التكفير لأسباب سياسية .
يمني برس – بقلم / د. عبده البحش:
من المؤسف جدا ان يقوم البعض بتكفير الاخرين دون ادنى اعتبار لهذه الجريمة الشنعاء واقصد هنا بالجريمة الشنعاء عملية التكفير بغض النظر عن من يقوم بها ، كون قضية تكفير الناس ليست بالأمر الهين او البسيط لانه لا يمكن تكفير احد من الناس الا في حالات محددة بذاتها مثل نكران الوهية الله ونبوة عبده ورسوله محمد بن عبد الله .
لقد انتشرت في بلانا اليمن ظاهرة التكفير بشكل مفرط وعجيب بعد ان وجدت تيارات ومذاهب جديدة ودخيلة على المجتمع اليمني لا يتجاوز عمرها خمسين عاما ، والمشكلة ان هذه التيارات والمذاهب الدخيلة تعتبر نفسها انها هي الاسلام وكل ما عداها من مذاهب اسلامية عمر البعض منها اكثر من الف عام مجرد كفر وضلال ، فهل يعقل ان الناس كانوا على الكفر والضلال منذ صدر الاسلام الى ما قبل خمسين عاما.
ان التأمل في كل الحالات التي تم فيها تكفير الناس من قبل هذه التيارات الجديدة والدخيلة ، التي اصبح رجالها يعرفون او يسمون في كثير من الدول العربية والإسلامية بالتكفيريين ، نتيجة لانتهاجهم منهج التكفير واستخدامه سلاحا فتاكا ضد كل من ينتقدهم او يخالفهم بالرأي حتى ولو كان مؤمنا تقيا ورعا زاهدا متعبدا لله اكثر منهم.
انه في اعتقادي من المفيد جدا تسليط الضوء على ظاهرة التكفير في اليمن لكي نعرف متى بدأت ومن ابتدعها ولماذا استخدم سلاح التكفير ضد الاخرين على نطاق واسع ، اذ يمكن القول ان ظاهرة التكفير في اليمن بدأت مع بداية الصراع السياسي بين الشمال والجنوب ابان حكم الحزب الاشتراكي اليمني لجنوب اليمن ، حيث شهدنا في تلك الفترة حملة تكفيرية واسعة النطاق ضد الاشتراكيين من قبل جماعة الاخوان المسلمين والسلفيين برعاية سعودية وتشجيع ودعم من السلطة الحاكمة في صنعاء ، وذلك جرى بالتزامن مع الصراع السياسي بين الجبهة الوطنية المدعومة من النظام في الجنوب وبين النظام الذي كان يحكم شمال اليمن قبل الوحدة اليمنية.
وفي تلك المرحلة نفسها او قبلها بقليل شهد اليمن حملة تكفير واسعة النطاق ضد الناصريين من قبل الجماعة نفسها كون السعودية كانت تعارض بشدة نفوذ الناصريين في اليمن ان ذاك فاستخدمت جماعة الاخوان المسلمين والسلفيين كأداة سياسية لتكفير الناصريين لا لأنهم كفار فعلا وإنما لأنهم خصوم سياسيين للسعودية في اليمن ، كون المشروع الناصري يعتبر نظام ال سعود نظاما رجعيا ويقف حجر عثرة امام مخطط ال سعود الرامي للهيمنة على اليمن.
اما بعد الوحدة اليمنية فقد اتسع نطاق التكفير في اليمن نتيجة للتنافس السياسي بين الحزب الاشتراكي اليمني وحزب التجمع اليمني للإصلاح (الاخوان المسلمين) حيث استخدمت المساجد للخطاب التكفيري في تلك الفترة ضد اعضاء الحزب الاشتراكي اليمني بوصفهم كفرة ملحدين اعداء لله والدين الاسلامي الذي هو حكرا للإخوان والسلفيين وكأنهم وكلاء حصريين للإسلام دون غيرهم من الناس.
وفي الاونة الاخيرة عاد منطق التكفير مرة اخرى ليرتدي رداء مذهبيا وطائفيا وعنصريا الى جانب رداءه السابق وهو الرداء السياسي ، حيث شن الاخوان المسلمين والسلفيين وما زالوا يشنون الى يومنا هذا حملة تكفير لمن يسمونهم الحوثيين بوصفهم رافضة كفرة خارجين عن ملة الاسلام ليس من منطلق ديني اسلامي شرعي وانما من منطلق مذهبي طائفي عنصري ومن منطلق سياسي مرتبط بتأثيرات ال سعود وتوجيهاتهم لجماعة الاخوان والسلفيين في اليمن ، كما ان سلاح التكفير لغايات سياسية يستخدم حاليا ضد الخصوم بشكل مكثف مثلما حصل للناشطة السياسية بشرى المقطري والكاتبة المرموقة سامية الاغبري ومجموعة من الصحفيين المتنورين والمناهضين للفساد مثل الاستاذ سليمان الاهدل وجمال الجنيد وغيرهم الكثير والكثير ، وفي الحالات كلها نجد ان عمليات التكفير مرتبطة بدوافع سياسية وما التكفير فيها إلا عبارة عن اداة لمحاربة المنافسين والتشهير بهم.