المنبر الاعلامي الحر

بين الحرب والردع: العدوان الصهيوني على إيران وتغير قواعد الاشتباك

بين الحرب والردع: العدوان الصهيوني على إيران وتغير قواعد الاشتباك

يمني برس | تقرير | يحيى الربيعي

شهدت الساحة الإقليمية مؤخراً تصعيداً لافتاً تمثل في عدوان صهيوني واسع النطاق على الأراضي الإيرانية، تخللته غارات جوية مكثفة واستهداف لمنشآت استراتيجية حساسة, هذا العدوان، الذي بدأت نيرانه فجر الجمعة 13 يونيو/حزيران، لم يكتفِ باستهداف ما يُسمى بـ “البرنامج النووي”، بل طال أماكن سكنية ومدنية، موقعاً شهداء وجرحى بينهم نساء وأطفال. يأت هذا التصعيد في ظل توترات متصاعدة، ويفتح الباب أمام تساؤلات حاسمة حول أهدافه الحقيقية، ومدى تحقيقها في ظل الرد الإيراني الحازم ضمن عملية “الوعد الصادق 3″، فضلاً عن الموقف الأمريكي الغامض والسيناريوهات المحتملة لمستقبل المنطقة.

 

إعاقة أم فرض إملاءات؟

تناولت صحيفة “هآرتس” العبرية، في تحليل لها، الأهداف المعلنة للعدوان الصهيوني على إيران، مشيرة إلى أنه يرمي إلى “تأخير برنامجها النووي وعرقلة خططها”. لكن، ووفقاً للتحليل ذاته، فإن “الأهداف لم تتحقق بعد”، مما يطرح تساؤلات جدية حول مدى نجاح هذا العدوان في تحقيق غاياته المعلنة. من جانب آخر، ترى بعض التقديرات أن الغارات الصهيونية لا تهدف فقط إلى إعاقة البرنامج النووي الإيراني، بل تسعى أيضاً لـ”تمهيد الطريق لفرض تسوية أكثر تشددًا على إيران بدعم من الرئيس الأمريكي”. هذا التوجه يعكس استراتيجية الاحتلال في محاولة استغلال القوة العسكرية لفرض إملاءات سياسية، في ظل غياب وضوح الرؤية الأمريكية حول سيناريوهات النهاية لهذا الصراع المتشابك.

فجر الجمعة الموافق 13 يونيو، بدأ هذا العدوان الجوي الواسع من قبل قوات الاحتلال على العاصمة الإيرانية طهران ومحافظات أخرى، مستهدفاً أماكن سكنية ومدنية ومنشآت نووية، وموقعاً شهداء وجرحى بينهم نساء وأطفال. هذا العدوان قوبل برد إيراني حازم ضمن عملية “الوعد الصادق 3″، التي استهدفت مواقع عسكرية واستراتيجية للكيان الصهيوني، مؤكدة على أن لكل فعل رد فعل، وأن الاعتداء لن يمر دون عقاب.

 

تحذير، تهديد، وعقيدة ردع

على النقيض من التصورات التي قد توحي برغبة في التهدئة المطلقة، يبرز الموقف الإيراني بقوة ووضوح عبر تصريحات قائد الثورة والجمهورية الإسلامية في إيران، السيد علي خامنئي. فقد وجه السيد خامنئي تحذيراً شديد اللهجة للولايات المتحدة الأمريكية من عواقب الانخراط في العدوان الصهيوني على الجمهورية الإسلامية. مؤكداً أن “ليعلم الأميركيون أن أي تدخل عسكري سيحمل لهم عواقب لا يمكن إصلاحها أبداً”. وذهب أبعد من ذلك، مشدداً على أن “الأميركيين يعلمون أن تدخلهم في العدوان الصهيوني سيلحق بهم ضرراً كبيراً أكبر من الضرر الذي يمكن أن يلحق بإيران”، في إشارة واضحة إلى حجم الخطر الذي قد تواجهه المصالح الأمريكية في المنطقة.

