المنبر الاعلامي الحر

قمة الاتحاد الـ36.. كيف أنقذت الجزائر الشرف الأفريقي؟

قمة الاتحاد الـ36.. كيف أنقذت الجزائر الشرف الأفريقي؟

يمني برس- متابعات|

اختُتمت القمّة السادسة والثلاثون لرؤساء الدول والحكومات في الاتحاد الأفريقي على وقع استقطاب حادّ، ميّزه الانقسام بشأن وضعية الكيان الصهيوني، كعضو مراقب في الاتحاد.

 

وعلى الرغم من تعليق وضعية “إسرائيل” عضواً مراقباً، فإنّ القرار أحاديّ الجانب، والذي اتخذه موسى فكي، رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، ومُنح بمقتضاه الكيان الإسرائيلي صفة عضو مراقب في الاتحاد الأفريقي، في تموز/يوليو 2021، لا يزال مبعثاً للانشقاق بين أعضاء المنظمة القارية الأفريقية، وسبباً في إرباك أعمالها ومواقفها.

 

بلغ الارتباك الأفريقي، بسبب قرار فكي، حدّ تهديد الجزائر وجنوب أفريقيا، والدول الواقفة في صفّهما، بإلغاء انعقاد أعمال القمّة في حال حضور مندوب الكيان، واستمر الشدّ والجذب بين المؤيدين حضور “إسرائيل” والرافضين له حتى اللحظات الأخيرة، قبيل بدء أعمال القمة، إذ شهد العالم مشهد طرد نائبة مدير قسم أفريقيا في وزارة خارجية الاحتلال الإسرائيلي، شارون بارلي، من قاعة المؤتمرات.

 

وبنبرة فيها بعض محاولة تبرئة النفس، أكد فكي، في كلمته أمام المؤتمرين، أن المفوضية لم ترسل دعوات إلى مندوبي الكيان، وأنها ستفتح تحقيقاً بشأن من منح شارون بارلي ومرافقها شارة دخول قاعة المؤتمرات.

 

حريّ بنا التذكير بأنّ قرار فكي المنفرد، والذي أيـّدته ودعمته الدول الأفريقية المطبّعة والموقّعة على اتفاقيات التطبيع عام 2020، ليس إلّا تجسيداً لمستوى أعلى من الاستراتيجية الإسرائيلية لاختراق القارة الأفريقية والتغلغل فيها.

 

ومنذ مؤتمر “أفريقيا – إسرائيل”، في تشرين الأول/أكتوبر 2017 في توغو، باتت الدعوة إلى التطبيع موجّهة نحو الهيئات الأفريقية متعدّدة الأطراف، بعد أن قطع الكيان أشواطا كبيرة في التطبيع مع الدول الأفريقية على المستوى الثنائي.

 

في وجه هذا المدّ، تقف الجزائر، منذ أن أعلن فكي قراره في تموز/يوليو 2021، ساعيةً من أجل إبطاله. وأثمرت جهودها الدبلوماسية في تعليق قرار منح الكيان صفة مراقب في الاتحاد في قمة الاتحاد، المنعقدة في الخامس من شباط/فبراير 2022، مع تشكيل لجنة من سبعة رؤساء دول، بينها الجزائر، من أجل إصدار توصية في القضية تقدّم إلى مؤتمر القمة (لم تُصدر اللجنة توصيتها حتى اليوم).

 

مشهدان يُنبئ تأملهما مليّاً بحجم الانشقاق الموجود داخل المنظمة القارية الأفريقية: الأوّل هو مشهد دولة أفريقية، سلّمت شارات الدخول باسمها إلى الوفد الإسرائيلي من أجل المشاركة في أشغال افتتاح القمّة في أديس أبابا (يرجّح أن تكون من الدول المطبّعة مع “إسرائيل”)، والثاني هو مشهد طرد مندوبة الكيان من قاعة المؤتمرات، بدفع من الجزائر وجنوب أفريقيا.

 

خلف المشهدين جناحان: الأوّل، هو جناح تحمل الجزائر وجنوب أفريقيا لواءه، وهو منسجم مع ذاته ومع الهوية التحررية للشعوب الأفريقية، ووفــيّ لإرث القارة الرمزي الثوري، ومتماهٍ في مواقفه وسياساته مع ميثاق الاتحاد الأفريقي ومقرّراته، التي تصنّف الكيان الصهيوني نظاماً محتلاً واستيطانياً وعنصرياً.

 

أمّا الثاني، فهو جناح تحمل لواءه دول التطبيع، وبات لا يتحرّج من إذعانه لطروحات كيان محتلّ، استيطاني وعنصري، فانبرى حاملاً أفكار هذا الكيان التوسّعية والعنصرية، ومدافعاً عن إعطائه صفة العضو المراقب داخل أروقة الاتحاد الأفريقي.

