المنبر الاعلامي الحر

عدن.. من ميناء تجاري إلى قاعدة عسكرية ومستودع للقنابل الذرية

عدن.. من ميناء تجاري إلى قاعدة عسكرية ومستودع للقنابل الذرية

يمني برس:

 

لقد منح الموقع الجغرافي أهمية كبرى لمدينة عدن وخاصية في الاستراتيجية الاستعمارية ففي النظام الدفاعي لمنظمة حلف شمال الأطلسي أنيطت بالأسطولين السادس والسابع الأمريكيين مهمة مراقبة الشرقين الأدنى والأقصى . اما الشرق الأوسط فقد أنيطت مهمة مراقبته ببريطانيا عن طريق قاعدتها العسكرية بعدن.

 

لذلك فإن الإبقاء اطول مدة ممكنة على هذه القاعدة يشكل هدفا رئيسيا للسياسة البريطانية الاستعمارية في المنطقة وكذلك من أجل المحافظة على الاستثمارات البترولية وهي تعتمد على معاهدة 16 اغسطس 1962م التي تضمن لها استخدام المنشئات العسكرية لأجل غير محدد وما عدوان 2015م الا امتداد لتلك السياسة الاستعمارية على اليمن عامة وعدن بوجه خاص.

 

قلعة عسكرية

 

أن مشروع شق قناة السويس عام 1859م فتح شهية المطامع البريطانية أكثر من أي وقت مضى اذ دخلت مدينة عدن بشكل أقوى في المعادلات الدولية كميناء استراتيجي وبدأت بريطانيا تفكر في التحكم الكامل في البحر الأحمر وتغلقه ان أرادت من الشمال (قناة السويس) ومن الجنوب (جزيرة ميون وعدن) أن هي تمكنت من احتلال مصر كما هي في استراتيجيتها الاستعمارية حيث تحقق لها ذلك سنة 1882م. – وكأن شق قناة السويس لعنة حلت على مصر آنذاك – ومع ترسيم الحدود عام 1914م  في منطقتي الاحتلال البريطاني والسيطرة العثمانية في اليمن قامت بريطانيا في تحسين قاعدة عدن حتى تتمكن من الصمود ضد أي محاولات عدائية داخلية أو قوى خارجية فاستبدلت بريطانيا الأسلحة القديمة التي كانت تحرس الميناء بأسلحة جديدة ومتطورة وأصلحت جميع وسائل الميناء الدفاعية . وأصبحت عدن تعرف بالوثائق البريطانية (القلعة العسكرية) وأصبح يعطى لسياسة الأمن العسكري في عدن الأفضلية والأولوية على المجال الاقتصادي والتجاري. وأجريت الدراسات في عدن عام 1929م لتوضيح أهمية عدن ليس كميناء بحري محصن عسكريا بل ايضا كقاعدة جوية وخاصة مع زيادة استخدام الطائرات في الأعمال الحربية واستخدامها لضرب قوات الإمام يحيى التي زحفت على المحميات التسع.

 

تقرير سايميز

 

طالما استفادت بريطانيا من عدن والطريق المؤدي إلى المحيط الهندي والشرق اقتصاديا وسياسيا واستراتيجيا منذ احتلالها سنة 1839 م وجعلتها تابعة لحكومة بومباي بالهند. وفي عام 1930م قدم (سايميز) المقيم السامي البريطاني في عدن تقرير إلى حكومة الهند البريطانية من امكانيه أن تتحول عدن إلى قاعدة جوية إلى جانب أهميتها كقاعدة بحرية ومركز هام للتجارة البريطانية ومحددا في تقريره الأهداف البريطانية لوجودهم في عدن ومنها أن تكون ميناء مجهزا لتقديم الوقود والاحتياجات للأسطول البحري والقوات الجوية وأن تكون ايضا  قاعدة لممارسة النفوذ السياسي في الجزء الجنوبي الغربي للجزيرة العربية وخاصة المنطقة الساحلية والحيلولة دون قيام أي أمراء وحكام في عقد أي اتفاقية مع قوة أجنبية غير بريطانيا بالإضافة لكون ميناء عدن مركز للتجارة البريطانية بالجزيرة العربية الهندي وفي سنة 1937م  حرص المحتل على الارتقاء بوضع عدن لتصبح مستعمرة (تاج ) والحاقها بوزارة المستعمرات البريطانية في لندن .  وباستقلال الهند سنة 1948م كان لابد من الاهتمام المتزايد من قبل المحتل البريطاني بعدن لخدمه اهدافها ومنها أن تكون قاعدة للنشاط البحري البريطاني في المحيط الهندي .

 

مستودع للقنابل

 

لقد لعبت عدن خلال الحرب العالمية الثانية دورا كبيرا في الحملة التي قام بها الحلفاء عام 1941م ضد ايطاليا فقد احتلت الصومال واضطرت بريطانيا على الانحسار مؤقتا. وعندما انهارت قوات المحور وخاصة بعد الأزمة الانجليزية -الايرانية أصبحت عدن مركزا رئيسيا من مراكز العمليات الحربية البريطانية وقد ازدادت أهميتها الاستراتيجية بالنسبة لبريطانيا فيما بعد وخاصة للقيام بالتزاماتها تجاه شركائها في حلف بغداد وكذلك في حلف جنوب شرقي آسيا . وبعد جلاء القوات البريطانية عن قاعدة السويس عام 1956م و معارضة رئيس كينيا (جومو كينياتا) في إقامة قاعدة عسكرية كبيرة في موباسا قررت الحكومة البريطانية أن توزع قواتها المسلحة على ثلاث مناطق استراتيجية أوروبا في انجلترا وألمانيا الغربية وسنغافورة وعدن . وأهمية عدن تأتي من كونها في مركز وسط بين الكويت من جهة وبين اتحاد افريقيا الوسطى حيث تقوم المشكلة الاستعمارية الكبرى للبريطانيين . وعندما جلا الانجليز عن مصر والعراق حولوا القسم الاعظم من معداتهم ومن قواتهم الجوية إلى قبرص وعدن . وقد تحولت عدن  من مجرد قاعدة بحرية إلى قاعدة استراتيجية فيها مستودعات للقنابل الذرية والهيدروجينية وانتقلت مدينة عدن من مستوى مركز للقوات البحرية البريطانية عام 1955م إلى مرتبة قيادة عليا بشبة الجزيرة العربية عام 1957م وتغطى منطقة واسعة تمتد من ليبيا إلى الهند ومن بحر كامسبير إلى مدغشقر .