وأكد السيد خامنئي أن “دخول الولايات المتحدة إلى جانب الكيان الصهيوني في العدوان هو مؤشر على ضعف هذا الكيان”، ما يفسر سعي الاحتلال لجر واشنطن إلى مواجهة مباشرة، تعويضاً عن ضعفه الذاتي في مواجهة محور المقاومة. كما شدد على أن “الشعب الإيراني لن يستسلم ولا يخضع للإملاءات والتهديدات”، مؤكداً على مبدأ “الحرب يقابلها الحرب والقصف بالقصف والضربة بالضربة”. هذه التصريحات تعكس عقيدة ردع واضحة، وأن أي عدوان سيواجه برد مماثل وحازم.

وفي سياق متصل، حذر السيد خامنئي من أن “إذا استمرت هذه الحرب، فإن الاحتلال سيبدأ بالضعف، ولذلك فهو حريص إما على دخول واشنطن في الحرب، أو على إنهائها بسرعة”. هذا التحليل يفكك أحد أهداف الاحتلال الرئيسية من هذا العدوان، وهو إما جر الولايات المتحدة لحماية كيانه، أو إنهاء الحرب بشروط مواتية له.

لم تكتف القيادة الإيرانية بالتصريحات، فقد أقدم الجيش الإيراني على خطوة عملية ذات دلالة عميقة، حيث وجه تحذيراً لساكني إحدى المناطق في مدينة حيفا المحتلة بالاخلاء الفوري “ليبقوا أحياء”. ونقلت وكالة “مهر للأنباء” هذا التحذير المباشر للسكان في المنطقة المحددة على الخريطة في حيفا، مع التأكيد بأن “وجودكم في هذه المنطقة سيعرض حياتكم للخطر”. هذه الخطوة تعد رسالة قوية ومباشرة، تؤكد قدرة القوات المسلحة الإيرانية على الوصول إلى عمق الأراضي المحتلة، وتهدف إلى بث رسالة ردع واضحة لساكني الاحتلال.

وأشار السيد خامنئي إلى أن “العدو الصهيوني ارتكب خطأ كبيراً، ويجب أن يعاقب عقاباً شديداً”، مبيناً أن “كنا نتوقّع مسبقاً تدخل الولايات المتحدة إلى جانب العدوان الصهيوني، وهذا ما يظهر يوماً بعد يوم”. هذا يؤكد على أن الموقف الإيراني ليس رد فعل طارئ، بل هو نابع من تقدير استراتيجي دقيق للمشهد الإقليمي والدولي. وشدد السيد خامنئي على أن “الشعب الإيراني سيقف صامداً وقوياً أمام أي سلام مفروض كما وقف صامداً أمام الحرب المفروضة”، معتبراً أن “صمود الشعب الإيراني الشجاع أمام العدوان الصهيوني الخبيث يعكس وعي شعبنا ومنطقه العقلاني”. هذه الكلمات تؤكد على التلاحم الشعبي والاستعداد لمواجهة كل التحديات، سواء كانت عسكرية أو سياسية.

 

“إنجازات” مزعومة وواقع الخسائر المتبادلة

تتفاخر قيادة الاحتلال، عبر صحيفة “ذا تايمز أوف إسرائيل” نقلاً عن قوات الاحتلال، بأنها “حققت إنجازًا استراتيجياً بترسيخ حرية عمل جوي كاملة فوق غرب إيران”. ويُزعم أن قوات الاحتلال ستُحقق “أهدافها في إيران خلال أسبوع أو أسبوعين، بما في ذلك في فوردو”. ووفقاً لتصريحات القيادي في قوات الاحتلال، إيفي ديفرين، فقد شاركت 60 طائرة حربية تابعة لسلاح جو الاحتلال في “موجة واسعة من الضربات في قلب إيران”، مستهدفة منصات إطلاق صواريخ ومستودعات وأنظمة دفاع جوي ومواقع رادار. كما زعمت قوات الاحتلال أنها دمرت 70 بطارية دفاع جوي إيرانية، وأن “نحو 40 بالمئة من منصات إطلاق الصواريخ الباليستية الإيرانية، أو حوالي 200، تم تدميرها أو تحييدها”.

