المنبر الاعلامي الحر

الرسول محمد مصدر عز الأمة ورقيها

عبد المجيد الحوثي

في الوقت الذي كانت الجزيرة العربية تغرق في حالة من التشتت والتمزق و الضياع و غياب الدولة و القوانين و القيم الإنسانية و تفشي القيم الجاهلية و العادات السيئة و الظلم والفساد و ثقافة القتل والسلب و السبي و وأد البنات و قطيعة الرحم و الفحش والفجور

جاء الرسول الخاتم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ليحمل مهمة اصلاح الفرد والمجتمع و بناء الدولة الإسلامية العادلة التي تحافظ على الإنسان و تصون دمه و ماله و عرضه و تبني المجتمع الصالح الذي لا يجتنب الظلم والبغي والعدوان فقط بل يصل الى درجة الإحسان و الإيثار و بذل النفس والمال من اجل اسعاد الآخرين و غيرها من القيم الانسانية النبيلة التي ما جاء دين الإسلام الا ليرسخها :(إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)

و لأن هذه المهمة(مهمة بناء المجتمع الصالح والدولة العادلة) في ظل مجتمع كمجتمع الجزيرة العربية الذي من المفترض أنه سيكون مهد هذه الدولة التي يراد لها أن تسود بقيمها و قوانينها و أنظمتها الحكيمة ربوع المعمورة كان لا بد أن يكون لها رجل استثنائي بكل المقاييس و الاعتبارات استثنائي ليس على مستوى المنطقة و لا حتى على مستوى ذلك الجيل وتلك المرحلة بل على مستوى المسيرة الإنسانية منذ استخلف الله الإنسان في هذه الارض وإلى إعلان انتهاء فترة الاستخلاف “بقيام الساعة” فكان النبي محمد صلى الله عليه واله و سلم هو من ادخره الله لهذه المهمة و جعله مسك ختام الرسالات السماوية الى الارض و هو ذلك الانسان الذي بشرت به الرسل و أخذ عليهم العهد من الله إن هم أدركوا هذا الإنسان العظيم:

أن يكونوا من أعوانه وأنصاره.

فتحمل الرسول الاعظم هذه المهمة العظيمة والشاقة و بدأ في الدعوة لها في وضع يقول عنه و عن الدعوة فيه “أهل العزيمة و الإرادة” أنها مهمة مستحيلة في الزمن الصعب ولكن همة هذا الرجل كانت استشنائية كشخصيته فلم يتكاسل او يتوانى عن النهوض بمشروعه الانساني العالمي الكبير الذي يقوم بتحقيق العدالة والمساواة و الأمن والاستقراء والرخاء لكل بني الانسان

و لأنه صلى الله عليه وآله و سلم كان يدرك أن أبناء مجتمعه و بني جلدته هم أبعد الناس عن النهوض بمثل هذه المشروع مع ماهم عليه من الثقافات المغلوطة والعادات السيئة و السلوكيات الخاطئة و لأنه يدرك أن النهوض بمشروع الدولة العادلة لا يتم إلا ببناء الفرد السوي والمجتمع الصالح حيث و مشروع الدولة يجعل السلطة والقوة و الامكانيات تتركز في مجموعة من المجتمع واذا لم تكن قد ترسخت فيها الاخلاق الفاضلة والقيم و المبادئ الحقة فانه من المحتمل و المحتمل جدا أن تنقلب هذه المجموعة إلى سلطة دكتاتورية و استبداية و قمعية ظالمة تكون سببا في شقاء الأمة والإنسانية بدل ان تكون سببا في سعادتها.

فمن اجل ذلك كانت بداية مشروع الرسول الخاتم و خطوته الأولى هي بناء الفرد الصالح و ترسيخ الأخلاق الفاضلة والقيم النبيلة و المبادئ السامية لدى هذا الفرد و كذا بناء الرؤية الجمعية والشاملة لديه.