 

ومثلما يحفظ الجناح الأول للاتحاد الأفريقي ودوله وشعوبه هويتها وشرفها الثوري التحرّري، ويُبقيها متصالحة مع عقيدة الدعم لحقوق فلسطين وشعبها، يهدد الجناح الثاني المذعن للصهيونية هذه الهوية، ويعمل ضدّها.

 

كأنّ حاملي الفكر الكولونيالي لم يكتفوا بدأبهم على النهب والسلب لقارّة مظلومة، تحوز ثلث احتياطيات العالم من المعادن والطاقة، من دون أدنى اعتبار لحقوق مواطنيها، فانبروا متفانين، هم ووكلاؤهم من الدول والنخب، في سبيل تجريد الشعوب الأفريقية من ماضيها الرمزيّ، وموروثها الثوريّ، وقِيَم التحرّر ومناهضة الاستعمار، التي أسّست عليها كفاحها، وصنعت بها تاريخها وهويتها!

 

إنـّنا أمام مشهد يعكس مناقضة الذات والتنكّر للماضي والخيانة لتضحيات الملايين، أبطاله بعض النخب والقادة في دول، عايشت في ماضيها غير البعيد تجارب بشعة للاحتلال، ولم تتخلّص بعدُ، لا هي ولا شعوبها، من تبعاتها المدمّرة. فأيّ نكوص بلغته هذه الدول، وهي تنافح عن كيان مجرم، جرائمه ضدّ الأبرياء ماثلة إلى اليوم للعيان؟

 

تعي الجزائر هذه المعاني جيداً، وتدرك أيضاً أن مخطّط تغلغل الكيان الصهيوني هو تهديد لهوية القارة وقيم التحرّر ومعانيه المغروسة في وجدان شعوبها، قبل أن يكون تهديداً لأمن دولها.

 

لا مراء في كون الباعث الأوّل لسلوك الجزائر ذاك نابعاً عن ثباتها على مبادئها ووفائها لقيم ماضيها الثوريّ ومواقفها الراسخة في دعم القضايا العادلة ومناهضة الاستعمار، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، إلّا أنه لا يُختزل فيه حصراً، ذلك بأن استقصاء رؤية الجزائر للمسألة ينبئ بوعيها المزايا الاستراتيجية التي تغري الكيان الإسرائيلي في أن يكون موجوداً كعضو مراقب داخل الاتحاد الأفريقي، وليس أقلـّها اختراق الهيئات الأفريقية من الداخل، ثمّ تفكيك الموقف الأفريقي الموحّد والداعم للقضية الفلسطينية، وإضعافه استتباعاً.

 

وأمام الصمت الذي كان الكيان وحلفاؤه يعوّلون على استكمال مخططهم فيه، وفي ظلّ تواطؤ عدّة دول أفريقية في هذه الخطة، التي تدبَـّر منذ أعوام، فإنّ موقف الاعتراض لدى دول الاتحاد الأفريقي، والذي ما زال يكبر ويشتدّ، ثمّ حلف الدول المجاهر برفض منح الكيان أيّ صفةٍ في المنظمة، والذي توسّع ليضمّ 25 دولة، هما استدراك على إثر غفلة، وسير نحو عودة الاتحاد الأفريقي إلى حالة الانسجام مع المبادئ والأهداف التي أُسّس عليها. وتدين بهذا الأمر القارّةُ وشعوبها للجزائر وجهودها الدبلوماسية الحثيثة في إلغاء قرار فكي، منذ أُعلن عام 2021.

 

إن تواتر مواقف الدول داخل الجسم الأفريقي على نحو ينسجم مع موقف الجزائر هو برهان على نجاح مساعي الأخيرة في حشد الرفض لمخطّط الكيان الصهيونيّ وحلفائه الأفارقة، على غرار المغرب وتشاد، ولا سيما أنّ حلف المناوئين بات يضم، إلى جانب الجزائر وجنوب أفريقيا، دولاً قويـّة في الاتحاد، ومعلوماً ثقلها داخل مؤسّساته، كنيجيريا ومصر.

 

هذا التراكم، الذي بنته الجزائر وتعوّل عليه من أجل إحباط مشروع الكيان مستقبلاً، هو في الحقيقة مؤشّر قويّ على أنّ فكرة قبول وجود الكيان وسط الأفارقة، والتي يخدع الكيانُ وإعلامه العالمَ عير ترويجها، ليست سوى ادعاء باطل تنفيه الحقائق الماثلة.

المصدر/ الميادين نت|

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com