المنبر الاعلامي الحر

خارطة الطريق.. الفرصة الأخيرة لدرء كارثة إقليمية شاملة 

يمني برس | أحمد الضبيبي

تراجُعٌ مريبٌ ومخالف للعهود أبدته المملكةُ السعوديّة عن “خارطة الطريق” للسلام في اليمن.. هذا التملُّص ليس مُجَـرّد نكوصٍ عن التزام واجب، بل هو دفعٌ متعمَّد للمنطقة برمتها نحو كارثة إقليمية شاملة، ستكون لليمن فيها الكلمة الفاصلة والحاسمة، وستجد السعوديّة نفسها الخاسرَ الأكبر بلا منازع.

 

إن المتابع المتفحّص للسياسات الإقليمية لا يمكنه أن يغفل أوجه الشبه الصارخة والمقلقة بين تصرفات كيان الاحتلال الصهيوني والمملكة السعوديّة.

 

فكلاهما يتشابه بشكل لافت في الغطرسة والتجبر، وفي الإجرام المنظَّم، والإسراف في القتل والتجويع، وُصُـولًا إلى حَــدّ الإبادة الجماعية – سواء في غزة أَو في اليمن.

 

كلٌّ منهما يمارس القتل الجماعي بدمٍ بارد، ويستخدم الحصار والتجويع كسلاح حربٍ ممنهج، ضاربًا عرض الحائط بكل القوانين والأعراف والمواثيق الدولية.

 

هذه السياسات المتطابقة ليست محض مصادفة عابرة، بل هي نتاج عقلية استعلائية مشتركة تقوم على مبدأ الإفلات المطلق من العقاب، والتفوّق المزعوم، وتستبيح دماء الشعوب لتحقيق مصالحها الضيقة.

 

ويزداد التشابه بين الطرفين وضوحًا في ممارسة النكث بالعهود والمواثيق، والتهرب من الالتزامات والاتّفاقات.

 

فكما يتفنّن الكيان الصهيوني في الالتفاف على القرارات الدولية ونقض الاتّفاقات بكل غطرسةٍ وخداعٍ وإجرام، نجد السعوديّة اليوم تحذو حذوه، وتحاول الهروب من “خارطة الطريق” للسلام مع اليمن التي سبق أن التزمت بها.

 

هذا التملُّص ليس سوى محاولة يائسة للالتفاف على الالتزامات، وإظهار نيّة مبيتة بعدم الرغبة في معالجة الملف اليمني واستحقاقاته كما تعهّدت.

 

والهدف واضح ومكشوف: استمرار معاناة الشعب اليمني، وإبقاؤه تحت ضغط الأزمة الإنسانية والاقتصادية، كأدَاة ضغط رخيصة ومجرّمة.

 

ولا يخلو هذا التراجع السعوديّ من دعمٍ خارجي، فقد وجد تشجيعًا رسميًّا صريحًا من الكيان الصهيوني والولايات المتحدة للتهرب من خارطة الطريق مع اليمن.

 

لكن يجب ألا يغيب عن الأذهان أن هذا الدعم ليس “حبًّا في المملكة”، بل هو انتقام سافر من اليمن؛ بسَببِ موقفه الصلب المساند لغزة وللقضية الفلسطينية، ولانخراطه المباشر في “معركة طوفان الأقصى”، وفتح جبهة الإسناد اليمنية في البحرَين الأحمر والعربي.

 

إن واشنطن وتل أبيب تحاولان، بوضوح، استخدام الرياض كأدَاة عقابٍ رخيصة ضد اليمن على موقفه القومي والإنساني الثابت.

 

إن استجابة السعوديّة للأوامر الأمريكية والإسرائيلية بالهروب من خارطة الطريق للسلام مع اليمن، والالتفاف عليها، هو لعبٌ بالنار ومقامرةٌ بمستقبل المملكة ذاتها.

 

هذا القرار سيضع المملكة مباشرة أمام “طوفان اليمن” القادم، وحينئذٍ لن ينفعها من شجّعها وحاك لها المؤامرة.

 

فالشواهد حاضرة ومريرة: الكيان الصهيوني لم يستطع أن يحمي نفسه من صواريخ اليمن ومسيراته، والأمريكيون أنفسهم فشلوا في حمايته أَو حتى حماية سفنهم في الممرات المائية.

