المنبر الاعلامي الحر

الشعب يريد إسقاط النظام … وسقوط الأقنعة

خرج الشباب إلى ساحات وميادين التغيير بطرق سلمية وخطى ثابتة، حالمين بغد أفضل، حاملين رؤوسهم على أكفهم في سبيل الله، من أجل تحرير الوطن من الطغاة والفاسدين والمستبدين، ناهبي الثروات، مصاصي الدماء، مثيري الحروب. خرجوا بطرق سلمية ليحركوا ضمائر الشعب الميتة؛ فكانت جمعة الكرامة، وبالفعل لقد زلزلت دماء الكرامة عروش الظالمين، وما علينا إلا أن نقف وقفة إجلال وإكبار لكل قطرة دم زكية أريقت على تراب هذا الوطن ثمنا للحرية، وانتصارا للحق، وترسيخا لمبادئ العدالة.
وحدثت الأحداث.. وجرى ما جرى من محاولة التفاف، واللعب بالأوراق السياسية، والعزف على وتر القبيلة والعسكر.
استغل النظام المتهالك ماضي شركائه بالأمس، وجاءت المؤامرة الخليجية؛ ليرتمي في أحضانها كل من ليس همه الوطن، متناسين ومتغافلين بأن الثورة برنامج وأهداف ، وليست تغيير شخص مكان شخص، وأن الثورة وفاءٌ لا تقبل المساومات والمفاوضات بدماء الشهداء الأبرار، وأن الثورة لا تعني انتصار طرف على طرف، وإنما هي القبول بالحق، وتغليب المصلحة العامة على المصالح الخاصة والضيقة، وتغليب مصلحة الوطن على مصلحة الحزب أو الفئة.
تناسوا بأن الثورة قيم، الثورة أخلاق، الثورة حب للحق وكراهية للباطل وللشر، الثورة أمان وتراحم وبغض للخيانة، الثورة طريق واضح لا مكان فيها للخداع والتزوير والتشويه وقلب الحقائق، وفي دهاء شديد من صالح تلاعب في مسألة التوقيع وهو على علم بأنها لصالح نظامه المتهالك 100% ،ولأن أعينهم على الوزارات هللوا وكبروا بتوقيع صالح على المؤامرة ، والعجيب بأنهم في الأيام الأولى كانوا يتهمون صالح بعمالته للغرب وبالأخص أمريكا وفي ليلة وضحاها يناشدون ويسافرون ويجلسون مع الغرب!!! ويؤكدون بأنهم سيكونون أكثر عمالة من صالح. حرام على غيرهم، حلال لهم!!!!
والطامة الكبرى أن من يزعمون أنهم يناضلون من أجل الثورة وبمجرد توقيع صالح ورفض الشباب الأحرار والحوثيين والحراكيين لهذا التوقيع أشهرت سيوف الانتقام الحداد، وبثَّت الشائعات والأراجيف، واتهام الثوار الأحرار بتهم شتى والنيل من وطنيتهم، والبعض منهم يجاهر بعمالة القيادات، والأخطر من ذلك استخدامهم للورقة الدينية التي كثيرًا ما كانوا يتهمون صالح باللعب بها؛ ولأنهم من بوتقة وزجاجة واحدة هاهم اليوم يدقون ويعزفون على وتر الطائفية في صحفهم ومواقعهم الرسمية، كما استخدموه سابقا في عهد صالح ، وفي هذا السياق جاءت المنافسة بين النظام والجماعات النافذة في المعارضة، حيث كانا يتباريان في استعراض خدماتهما في مواجهة المسلحين في أبين، فيما صنفته أمريكا بمليشيات «تنظيم القاعدة»، وبعد هذه الفرصة التي قدموا أنفسهم من خلالها إلى الأمريكان في قالب الإسلام المعتدل، الذي لا يمس باستراتيجيات الصهيونية، بقدر ما يخدمها، حيث يمتصّ سخط الشارع على الأمريكان، ولذا كان غير خفي حرصهم الشديد في أن لا تذكر أمريكا بسوء مطلقا، وليس غريبا أن ترى هذه المواقف ضد المسيرة، والاصطفاف وراء «دماج»، مع أنها كانت قبيل أشهر عدوا لهم، لتمثيلها بؤرة علماء الدفع المسبق، الذين خرجوا بتحريم المظاهرات، وتضليل من خرجوا في الثورة ضد نظام صالح القمعي، ولكن لما كان الوقوف ضد مسيرة «أنصار الله» اليوم يستلزم أن يروجوا تهويلات دماج كان منهم تأدية هذا الدور، الذي يظنون أنه يقدمهم للأمريكان كبديل مناسب ليستلم السلطة، عاقدين الآمال العريضة على الأمريكان ليدفعوا بهم نحو السلطة قريبا.