و قد استمر النبي محمد صلى الله عليه واله و سلم في هذه المرحلة أكثر من ثلاثة عشر سنة و هي ما يزيد على نصف مسيرته العظيمة في هذه الحياة و عندما أصبح لديه النواة الصالحة من الأفراد الأسوياء و حصل على المنطقة الجغرافية (المدينة المنورة) التي يمكن ان تكون المنطلق لبناء مشروع الدولة العادلة بدأ الرسول الخاتم مرحلته الثانية و هي بناء هذه الدولة على أسس الحق والعدل والمساوات في الحقوق والواجبات و قد استطاع هذا الانسان العظيم أن يغير مجرى التاريخ ووجه المنطقة بل والعالم اجمع و يصنع دولة النظام والقانون التي غطت معظم الكرة الأرضية و غيرت المفاهيم والقيم و بنت الإنسان و المجتمع و الدولة واسست لمبادئ العدل والسلام والتعايش بين جميع بني الإنسان بغض النظر عن عقائدهم و مللهم و اعراقهم و لغاتهم و ألوانهم و جعلت من الأمة الأمية أمة رائدة في كل مجالات الحياة و متقدمة في علومها فصارت المرجعية العلمية في العلوم الطبيعية لكافة الأمم التي كانت هي مهد الحضارات والعلوم والانظمة فكانت خير أمة اخرجت للناس :(كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) فالأخيرية لأي أمة في نظرة الإسلام هي في الالتزام بمبدأ الأمر بما هو -من خلال النظرة العقلائية و الفطرة السليمة- معروفا و حسنا و مفيدا لبني الإنسان و النهي عن ما هو منكر لدى العقلاء و يضر بهم كافراد و كمجتمعات لأن هذه هي رسالة جميع الأنبياء و الحكمة الالهية من سن النظم والقوانين الشرعية(لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) [سورة الحديد : 25]

و قد كانت أمة الإسلام خير الأمم حينما تمسكت بالهدي الإلهي و طبقت قوانين الإسلام الداعية إلى الحق والعدل :(قل أمر ربي بالقسط)(إن الله يأمر بالعدل والإحسان).

و لكن حينما بدأ الانحراف عن هذه القيم والمبادئ و ذلك على مستوى الفرد و بالأخص بعض من كانوا يملكون مراكز النفوذ والسلطة بدأ الانحدار لأمة الإسلام وبدا السقوط لتلك القيم العظيمة التي ارساها الرسول الاعظم لدي كثير من ابناء الامة الاسلامية و لكنه و مع ذلك بقيت لهذه الأمة قوتها و هيبتها أمام الأمم الاخرى و لكنها حين فسدت كأمة و كمجتمع و ضيعت مشوع الأمة الواحدة و الدولة الموحدة بدأ الانهيار الكلي لهذه الامة كأمة لها مكانتها بين الأمم فضعفت و خارت و تمزقت و تشتت و تكالب عليها أعدائها و “تداعت عليها الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها” و تحكم أئمة الكفر بمصيرها و مقدراتها و صارت تابعة بعد ان كانت متبوعة و ضعيفة بعد القوة و ممزقة بعد الوحدة و رجعت الى وضعها السيئ الذي كانت عليه قبل الاسلام و ذلك عندما فارقت مصدر عزتها و قوتها وحضارتها و رقيها بين الأمم و هو دين الاسلام و مبادئه السامية كما يشير الى ذلك الرسول الأعظم صلى الله عليه وعلى اله وسلم حين يقول :(بعثت بين جاهليتين أخراهما شر من أولاهما) و لن يرجع لهذه الامة مجدها و عزها و قوتها و مكانتها بين الأمم الا حينما ترجع إلى دين الإسلام و إلى منهج القرآن و إلى أخلاق القران الكريم التي رباها عليها سيد الخلق و استطاعت بها أن تبني حضارتها التي امتدت الى اصقاع الارض واستمرت لأكثر من الف سنة حينما تعرف انها امة واحدة يسودها الاخاء و المحبة و يجمعها دين الاسلام وتترك العداوة و البغضاء فيما بينها و تعرف ان عدوها هو ائمة الكفر و انهم هم من يسعون الى تمزيقها و تقسيمها و شرذمتها.

ستعود لهذه الأمة قيمتها حينما يعود لها الفهم الصحيح لرسالة الاسلام و مبادئها و قيمها التي و ضعها الله لتكون القانون الذي يسود العالم و يسعد البشرية جمعاء:(و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com