 

فقد اعترف ضباط وقادة البحرية الأمريكية بأن قواتهم تلقت هزيمة نكراء وخسائر فادحة في البحرَين الأحمر والعربي، حين أطلقت ما سمّته “تحالف الازدهار” لحماية الملاحة والدفاع عن الكيان الصهيوني.

 

ومن يعجز عن حماية نفسه وتابعه، فلن يكون قادرًا على حماية الرياض من عواقب قرارها الأرعن.

 

وفي الوقت نفسه، تكشفت تحَرّكات مريبة ومكشوفة على الساحة اليمنية، كان أبرزها – وأشدها خطورة – زيارة وفد إسرائيلي إلى عدن، وعقد لقاءات مع ما يسمّى بـ”قيادة المجلس الانتقالي”.

 

ولم يكتفِ هذا الوفد باللقاءات السياسية، بل تجوّل لتفقد محاور القتال وخطوط التماس الأمامية.

 

هذا الفعل ليس عابرًا، بل يؤشّر إلى تنسيقٍ واضح ومباشر، ويُعدّ تأكيدًا قاطعًا على تعنت السعوديّة وعدم وفائها بالتزاماتها تجاه استحقاقات السلام في اليمن.

 

وفي هذا السياق المتأزم والمفصلي، جاء تصريح رئيس الوفد الوطني، محمد عبد السلام، عن لقائه المبعوث الأممي، ليُرسم خطوط المرحلة القادمة بوضوحٍ لا لبس فيه.

 

فقد أكّـد على ضرورة استئناف العمل بخارطة الطريق، وفي مقدمتها الاستحقاقات الإنسانية، أَو أن البديل الوحيد سيكون العودة إلى حربٍ مفتوحة – أمرٌ سيجعل المملكة تدفع ثمنًا باهظًا وغير مسبوق.

 

وهو إشارة لا تحتمل التأويل: صبر اليمن قد نفد، والكرة الآن – بكل ثقلها – في ملعب الرياض.

 

إن الهروب السعوديّ من خارطة الطريق يضع المنطقة بأكملها على صفيحٍ ساخن، والحرب المفتوحة باتت قاب قوسين أَو أدنى.

 

فالتملّص من الاتّفاق و”خارطة الطريق” يُسقط آخر خطوط الدفاع عن الأمن الإقليمي؛ إذ إن المراوغة السعوديّة وتجميد هذه الخارطة ينذران بعودة استهداف المنشآت الحيوية، وتهديد الملاحة في باب المندب مجدّدًا – ولكن بقوةٍ أكبر وأثرٍ أوسع.

 

والأكثر إثارة للقلق أن عدم التزام السعوديّة بخارطة الطريق يعني العودة حتمًا إلى “المربع صفر”، وهو ما سيدفع بالخليج إلى أزمة اقتصادية غير مسبوقة في تاريخه، نتيجة هروب الرياض من الوفاء بالاستحقاقات الإنسانية.

 

ويأتي هذا التهديد في ظل معطيات قوة جديدة ومرعبة على الساحة: فاليمن اليوم باتت خامس دولة في العالم تمتلك تقنية تصنيع الصواريخ الفرط صوتية بمختلف أجيالها.

 

كما يمتلك أجيالًا متطورة من أنظمة الصواريخ الباليستية (أرض–أرض)، تنافس إصداراتِ روسيا والصين وكوريا الشمالية، منها صواريخُ ذات دقة عالية، وصواريخ مجنّحة، وصواريخ نقطية.. التي تُعدّ من أحدث تقنيات الحرب الحديثة.

 

واليوم، أصبح اليمن أول دولة عربية تحقّق اكتفاء ذاتيًّا في مجال التصنيع الحربي، في كُـلّ أقسامه ووحداته.

 

وختامًا، فإن هذا التسارع في التسليح النوعي المرعب – المدفوع بحتمية الرد على العدوان – يُنذر بـ”طوفان اليمن” الذي لن يرحم المتهربين من السلام.

 

و”خارطة الطريق” هي الفرصة الأخيرة لإنقاذ الرياض قبل أن تجد نفسها في عين إعصارٍ لا طاقة لها به.

 

فإذا أصرّت على المراوغة، فستكون قد جنت على نفسها وعلى المنطقة كارثةً تتجاوز كُـلّ التوقعات.

Comments are closed.