن أن يُدار من الخارج، ولا يمكن أن يُعاد إلى مربع الوصاية.

 

لقد دخل اليمن مرحلة التحرر السياسي والسيادي الحقيقي، وأصبح عنوان المرحلة القادمة هو، اليمن المستقل الحر، لا التابع ولا الخاضع.

 

وما على الرياض إلا أن تدرك أن بناء علاقة سوية مع صنعاء الجديدة يبدأ من الاعتراف بهذه الحقيقة، والقبول بمبدأ الندية في العلاقات، وفتح صفحة جديدة قوامها الاحترام، والمصالح المشتركة، والأمن المتبادل.

 

 

 

ختاماً .. هنا تبدو الحقيقة واضحة، اليمن لم يكن عدوًا للسعودية، بل ضحية سياسة سعودية لا ترى الأمان إلا في ضعف الآخرين.

لكن المتغيرات الجديدة ونهوض يمن الحرية والاستقلال، تفرض على الرياض أن تدرك أن أمنها لن يتحقق إلا باستقرار جيرانها، وأن يمنًا مزدهرًا ومستقرًا سيكون حليفًا طبيعيًا، لا تهديدًا وجوديًا.

 

فقد علّمت التجربة أن الجغرافيا لا تُلغى بالتحالفات، وأن العداء التاريخي، مهما طالت فصوله، لا يمكن أن يصمد أمام منطق المصالح المشتركة والشعوب التي تتوق إلى حياة كريمة بعيدًا عن وصاية الجوار.

 

نقلا عن يمانيون

Comments are closed.