لكن هذه المزاعم عن السيطرة والإنجازات لا تخلو من تبعات وخسائر، فقد أدت صليات الصواريخ الإيرانية، التي جاءت رداً على العدوان، إلى “مقتل 24 شخصاً وإصابة أكثر من 500” من القاطنين في الأراضي المحتلة، وفقاً لتصريحات رئيس أركان قوات الاحتلال، اللفتنانت جنرال إيال زمير. هذه الأرقام، حتى وإن كانت صادرة عن كيان الاحتلال، فإنها تعكس مدى فعالية الرد الإيراني وقدرته على إلحاق الخسائر. في المقابل، أفادت تقارير إيرانية بأن “ما لا يقل عن 224 شخصاً” قُتلوا في الضربات الصهيونية على إيران.

وتكشف تصريحات القياديين في قوات الاحتلال عن محاولات لرفع معنويات المستوطنين في الأراضي المحتلة. فقد أكد القيادي إيال زمير أن “صمود (المستوطنين) أمر بالغ الأهمية بالنسبة لنا”، معتبراً إياه “عنصراً أساسياً في قدرتنا على الاستمرار في العمل”. هذا الخطاب يُبرز مدى الاعتماد على صمود الجبهة الداخلية لكيان الاحتلال في مواجهة الضربات، ويشير إلى أن قدرة الاحتلال على الاستمرار مرهونة بمدى تحمل القاطنين في الأراضي المحتلة لتبعات العدوان.

 

الغموض الأمريكي وسيناريوهات النهاية

لا يزال الغموض يكتنف موقف الولايات المتحدة من الحرب، وعدم وضوح سيناريوهات النهاية، مما يثير مخاوف من حرب استنزاف طويلة الأمد. في هذا السياق المعقد، يُقدم الكاتب الأمريكي روس دوثات، من صحيفة نيويورك تايمز، رؤيته حول سياسة إدارة واشنطن تجاه إيران، معتبراً أن تحديد مسارها المستقبلي يتطلب الانتظار ليرى إن كان الرئيس الأمريكي سيدعم الاحتلال بشكل كامل، أو ينخرط في دبلوماسية جديدة مع طهران، أو يبقى مراقباً ومشاركاً ثانوياً.

يشير دوثات إلى أن دعم واشنطن غير المباشر لعدوان الاحتلال على إيران ليس مفاجئاً، بالنظر إلى الموقف المتشدد الذي اتخذه الرئيس الأمريكي تجاه طهران خلال ولايته الأولى، وإيمانه بالقدرة على تحقيق نتائج عبر توجيه “ضربات مؤلمة” دون السعي لتغيير النظام. المثير للدهشة، برأي دوثات، هو سماح الرئيس الأمريكي باندلاع الحرب بعد أن بدا وكأنه نأى بنفسه عن “الصقور” في إدارته السابقة. والدرس المستفاد هنا، وفقاً لدوثات، هو أن الرئيس الأمريكي هو وحده من يقرر مسار السياسة، حتى لو جنح نحو قبول تنازلات من طهران قد يراها “الصقور” زائفة أو غير كافية.

