المنبر الاعلامي الحر

غزة بين فكي الجوع والصمت

يمني برس | بقلم : أحلام الصوفي

في غزة، لا تنطلق صافرات الإنذار، بل تصرخ الأمعاء الفارغة. وفي غزة، لا تسقط فقط أدوات الفتك، بل تسقط معها كرامة العالم كل يوم أمام مشهد أطفال يتضورون جوعًا، ونساء يفترشن الأرض بلا ماء أو دواء، وشيوخ تتكسر عظامهم على أبواب الصمت الدولي.

غزة اليوم ليست فقط مدينة تحت الحصار، بل تحت خنقٍ ممنهج لحياة الناس فيها. يُمنع عنها الغذاء، وتُعاق قوافل الإغاثة، وتُحاصر لقمة العيش كما تُحاصر بالحديد والنار. كل هذا يحدث والعالم ينظر، يشاهد، ويصمت، وكأن غزة لا تنتمي لجسد الإنسانية.

أي ضميرٍ هذا الذي يمر أمام مشاهد العظام البارزة من أجساد الأطفال ولا يهتز؟ وأي عروبةٍ تلك التي تسمح بأن تُقطع أنفاس مدينة بأكملها دون أن تُطلق حتى صرخة؟! العدو واضح ومكشوف، لكنه لا ينجح لولا صمت المتواطئين من حكوماتٍ عربية اختارت التطبيع على حساب دماء الأطفال وجوع الأمهات.

إن ما يحدث في غزة ليس فقط جريمة حرب، بل سقوط أخلاقي وإنساني عالمي. مجاعة تُرتكب عمدًا، وفضيحة إنسانية تتسع يومًا بعد يوم، ولا أحد يتحرك إلا بكلمات باهتة لا تُشبع جائعًا ولا تُنقذ حياةً.

غزة اليوم بين فكي كماشة: جوعٌ يحاصرها من الداخل، وصمتٌ قاتل يطبق عليها من الخارج. ومع ذلك، فإنها لا تزال واقفة، تُقاوم بجوعها، تُقاتل بدموعها، وتصرخ بلسان كل الأحرار: لن نموت بصمت، ولن نُكسر بالجوع.

ومع كل لحظة تمر، يتعاظم الجوع وتضيق الحياة أكثر على أهل غزة، لكنهم لا ينهزمون. في كل بيت قصة صبر، وفي كل زقاق حكاية عزيمة، وفي كل عينٍ حمراء بدموع الاحتساب يختبئ وعد الله بالنصر.

الجوع في غزة ليس مجرد حالة إنسانية طارئة، بل أداة قذرة تُستخدم لإركاع شعبٍ رفض الذل، وقرر أن يكون رأس رمح الأمة في وجه الاحتلال. لذلك، فإن الصمت العربي والدولي لم يعد تواطؤًا فحسب، بل شراكة واضحة في جريمة الحصار والتجويع.

غزة اليوم لا تحتاج دمعًا باردًا يُسكب على الشاشات، بل مواقف حقيقية، وصرخات منابر، وتحركًا يعيد للعروبة نبضها وللإسلام ضميره. فكيف سنُسأل غدًا أمام الله عن هذا الشعب الذي تُرك وحده بين نار الحصار وسكين الجوع؟

ألا يكفي أن يموت الأطفال وهم يبحثون عن لقمة؟ ألا يكفي أن تتوقف قلوب الرضّع لأن الحليب مُنع عنهم؟ ألا يكفي أن تنظر الأم في عيون أولادها وهي لا تملك لهم إلا الدعاء؟!

غزة لا تريد الشفقة، بل الكرامة. لا تنتظر المساعدات، بل تنتظر أن يُكسر القيد. لا تحتاج خطبًا، بل من يقف معها بحق. وكل يومٍ تتأخر فيه الأمة، تُسفك فيه أرواح، وتجف فيه قلوب الجائعين بصمت.

فإلى متى؟
إلى متى سيبقى الجوع هو السلاح الأرخص بيد الأعداء والأكثر وجعًا في جسد الأمة؟
إلى متى ستبقى غزة تتلوّى والعرب يتفرجون؟

إن الصمت على جوع غزة عارٌ لن يُمحى.
فإما أن ننهض اليوم، أو نحمل غدًا وزر سكوتنا الأبدي.

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com