المنبر الاعلامي الحر

التطبيع العلني ومحاولات حرق المراحل

التطبيع العلني ومحاولات حرق المراحل

يمني برس: بقلم – أحمد الشريفي

 

لا شك أن كل ما يدور في المنطقة من مواقف وصراعات مرتبطة ببعضها فهي تتفاعل وفق سياقات يعتقد الأمريكان تحديدا أن ذلك التفاعل لا بد أن تؤدي نتائجه لصالح مشروعهم الموسوم بمشروع «الشرق الأوسط الجديد»، وهو مشروع تنفذ أجندته بصيغ مختلفة تتغير في التسميات والتكتيكات، سياسية كانت أو عسكرية، بدءاً من خلق الصراعات أو إعلان المشروع في العام 2003 إلى إعلان «صفقة القرن»، وانتهاء بفضيحة التطبيع العلني.

 

اللافت أن مشاريع الأمريكان ومن خلفهم البريطانيون يتم تنفيذها من خلال طبخات تأخذ حقها من النضوج ولا تكون بالضرورة من صنف الوجبات السريعة. إلا أن المتغيرات التي حاولوا الإمساك بزمامها وتطويعها لصالحهم جاءت بما لا تشتهي سفنهم، خصوصا مع تصاعد ونمو حركات ودول المقاومة والممانعة في المنطقة وفشلهم في كسرها، إذ فشلت كل طرقهم الناعمة أو الخشنة، فلقد تجاوزت حركات المقاومة مسألة الخنق الاقتصادي والسياسي، كما فشلت معها التعاملات العسكرية، بل وزادتها قوة وصموداً.

 

الفشل الذي رافق مشاريع الإمبريالية بصيغتها الجديدة، خصوصا في اليمن، اقتضت ممن يدير مشاريع تفتيت المنطقة ونهب ثرواتها التعجيل في إعلان الأهداف التي كانت شبه خفية؛ ومنها تصفية القضية الفلسطينية، وهو ما يمكن تفسيره بإعلان أبوظبي البدء رسميا في تنفيذ سيطرة اليهود على المنطقة وإسقاط قناع العروبة والإسلام. الخطورة في إعلان التطبيع هذه المرة لا تأتي من كونها علنية ولكن بمحاولة تنفيذها جماهيريا، أي أنها لا تقتصر على النظام الرسمي، والذي طالما عرفت بعض الأنظمة بعمالتها سرا أو اعترافها بالكيان كما هو الحال مع الأردن ومصر، فالدولتان رغم وجود سفارتين «إسرائيليتين» فيهما بقيت عند مستوى النظام، وما عداه يعد جريمة من الدرجة الأولى. وكمثال لذلك لايزال الإعلام والدراما المصرية أحد الحصون المهمة في تقديم الكيان الصهيوني بصورته الحقيقية التي لا تخرج عن كونه عدواً مغتصباً لا يمكن القبول به والتعاون معه ويعد التعاطف معه جريمة لا يمكن السكوت عليها، غير أن تطبيع أبوظبي وغيرها من الدول المتجهة بأمر أمريكي للتطبيع يراد له أن يكون جماهيرياً، بحيث يخدش الوعي العربي، ويحول «إسرائيل» من عدو ومحتل إلى صديق يمكن التعايش معه، بل وبإمكانه السيطرة على المنطقة والتحدث باسمها والتحكم بمصيرها ثقافيا وسياسيا واقتصاديا. وهنا تكمن الخطورة. وليس هناك من تفسير أدق لما يحدث الآن سوى ما قاله المؤرخ مراد اليعقوبي، عضو جمعيّة «أنصار فلسطين» التونسيّة، في تصريح نقله الإعلام، حيث يشير إلى مرور تاريخ الإجرام الصهيوني تجاه الحق الفلسطيني بتطورات عديدة، «فبعد الإعداد ثم تنفيذ الاغتصاب الصهيوني وتدجين عدة قوى عربية، توهّم الصهاينة أن وجودهم على الأرض قد تجذّر وأنّ الأمر قد استقر لهم، ولذلك مرّوا إلى المرحلة الموالية وهي مرحلة تحويل الكيان الدخيل إلى جسم متعايش مع محيطه عبر فرض التطبيع بكل الأشكال». وهذه الحالة النفسية تتطلب منا كعرب إعادة ذلك الكيان «الإسرائيلي» إلى حالته الطبيعية في كونه عدواً وجد ليزول لا ليمتد ويتفسخ في شريان وجسد الأمة، ولا يمكن أن يحل مفهوم المصلحة الاقتصادية محل المبادئ أو القيم الدينية.

 

ويبقى السؤال الأهم: هل يمكن أن ينجح الاحتلال «الإسرائيلي» في النفاذ إلى الوعي العربي واستبداله وتحويره؟!

 

إذا كان التطبيع هدفاً استراتيجياً لـ«إسرائيل»، الخنجر المسموم في جسد الامة ويعلم أنه غير مرغوب فيه، فقد حاول إحراق المراحل والوصول إلى تنفيذ هدف التطبيع بالمفهوم الشعبي والعلني وبوقت قياسي، وذلك في مطلع التسعينيات، ولكنه فوجئ بانتفاضة النفق وبعدها انتفاضة 2000، ثم هزيمته أمام حزب الله في 2006، ثم توالت خيباته التي كان آخرها محاولة احتلال مهد العروبة وتطويع أولي البأس الشديد عبر عدوان عالمي في العام 2015 ومازال بقيادة أمريكا وبريطانيا و»إسرائيل» وبأيد سعودية إماراتية متصهينة مسنودة بدول وجماعات من دول عدة. وهذا الفشل الذي ترافق مع صمود سوريا وانتفاضة العراق بوجه الأمريكان هو ما جعله يسارع في إعلان مشروعه وكشف عملائه، وفي مقدمتهم بني سعود وعيال زايد. ولكي يكتمل الإفصاح عن الهدف من وراء محاولة احتلال اليمن وتفتيته طلب من عملائه في جنوب اليمن الإفصاح عن ترحيبهم بـ»إسرائيل» لكي يزيل المخاوف من أن اليمنيين الذين لا يمكن أن يقبلوا التطبيع هناك منهم من يقبل، وإذا كان اليمني قد قبل بالتطبيع وهو صمام أمان القضية الفلسطينية فما على البقية إلا أن يتعاطوا بإيجابية مع قضية التطبيع، وهو ما يفسر أيضاً وضع مقعد اليمن بين أمريكا و»إسرائيل» في مؤتمر وارسو في منتصف فبراير من العام 2019، وكان حينها وزير خارجية المرتزقة المدعو خالد اليماني، ما يفسر اهتمام «إسرائيل» باليمن وضرورة خروجها من وعي شعبها وتاريخها القائم على أن فلسطين جزء لا يتجزأ من هويتها ومعتقدها الديني.

 

بالتأكيد هناك أسباب ثانوية لعملية التعجيل بالتطبيع العلني تتعلق بانتخابات الرئاسة الأمريكية أو الوضع السياسي داخل الكيان الغاصب نفسه، غير أن فشل كسر المقاومة لتصفية القضية الفلسطينية كان هو السبب الرئيس لمحاولة التعجيل بمشروع التطبيع، ويمكن للمقاومة بأشكالها كجماعات أو دول أن تستفيد من هذا الإعلان المرتبك في زيادة التحامها بالجماهير العربية وتقوية نفوذها وصلابتها، وبالتالي إفشال رهان الأمريكان ومن معهم في تطويع المنطقة واغتيال القضية الفلسطينية.

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com