لكن دوثات يعرب عن تشككه في أن الرئيس الأمريكي قد يدع قيادة الاحتلال لتقبل تلك التنازلات، مضيفاً أن حجة التحذير من أن إيران قد تغرق المنطقة وتضرب المصالح الأمريكية، قد بدت أضعف – في نظر بعض الأوساط – بعد مزاعم الاحتلال بتدمير الكيانات التي يعتبرها وكيلة لإيران في المنطقة – في إشارة إلى حزب الله وحركة حماس – عام 2024. هذه النقطة تظهر كيف أن سردية الاحتلال تحاول تبرير عدوانها وتأثيرها المزعوم، في محاولة للتأثير على السياسة الأمريكية. ويرى دوثات أن التوفيق بين شعار “أميركا أولاً” والانخراط في حرب قد يبدو نظرياً ممكناً، فالقبول ليس بالضرورة مشاركة، وحرب الاحتلال ليست بالضرورة حرب الولايات المتحدة. لكنه يؤكد، من الناحية العملية، أن الحروب غالباً ما تكون محركات للانخراط بالنسبة للقوى العظمى، بغض النظر عن نياتها الأولية. فإذا انهارت إيران، ستكون هناك أزمات على واشنطن أن تساعد في إدارتها، مع ما يصاحب ذلك من أثمان يتحتم عليها دفعها.

ويختتم دوثات تحليله بالإشارة إلى أن المسألة الأكثر إلحاحاً ليست سقوط القنابل والصواريخ، بل انحراف الحرب على إيران عن مسارها وما سيترتب على ذلك من ثمن يتعين على المحافظين الأمريكيين دفعه بأنفسهم. فمن شأن حرب متهورة في المنطقة، يراها الكاتب صدى “لكارثة العراق”، أن تورط اليمين الأمريكي وتصبح إحدى أبرز الوسائل التي قد تؤدي إلى فشل سياسات وأفكار “الترامبية”.

وفي ظل هذا المشهد المعقد من الرؤى الأمريكية، وتباين المواقف داخل أروقة القرار بواشنطن، يبقى باب التوصل إلى حلول دبلوماسية مغلقاً، لاسيما وأن تصريحات قيادات الاحتلال تؤكد أن “العملية الصهيونية ضد إيران لن تنته حتى يزيل الاحتلال التهديد المتمثل في البرنامج النووي والصواريخ الباليتسية”، مما ينذر باستمرار التصعيد. إن هذه الحرب، بجميع أبعادها، تخدم مصالح الاحتلال في محاولة لتثبيت هيمنته الإقليمية، وتقويض أي قوة إقليمية صاعدة قد تهدد وجوده. ومع ذلك، فإن محور المقاومة يمتلك القدرة على فرض معادلات جديدة، وتحويل هذه التحديات إلى فرص لتعزيز الصمود والمواجهة، وصولاً إلى تحقيق الأهداف الكبرى المتمثلة في التحرير الكامل.

 

خلاصة: معركة الصمود والمواجهة

إن العدوان الصهيوني على إيران يمثل حلقة جديدة في مسلسل الصراع بين محور المقاومة ومشاريع الهيمنة في المنطقة. ورغم المحاولات الصهيونية لتقديم هذا العدوان كـ”إنجازات” عسكرية، فإن الواقع يشير إلى تبادل للخسائر وتصعيد محفوف بالمخاطر. إن اهتزاز وهلع وخوف المغتصبين من البقاء في الأراضي المحتلة، في مقابل “الصمود” الذي تناشدهم به قيادة الاحتلال كـ”عنصر أساسي” في قدرتها على الاستمرار، يعكس هشاشة الجبهة الداخلية للكيان الغاصب. وفي المقابل، فإن الموقف الإيراني، كما عبر عنه السيد علي خامنئي، يؤكد على الثبات، وعدم الخضوع للإملاءات، والجاهزية للرد بالمثل، مع تحذيرات صريحة للولايات المتحدة من مغبة التدخل. إن هذه المواجهة ما هي إلا دليل آخر على أن استقرار المنطقة لن يتحقق إلا بزوال الاحتلال وتحقيق العدالة الكاملة للشعوب المضطهدة.

 

 

قد يعجبك ايضا