المنبر الاعلامي الحر

زراعة القطن.. الذهبُ الأبيض المنسي في اليمن!

زراعة القطن.. الذهبُ الأبيض المنسي في اليمن!

يمني برس / تقارير / إبراهيم العنسي

لم تشهد زراعةُ القطن في اليمن ذلك الازدهار الذي يمكن أن يسجل في رصيد هذه الزراعة على المستوى الاقتصادي، فمنذ دخوله السوق التجاري ظل القطن يسجل أرقاماً متواضعة لا تكاد تقارن بالقطن المنتج في السوق العالمي.. فهل كان هذا يعود لتواضع المناطق المزروعة بالقطن وإنتاجياتها السنوية إلى جانب نوعيات وأصناف القطن المزروعة أم أن هناك عواملَ أُخرى على الرغم من أن مردودات هذه الزراعة يمكن أن تشكل رقماً جيِّدًا في الاقتصاد الوطني.

تاريخ القطن اليمني

تعودُ زراعة القطن في اليمن إلى أواخر أربعينيات القرن الماضي إبان الاحتلال البريطاني لجنوب البلاد والذي قام باستيراد بذور لأصناف من أصناف القطن طويل التيلة من السودان، والذي سرعانَ ما تمت زراعتُه بكميات تجارية للتصدير أوائل الخمسينيات في مناطق دلتا أبين ودلتا أحور ومودية وميفع حجر.

واستوردت الأقطان متوسطة التيلة أواخر الخمسينيات، ووزعت على نطاق تجاري في لودر ومودية وأحور وميفع حجر إلَّا أن دلتا تبن بلحج انفردت بزراعته في منتصف الستينيات، حَيثُ كان أول الأصناف زراعةً بهذه المحافظات x1730A طويل التيلة.

ومع تجارب وأبحاث زراعة القطن آنذاك، فقد أظهر هذا الصنف نوعاً من التأقلم مع البيئة المحلية ومع تجارب التحسين استنبط الصنف كود1 ثم الصنف كود4 نسبة إلى مركز أبحاث الكود بأبين، إذ أصبح الصنف الشائع زراعته في دلتا أبين.

لقد كان الحرص على تنفيذ برامج تربية وتجريب أصناف جديدة لإنتاج سلالات ذات جودة عالية في كميات الإنتاج والنوعية، وتمت أول الأمر عمليات التهجين للصنف المستنبط كود4 مع صنف جيزة 45 المصري، ثم استنبطت ثلاث سلالات من تهجين كود 4 مع جيزة 68 وتم تقييم السلالة الناتجة من عملية التهجين ك. ب 138 و ك. ب 266 في 12موقع بعدها تم اختيار الصنف ك. ب 138 بعد أن أعطى زيادة في الإنتاج ما بين 17-52 % عن الصنف الذي كان مزروعا كود4 وَمع أن مركز الابحاث الزراعية بالكود اوصى العام 1984 بتعميم زراعته إلَّا أن ذلك الأمر بقي معلقا حتى العام 2000 ومن ثم بدأت زراعته بمسمى المعلم 2000 “100-coker”، مقتصراً زراعته على محافظة أبين.

وفي سهل تهامة بمحافظة الحديدة، أدخل القطن كمحصول تجاري ما قبل ثورة ٢٦ سبتمبر ١٩٦٢ بعد جلب بذور صنف سكلاريد من عدن كصنف للقطن طويل التيلة وانتشرت زراعته في مناطق زبيد ورماع ووادي مور ووصلت إنتاجيته إلى حوالي 1122 كجم/ هكتار.

وبعد قيام ثورة سبتمبر، تم إدخَال بذور أصناف متعددة لأقطان متوسطة التيلة استُوردت من السودان ومصر والولايات المتحدة والهند وروسيا، وأدخلت ضمن برامج تجارب زراعية وأقلمه لأصناف ” كوكر 310، واكالا 15107ب، و108 اف”، وتمخض عن تلك التجارب ما بات يُعرف اليوم بصنف اكالا اس جي 2 الذي تم تعميم زراعته بتهامة ودلتا تبن.

 

أبحاث وتجارب القطن

مع إدخَال أصناف القطن لأول مرة إلى اليمن، كانت التجارب للوصول إلى سلالات وأصناف تناسب البيئة المحلية قائمة، فمع إدخَال أصناف القطن طويل التيلة إلى الجنوب كانت الأبحاث الزراعية وتجارب الأقلمة تجري على قدم وساق للوصول إلى أفضل الممكن وقتها والذي كان “المعلم 2000” رغم أنه بالإمْكَان استنباط وإنتاج سلالات أفضل بكثير خَاصَّة إذَا ما عُرف أن هذا النوع لا يقارن بأقل أصناف القطن المصري جودة.

