اليمن في مواجهة العدوان متعدد الأبعاد: صمود عسكري، اقتصادي، وثقافي
يمثل العدوان على اليمن حالة فريدة في الصراعات المعاصرة، حيث تجاوز كونه مجرد مواجهة عسكرية ليتحول إلى استهداف شامل ومتعدد الأبعاد يطال البنية التحتية، والاقتصاد، وحتى الهوية الثقافية والحضارية للشعب اليمني.
إن فهم هذا الاستهداف يتطلب تفكيك محاوره الرئيسية الثلاثة: العسكري، والاقتصادي، والثقافي، والتي تعمل بتكامل لتحقيق أهداف استعمارية وجيوسياسية تتجاوز الأهداف المعلنة للعدوان.
يمني برس | تحليل
أولاً: البعد العسكري (الاستهداف المباشر)
يُعد البعد العسكري هو الواجهة الأكثر وضوحاً للعدوان الأمريكي الاسرائيلي المباشر وسبقه العدوان على مدى ثمان سنوات من قبل التحالف السعودي الإماراتي بدعم لوجستي أمريكي إسرائيلي وهو ما كشفته تقارير عدة، وقد تميز بالاستخدام المكثف للقوة الجوية واستهداف البنية التحتية المدنية والحيوية.
ولم يقتصر القصف الجوي على الأهداف العسكرية، بل شمل بشكل ممنهج المصانع، والمزارع، والموانئ، والمطارات، والمستشفيات، والمدارس، هذا الاستهداف المتعمد يهدف إلى شل قدرة الدولة على تقديم الخدمات الأساسية وإحداث أكبر قدر من الخسائر المادية والبشرية، مما يفاقم الأزمة الإنسانية ويحول دون أي محاولة للتعافي أو الصمود.
تؤكد التقارير أن الاستهداف العسكري للتحالف السعودي خلال السنوات الثمان لا يتم بمعزل عن الأجندات الإقليمية والدولية، كما أن التطورات الأخيرة في البحر الأحمر ومساندة اليمن لغزة كشفت عن استهداف مباشر من قوى دولية وإقليمية على رأسها الأمريكي والصهيوني، مما يؤكد أن اليمن أصبح ساحة لتصفية حسابات جيوسياسية أوسع .
وعلى الرغم من القوة النارية الهائلة المستخدمة، إلا أن الاستهداف العسكري فشل في تحقيق هدفه الرئيسي المتمثل في إخضاع الإرادة اليمنية، بل على العكس، أدى إلى تطوير قدرات ردعية يمنية أصبحت تشكل تهديداً مباشراً لعمق الدول المعتدية، وغيرت من موازين القوى في المنطقة.
ثانياً: البعد الاقتصادي (الحصار كسلاح)
يُعتبر الحصار الاقتصادي هو السلاح الأكثر فتكاً والأطول أمداً في العدوان على اليمن، وقد تسبب في كارثة إنسانية غير مسبوقة.
أدى الحصار المفروض على المنافذ البرية والبحرية والجوية إلى تدهور حاد في الأوضاع المعيشية، فمنع دخول السلع الأساسية والمشتقات النفطية أدى إلى ارتفاع في الأسعار، وندرة في النقد الأجنبي، وتفاقم معدلات التضخم، ولولا السياسة الاقتصادية العقلانية لحكومة صنعاء لازداد الوضع تفاقما مقارنة بالوضع المعيشي في المحافظات المحتلة الجنوبية والشرقية التي لم تخضع لحصار أو عدوان خارجي.
كما شمل الاستهداف الاقتصادي محاولات للسيطرة على الموارد السيادية اليمنية، مثل النفط والغاز، وعرقلة عمل الموانئ الحيوية مثل ميناء رأس عيسى، ونقل البنك المركزي ومحاولات نهب الإيرادات أدت إلى قطع مرتبات الموظفين، مما فاقم الأزمة الإنسانية وجعل الاقتصاد أداة مباشرة للضغط السياسي.
وتشير التقارير إلى أن العقوبات والحصار الاقتصادي يمثلان رهاناً أمريكياً في الجبهة اليمنية، حيث تهدف هذه العقوبات إلى تضييق خيارات العيش الكريم على اليمنيين ومنع وصول المساعدات الأساسية، مما يضعف الجبهة الداخلية ويضغط على القيادة الوطنية .
ثالثاً: البعد الثقافي (تدمير الهوية)
يُعد الاستهداف الثقافي هو البعد الأخطر والأكثر خفاءً، ويهدف إلى تدمير الذاكرة الجمعية وتشويه الهوية الوطنية والإيمانية للشعب اليمني.
وثقت الهيئات المعنية استهدافات عديدة للمواقع التاريخية والتراثية، مثل قلعة القاهرة بتعز والمتحف الوطني بصنعاء وقلعة براقش بالجوف وقلعة جبل نقم بالعاصمة صنعاء، هذا الاستهداف لا يهدف فقط إلى التدمير المادي، بل إلى محو الشواهد الحضارية التي تعبر عن تاريخ اليمن العريق، مما يمثل خرقاً واضحاً للمواثيق الدولية.
وعمل العدوان على استخدام أدوات الحرب الناعمة، مثل التغريب والتذويب الثقافي، عبر وسائل الإعلام وشبكات التجسس، الهدف هو إحداث تميع ثقافي، وتشويه للمبادئ الدينية، وتفكيك للنسيج الاجتماعي والأسري، مما يسهل السيطرة الفكرية على الأجيال القادمة.
كما كشفت اعترافات شبكات التجسس عن الأساليب التي استخدمها العدو في استهداف الواقع الثقافي واستقطاب شخصيات لتنفيذ أجندات تخدم مصالحه، هذا يؤكد أن الاستهداف الثقافي هو عملية منظمة وممنهجة تهدف إلى ضرب الحصانة الداخلية.
ومن خلال ذلك فإن الاستهداف اليمني هو عملية شاملة تستخدم فيها القوة العسكرية لتدمير البنية التحتية، والحصار الاقتصادي لتجويع الشعب وإخضاعه، والغزو الثقافي لتدمير هويته.،ومع ذلك، فإن صمود الشعب اليمني وتطويره لقدراته الردعية، وتمسكه بهويته الإيمانية، يمثل أكبر تحدٍ لهذا العدوان متعدد الأبعاد، ويؤكد أن الوعي بهذه الأبعاد الثلاثة هو الخطوة الأولى نحو الانتصار الشامل.
Comments are closed.