كما أن شعاراتهم الرنانة والمطالبة بالحقوق والحريات والقبول بالآخر تكشفت وظهرت زيف ادعاءاتهم؛ فبمجرد رفض الثوار الأحرار المبادرات والمساومات بدماء الشهداء انبرت أقلامهم بالشتم والسب وكيل التهم رافعين شعار ( من ليس معنا فهو ضدنا) ، فالحوثيون مجوس عملاء، يقاتلون أهل السنة، بل إن البعض كتب علي صالح الشيعي مقابل علي محسن الشيعي!!! وأن هؤلاء لا يغيرون من المعادلة شيء، وأن الحراكيين ضعفاء و«شوية مزوبعين»، وليس هناك شباب مستقل، ومن يتكلم باسم هؤلاء فهو أمن قومي، بل ذهب البعض بالقول بأن من يتكلم وينادي بدولة مدنية فاتهموه في دينه، وأن الزعيق من المنصة بالدولة المدنية ، وتسمية جمعة الدولة المدينة ليست سوى دغدغة عواطف الحالمين في مرحلة ما، ظنًّا منهم بأنهم بأن هذه الادعاءات ستنال من عزيمة وإرادة الثوار الأحرار، وأن الشباب لا قدرة لديهم، متناسين ومتغافلين أن الشعب اليوم لديه من الوعي والفهم والبصيرة ما يحبط كل المؤامرات ومحاولات الالتفاف.
ففي الوقت الذي تكال التهم إلى أنصار الله «الحوثيين» بلقاء مسئولين في النظام، والتنسيق معهم، والاتفاق على تسليم محافظات شمال الشمال للحوثيين مقابل عملهم على إثارة الفوضى وإشغال الرأي العام عن ملاحقة الرئيس وأولاده على جرائمهم، في هذا الوقت تتجلى للجميع صورة مغايرة، ففاقد الشرعية علي صالح يظهر في الرياض أمام العالم ومعه رموز المعارضة، بزعامة من تصدروا حملة التشويه الظالمة التي حاولت النيل من المسيرة، ويشاهدهم الجميع وهم يوقعون على اتفاق تقاسم السلطة والثروة، ولا يحتاج المرء إلى ذكاء ونباهة ليعرف من الذي كان في الفترة الماضية يتقارب مع النظام خفية، ويجلس مع أزلامه في الغرف المغلقة، والزوايا المظلمة، والأماكن المتعفنة، ليتفق معه على تقاسم السلطة والثروة، وتبادل المصالح، تحت إطار «المؤامرة الأمريكية».
إذن من هذه الغرف المغلقة خرجت التوجيهات التي نفذتها الآلة الإعلامية الضخمة، التي يمتلكها رواد تلك الغرف محليا وإقليميا، وهذا هو ما يفسر الحملة المتزامنة في الوقت ذاته من النظام ومن بعض أطياف المعارضة، مع هجمة من الصحف الخليجية، توحي بحجم التنسيق الذي تديره القوى الاستكبارية العالمية ضد الأمة الإسلامية والشعب العربي، إذ كانت الأسباب التي تقف وراء هذه الحملات بعيدة عن مضمونها المباشر، وفهم الأمور على حقيقتها يمنح المرء نظرة صادقة، وتشخيصا ثاقبًا، وليس من المعقول أن أنصار الله هم من يتحالفون اليوم في السر مع النظام، إذ هم أصحاب مظلومية معه، ولا يزال النظام ملطخا بدماء أبناء المسيرة، ومزاعم التمدد في حجة وعمران غيرهما تبدو مضحكة، إذ تفترض إن الزيدية غير موجودة في تلك المناطق، أو أن شباب مسيرة «أنصار الله» قدموا من كوكب آخر، ولكن تلك الأطراف التي كانت بالأمس القريب جزءا من النظام هي من اتضح للجميع يوم التوقيع على المبادرة أنها هي التي كانت تتقارب مع النظام، وتجلت أكثر يوم تقاسم الوزارات، وهاهم يمهدون بآلتهم الإعلامية، التي ستصور للناس نصرا وهميًّا، يوجب على الشباب الخروج من الساحات، لإتاحة الفرصة للتغيير في المرحلة الانتقالية، ، وسيظل الشباب الصامدون عرضة لحملة تشويه تماثل ما يتعرض له أنصار الله اليوم، حتى تهيئ المجتمع لمرحلة اجتثاثهم من الساحات، يوم لا يكون لهم سند، ولا صوتا مسموعا في منفذ إعلامي، وستزيد أيضا حملة التشويه المسعورة ضد مسيرة «أنصار الله»، إذ كانت في واد غير واديهم، الوادي الذي اختاروا العيش فيه بعيدا عن مواجهة مخططات الصهيونية العالمية، الساعية إلى محو نور الله، ولكن {يَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}، وهل الثورة الحصول على كذا وزارة، ومشاركة صالح أم ماذا؟
فأي نظام سقط؟ الشعب المصري سيحتفل بعيد الثورة يوم سقط مبارك، أو يوم خرج إلى الساحات، أو يوم دخول مبارك وأولاده السجن ، والشعب التونسي سيحتفل يوم هرب بن علي ، أو يوم أشعل البوعزيزي نفسه؟ والشعب الليبي يوم مصرع القذافي، أما انتم أي يوم، أهو يوم الكرامة؟ أم يوم التوقيع على المؤامرة وبيع دماء الشهداء؟ أم يوم إعلان أسمائكم للوزارات؟ أم ماذا؟!!!
يا هؤلاء.. اليمن اليوم يحتاج إلى دستور جديد، إلى رئيس جديد، إلى وجوه جديدة، إلى قيادة عسكرية جديدة، إلى خطاب إعلامي صاح، لا مكر فيه ولا خداع ولا تضليل، لا تخوين ولا تمجيد لأشخاص، نحتاج إلى خطاب للشعب، كل الشعب، خطاب يعترف بالآخر، خطاب يقرب ولا يبعد، يجمع ولا يفرق..

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com