نفسُ الشيء كان مع القطن متوسط التيلة في سهل تهامة فالصنف اكالا 1517 B الذي أدخل من الولايات المتحدة العام 1952 وتمت زراعته وأظهرت تجارب زراعته سرعة تأثره بالآفات الحشرية، إضافة إلى أن مرحلتَي تزهيره ونضجه تطول، ما يعني ارتفاعاً في تكاليف مكافحة الآفات التي قد تصيب المحصول، وأن تلك التكاليف تفوق قدرة مزارعي القطن بتهامة.. وقتها سارعت مراكز البحوث الزراعية في تهامة لإيجاد أصناف أُخرى ذات إنتاجية وجودة عالية مقاومة للآفات، واستمرت التجارب لما يقارب العشرة أعوام بدءاً من العام 1974 على أكثر من ثلاثين صنفاً واختيار صنف اكالا اس جي 2 بعد تجاربَ زراعية لأربعة أعوام وتعميم زراعته العام 1977.. لكن بعد هذه التجارب والأبحاث لم تسجل أية أصناف جديدة يمكن أن تتفوق على هذه الأصناف الموجودة نتيجة غياب الأبحاث وبرامج التربية والتحسين والإنتاج لسلالات وأصناف جديدة.

تدهورُ زراعة القطن

تأتي الحديدةُ في المرتبة الأولى في زراعة القطن متوسط التيلة والذي يُزرع في سهل تهامة، وقد شهدت المحافظة ارتفاعاً في المساحة المزروعة بالقطن في أعوام قليلة بدءاً بالعام 2000 الذي قدرت مساحته الزراعية حوالى 13917 هكتاراً وإنتاجية تجاوزت 16500 طن، فيما سجل العام 2003 أكبر مساحة زراعية لمحصول القطن مع بداية الألفية الجديدة بمساحة 14838 هكتاراً وإنتاجية تجاوزت 17.3 ألف طن، مع ذلك لم تكن تلك السنوات ما بين 2000-2003 إلَّا هامشٌ عاد فيه محصول القطن للانكماش والتضاؤل في المساحات المزروعة مثله مثل غيره من المناطق التي شهدت نفس التدهور للمحصول.

وتأتي زراعة القطن في دلتا تبن بلحج والتي تنتج صنف اكالا اس جي 2 لتسجل تراجعاً كَبيراً ما بعد العام 2003 الذي حقّقت فيه 4 آلاف وَ200 طن، ليبدأ بعدها تدهور الإنتاج لما دون 2 ألف طن في المتوسط للعشرة أعوام التي تلت.. كذلك الحال لمزارع القطن بدلتا أبين ودلتا أحور بمحافظة أبين والتي شهدت هي الأُخرى تدهوراً كَبيراً في زراعة وإنتاج القطن طويل التيلة، إذ كان الفارق بين إنتاج العام 2003 والعام 2013 حوالي 5 آلاف طن.

لماذا تدهورت مزارع القطن؟

يرجع تقلُّصُ مساحة وإنتاج زراعة القطن كما يقول مدير إدارة القطن بوزارة الزراعة، محمد رجب، إلى عدة أسباب أبرزها إهمال النظام السابق لقطاع الزراعة بما فيها زراعة القطن وَالذي غابت معه الخطط والاستراتيجيات الخَاصَّة بتطوير هذه الزراعة، مستشهدا بإنتاج السنوات الأولى من سبعينيات القرن الماضي من محصول القطن رغم شحة الإمْكَانيات وبساطة الأدوات والأساليب.

ويضيف رجب في حديثه لصحيفة “المسيرة” أن السياسةَ السِّعرية المتَّبعة لشراء محاصيل القطن أحد أبرز أسباب تراجع هذه الزراعة، إذ تفوق أسعار المدخلات الزراعية للقطن، العائد أَو المردود الاقتصادي الذي يحصل عليه المزارع، وهو ما يؤكّـده حديث أحد مزارعي القطن بتهامة، محمد جميل، بسرده لتفاصيل تتعلق باحتكار تاجر واحد “الحوباني” لقطن تهامة وشرائه بأثمان زهيدة لا تتجاوز 110 ريالات للكيلو الخام وبيعه بعد عملية الحلج للأسواق بثمن مرتفع.

وفيما كان وكيلُ السفريات والسياحة الحوباني يحتكر قطنَ تهامة لصالح السوق الداخلي، كانت شركة الماز للقطن المحدودة التي كان يديرها يحيى محمد عبدالله صالح تحتكر سوق القطن بأبين على نحو خاص وتقوم ببيعه للسوق الأُورُوبي “سويسرا وبريطانيا” بأثمان مرتفعة فيما ينال المزارع الفتات.