 

البترول الايراني

 

كانت عدن تؤمن لبريطانيا وجودها ليس على الشواطئ العربية في الجنوب فقط بل وجودها في الشرق الاوسط وفي شرقي افريقيا ايضا. وكذلك تحتفظ بإمكانية إرسال حملات عسكرية حيث تكون المصالح الغربية مهددة كما حصل في الكويت عام 1961م وفي كينيا واوغندا عام 1964م . وعلى الرغم من المنافسة بين انجلترا -امريكا فإن الامبريالية الانجلو -امريكية تعمل بانسجام من أجل حماية البترول والثروات المعدنية الاخرى. يضاف إلى ذلك أن عدن تمثل بالنسبة للمحتل البريطاني الموقع الأفضل لأن ناقلات البترول التي تحمل العلم البريطاني أو تلك التي تنقل في خزاناتها البترول تؤمن بواسطة عدن الصلة بين آبار الخليج العربي وبين المصافي الأوروبية. فبواسطة عدن تضع انجلترا يدها على حركة المواصلات الآتية من آسيا وتستطيع أن تتحكم حتى بالسويس ومن هنا كانت كراهية مصر للوجود الانجليزي في المنطقة. كذلك كان جزء من منشآت مصافي عبدان قد نقلتها شركة النفط البريطانية إلى عدن ببناء مصفاة عدن بعد تأميم البترول الايراني الذي قام به مصدق. وإلى جانب كون عدن مركزا للتموين وكونها وحدة للإنتاج وتشكل  مركزا للنفوذ والسيادة على الأراضي الغنية بالبترول التي تحيط بالقاعدة على امتداد قرن شبة الجزيرة البحري . لذلك اصبحت عدن مستعمرة كمالطة وسنغافورة وقد وضعت مخططات سرية لحماية المنشآت العسكرية الحديثة والباهظة التكاليف في تلك المستعمرات.

 

تبقى القاعدة

 

سياسا في نظر وزراء المستعمرات أن استمرار سيطرة بريطانيا على عدن عامل اساسي على خلق التوازن السياسي في المنطقة ولم يكن انشاء اتحاد الجنوب العربي سوى مناورة لضمان استمرار وضع يد بريطانيا على المنطقة ووضع حد للتدخل الخارجي في المنطقة لان هذا الاتحاد لم يكن سوى نوع من (الحزام الصحي) الذي يشتمل على سلسلة من الامارات التي انشئت لحماية المستعمرة وفتحت أبواب الهجرة الأجنبية إلى عدن ومحاربة العنصر الوطني بغرض التهيئة لهندسة مشاريع سياسية مستقبلية بجنوب اليمن مرتبطة بالاستعمار البريطاني مثل الحكم الذاتي لعدن واتحاد الجنوب العربي والحكومة الانتقالية وغيرها . وكانت بريطانيا ترى في الامراء وسلاطين المحميات أضمن وسائل المحافظة على مصالحها وابقاء قواعدها العسكرية بعد استقلال جنوب اليمن فدعمتهم بالمال والسلاح وقد جاء تصريح مساعد حاكم عدن آنذاك : (إن وجودنا في الاتحاد وفي المحمية يشكل بالنسبة لزعماء البلاد الضمانة الرئيسية لاستمرار بقاء دولهم دولا مستقلة فرغبتهم العميقة هي في أن نبقى وأن تبقى القاعدة ) . وعسكريا إن اتفاقيات عام 1959 وعام 1962م تضع مسؤولية الدفاع والشؤون الخارجية والتمثيل الخارجي وحق التدخل لتوطيد الأمن في بعض الحالات على عاتق بريطانيا . كذلك أبقت على امتيازات واسعة للمفوض السامي إلا أن جميع هذه الامتيازات سوف تتحول إلى حكومة الاتحاد بعد الاستقلال باستثناء القواعد فقاعدة عدن العسكرية ستؤجر للمملكة المتحدة بحوالي 20 إلى 25 مليون ليرة إسترلينيه في السنة . وفيما يتعلق بالدفاع فقد تم عقد اتفاق يعطى انجلترا حق استخدام سلطتها في شن عمل عسكري منطلق من قواعدها العسكرية في اليمن الجنوبي . لذلك كانت بريطانيا تدرك اهمية قاعدتها العسكرية في عدن لربطها مع قواعدها الاخرى وبهذا الصدد يقول مندوب لوموند : ( في نظر العسكريين ما من شيء يمكن أن يحل محل هذه السلسلة من القواعد التي تربط المملكة المتحدة بالشرق الاقصى لمدى بعيد  وعدن تشكل مع سنغافورة اكثر حلقات السلسلة أهمية وتزداد اهميتها كلما ازدادت الصعوبات في وجه بريطانيا فالحكومة الليبية على سبيل المثال بدأت تطالب بإعادة النظر في المعاهدة البريطانية التي ينتهي مفعولها عام 1973م ).

 

(26 سبتمبر نت – علي الشراعي)

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com