السعرُ المتدني للقطن وعدم تصنيف الأقطان بحسب النوعيات والجودة جعل مزراعي القطن غيرَ مكترثين بالمحصول وقت اقتراب جني المحصول فهم ينتظرون حتى تتفتح ازهار المحصول كاملة لبدء القطف والحصاد.

ويقول المزارع عبدالله خيري: لضعف قدرته كمزارع لا يستطيع جنيَ القطن على ثلاث مراحل، تاركاً بذلك محصول أول الجني يتساقط على الأرض الزراعية فتنال منه الأتربة وما يمكن أن يعلق به، ما يجعل المحصول بعد القطاف يظهر كنوع ردي.

الاستفرادُ والغيابُ لمصادر التسويق المتنوعة لمنتجات القطن جعل من شركات الحلج والتصدير هي الرابح الأَسَاسي في ظل ارتفاع أسعار الأسمدة والمبيدات وَزيوت المحركات وأجور تجهيز الأرض للزراعة، مضافاً إليها أجور الأيدي العاملة الكثيفة التي تحتاجها زراعة القطن، الأمر الذي جعل الكثير من مزارعي القطن يتحولون بشكل جزئي أَو كلي لزراعة محاصيلَ أُخرى، كما يقول رئيس جمعية 7 يوليو التعاونية لمزارعي القطن بالتحيتا -إبراهيم وهيب- وحديثه عن مضاعفة معاناتهم التي بدأت مع إغلاق شركة القطن ومؤسّسة الغزل والنسيج التي كانت تشتري من مزارعي القطن ما يقارب 12 ألف طن، إلى جانب أنها كانت تُقدَّم لهم بعض الدعم كالقروض البيضاء والديزل وقطع الغيار وَالقيام بعمليات رش المبيدات وقبلها توزيع البذور، مؤكّـداً أن إغلاق مصنع الغزل والنسيج مثّل ضربة قاصمة لمزارعي القطن مع استفراد التجار بأُولئك المزارعين، ما جعل الكثير يتجه لزراعة محاصيلَ أُخرى كالسمسم والبسباس والطماطم والفل والتبغ والتي كانت سريعا ما تعود بالنفع عليهم.

وعلى الرغم من ذلك ظل مزارعو القطن يهتمون شيئاً ما بهذا المحصول والذي كان يشكل ثلث مساحة الزراعة لدى المزارع الواحد إلى جانب المحاصيل الأُخرى، غير أن إمْكَانات المزارع البسيطة ظلت تحول دون المحافظة على إنتاجية هذا المحصول الذي بدا من خلال تتبع مساحات زراعته منذ الخمسينيات والستينيات وحتى اليوم أنه كان هامشياً في قائمة اولويات الحكومات السابقة والنظام العتيق، فزراعة القطن في المحافظات الثلاث ظلت تقليدية لا تعبر عن طموح وطني في يوم ما، باستثناء فترة 1974-1975 والتي وصل فيها إنتاج القطن لأكثر من 27 ألفَ طن في سهل تهامة وحدها، وظهرت معها مشاريعُ طموحة لإنشاء صناعة غزل ونسيج في باجل وذمار إلى جانب مصنع الغزل والنسيج بصنعاء ومساعي التوجّـه نحو صناعة الغزل والنسيج الوطني.

مساحات شاسعة وأرض واعدة

لقد انحسرت زراعة القطن في السهل التهامي على نحو كبير، فالمزارع مع ظروف العدوان والحصار يجد الأمر أكثر مشقة، فالمبيد الذي لا ينتظر أن توفره له الجهات الحكومية قد تضاعف سعره من ثلاث إلى أربع مرات والآفات والأمراض التي ترتبط بزراعة هذا المحصول الذي لا تتجاوز زراعته عالميًّا 2.7 بحاجة للكثير من العناية، فهذا الحيز الصغير لقطن العالم يستهلك ما نسبته 25% من المبيدات على مستوى العالم، فيما تظل المعرفة التقليدية لدى المزارع وغياب الدور الحكومي وإسهام القطاع الخاص علامات بارزة لما يحتاج لإنعاش حقيقي يستغل سهل تهامة الخصب بمساحته التي تمتد لأكثر من 280 كيلو متراً، فالسهل الساحلي الممتد من ميدي إلى المخاء حسب -مدير القطن بوزارة الزراعة- يمكن أن يمثل امتداداً لحقول ومزارع قطن نموذجية تنعش صناعةَ النسيج والزيوت والأعلاف وغيرها من الصناعات المرتبطة بالقطن، مع ما يمكن أن يكون سوقاً تصديريةً ترفد خزينة الدولة بالعُملة الصعبة.

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com